هو عدم وجوب الفحص فيه فيبقى إطلاق أدلّة الاستصحاب شاهدا له لعدم جريان الأدلّة المتقدّمة على وجوب الفحص هنا أمّا الإجماع فلعدم ثبوته هنا كما ستعرفه كيف لا وقد عرفت دعوى بعضهم الإجماع على خلافه وأمّا العلم الإجمالي فهو غير معتبر فيما كانت أطراف الشّبهة فيه غير محصورة كما في المقام نعم لو كانت محصورة وجب فيه الاحتياط ولذا قلنا به في الشّبهة المحصورة فإن قلت إنّ أطراف الشّبهة في الأحكام أيضا غير محصورة قلت أوّلا إنّ الإجماع هو الفارق ولو لم يكن هناك إجماع على الفحص قلنا بعدم الوجوب ثمة أيضا وثانيا إن العلم الإجمالي إنّما يوجب الاحتياط مع كون أطراف الشبهة جميعا محل ابتلاء للمكلّف وهو كذلك في الشبهات الحكميّة لابتلاء الفقيه بها ولو لأجل الإفتاء للمقلّدين بخلاف الشبهات الموضوعيّة ولذا لا يجب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة فإن قلت إنّ الوجه في عدم اعتبار العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة ليس منحصرا في ذلك بل له وجه آخر أيضا وهو الإجماع عليه فلم لا تقول بعدم اعتباره هنا أيضا وإن كانت الشبهة حكميّة قلت إنّ الإجماع هناك إنّما هو فيما كانت الشبهة موضوعيّة والفرض هنا كونها حكمية فلا إجماع كيف لا وقد عرفت الإجماع على وجوب الفحص هنا وهو دليل على اعتبار العلم الإجمالي فيه وأمّا كون مقتضى الأصل عدم اعتباره قبل الفحص ففيه أنّ وجوب الرّجوع إلى مقتضى الكتاب والسّنة وغيرهما من الأدلّة إنّما هو لاستفادة الأحكام الكليّة منها ولا ريب أنّ موضوعاتها الخارجة لا تتعين بها بل تعيينها بالوجدان أو الأصول والأمارات وبعد تشخيص الموضوعات الخارجة بها يتنجز التكليف بالأحكام المتعلقة بها فإذا شكّ في بلوغ المال حدّ النصاب أو الاستطاعة وأثبتنا عدم بلوغه إليهما بالاستصحاب لا يعقل تعلق الحكم بمثل هذا الموضوع وبالجملة إنّ الفحص عن الأدلّة إنّما هو لاستعلام الأحكام الكليّة المستفادة منها والعمل بالاستصحاب في متعلقات هذه الأحكام وموضوعاتها الخارجة إنّما هو لتعيين هذه الموضوعات فالفحص عن الأدلّة لا دخل له في إجراء الاستصحاب في موضوعات الأحكام المستفادة منها فما يظهر من صاحب الرّياض من إيجاب الفحص على من شكّ في بلوغ ماله حدّ النصاب محتجا بوضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة ولا يحصل العلم بالخروج من عهدة التكليف الواقعي إلاّ بالفحص عن بلوغه حدّ النّصاب يظهر ضعفه ممّا قدّمناه لأنا وإن سلمنا أنّ وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة يقتضي وجوب الاحتياط في الموضوعات المشتبهة إلاّ أنّ هذا إنّما هو فيما لم تكن أمارة على تعيين الموضوع والاستصحاب كالبيّنة أمارة على عدم بلوغ المال حدّ النصاب وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكرناه سلامة إطلاقات أدلّة الاستصحاب في نفي وجوب الفحص في العمل به في الموضوعات من معارضة الوجوه المتقدّمة لوجوب الفحص في الأحكام فيبقى الإجماع المدّعى عليه شاهدا له لكن الإنصاف أنّ التأمل الصّادق في كلماتهم فروعا وأصولا يقضي بعدم تحقّق هذا الإجماع لإيجابهم الفحص في بعض الموارد كما في صورة الشكّ في بلوغ المال حدّ النّصاب في الزّكاة والخمس وحدّ الاستطاعة في الحجّ وفيما شكّت المرأة في كون دم الاستحاضة قليلا أو كثيرا أو متوسّطا فيوجبون الاعتبار بوضع القطنة وفي استبراء المرأة عند الشكّ في انقطاع دم الحيض حيث لم يحكموا باستصحاب العدم في أمثال هذه الموارد وادعى بعضهم في أصوله وببالي أنّه صاحب المعالم أنه إذا قال المولى لعبده أكرم علماء البلد يجب عليه الفحص عن العلماء الموجودين في البلد ويذمه العقلاء لو اكتفي بإكرام من علم بوجوده من العلماء في البلد من دون فحص إذا كان في البلد عالم سوى من أكرمه ويمكن الوصول إليه بالفحص وهذا متجه في الجملة والميزان في ذلك بحيث يكون ضابطا في الخروج من الأصل الّذي قدمناه وهو عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة لا يخلو من أحد وجوه أحدها أن يكون العمل بالأصل مستلزما للمخالفة الكثيرة فيجب الفحص في مثله لمنافاتها لغرض الشّارع من جعل الأحكام ولعل إيجابهم للفحص في الموارد المذكورة من جهة ذلك ولا ينتقض ذلك بباب الطهارة والنجاسة حيث اكتفي الشّارع في الحكم بالطهارة بمجرّد احتمالها مطلقا وإن استلزم محظور المخالفة الكثيرة وذلك لأنّ الشّارع قد وسّع على الأمّة في باب الطهارة لمصلحة اقتضته ثم إنّ معرفة ما ذكرناه في كثير من الموارد ممكنة والمعيار الكلّي أن يعرض المورد الّذي يراد إجراء الأصل فيه على العرف فيتبع حكمهم بوجوب الفحص وعدمه فيه لأنّ مرجع الفحص إلى طريق إطاعة أحكام الشّارع والعرف هو المتّبع في كيفية امتثال أحكامه وثانيها أن يكون الموضوع الّذي يراد استصحابه من الأمور الخفيّة الّتي لا طريق واضحة إلى معرفتها غالبا فيجب في مثله الفحص ولعلّه من هذا القبيل إيجابهم الفحص عن الاستحاضة المتردّدة بين القليلة والكثيرة والمتوسّطة والوجه فيه إمّا حكم العرف الّذي هو المتّبع في باب الإطاعة على ما عرفت أو رجوع هذا المعيار إلى الأوّل أعني لزوم المخالفة الكثيرة في العمل بالأصل من دون فحص وثالثها أن يكون من الأمور الّتي لا طريق إلى معرفته من دون فحص كمعرفته سبحانه والتصديق بنبيّه المرسل من قبله إذ لا طريق إلى معرفة معبود بالحقّ وإلى تصديق من يدع كونه مرسلا من قبله إلاّ النّظر في آثار قدرته تعالى وفي معجزة مدعي النّبوة فلا يجوز نفي وجوب المعرفة والتصديق بأصالة عدم وجوب النظر أو أصالة عدم وجود معبود بالحقّ أو نبيّ مرسل من قبله حتّى تجب المعرفة والتصديق والدّليل على ما ذكرناه هو العقل ثم إنّ جميع الموارد الّتي يجب فيها الفحص من الشبهات الموضوعيّة لا يخلو من أحد الوجوه المذكورة وعليك بالتّأمّل والإذعان بما تجده حقيقا بالقبول والله المعول والمسئول ثمّ إن الكلام في عدم وجوب الفحص للمقلّد في الشبهات الموضوعية والإشكال فيه من جهة عدم تمكّنه من تمييز موارد الأصول الحاكمة والمعارضة على النحو الّذي قرره المصنف رحمهالله في آخر كلامه فلاحظ ولا تغفل والله أعلم (قوله) والمراد به معروض المستصحب إلخ توضيحه أنّ الفرق بين المستصحب وموضوعه أنّ المستصحب هو الأمر العارض الّذي يقع موردا للاستصحاب وهو المحمول في القضيّة المتيقنة السّابقة والموضوع هو المعروض لهذا المحمول القائم به مع جميع القيود المعتبرة في قيامه به من زمان أو مكان أو وصف أو نحو ذلك ممّا يكون له مدخل في عروض المحمول لموضوعه وقيامه به ولا ريب أنّ المحمول قد يقوم بموضوعه باعتبار وجوده الخارجي مثل قولنا زيد قائم لأن قيام القيام بزيد إنّما هو بوصف وجوده الخارجي وقد يقوم به باعتبار تقرّره الذاتي الملحوظ على وجه قابل لأن يحمل عليه بالوجود تارة وبالعدم أخرى مثل قولنا زيد