اقتصارا على ما ذكره في تعارض الأصول وربّما يفرق بين المقامين تارة بأن الحكم بالتعارض والتساقط هنا مبني على اعتبار الأصول المثبتة والاختلاف في صورة تعارض الأصول مبنيّ على عدمه ووقوع التعارض من حيث ترتيب آثارهما الشّرعية وأخرى بأنّ محلّ الكلام في تعارض الأصول إنّما هو تعارضها بالذّات كتعارض أصالة بقاء حياة العبد الغائب وبراءة ذمّة المولى وهنا في تعارضها بالعرض وبواسطة العلم الإجمالي بانتقاض إحدى الحالتين وثالثة بأنّ موضوع كلامهم هناك وإن كان عامّا لما نحن فيه أعني ما كان التعارض فيه ناشئا من العلم الإجمالي إلاّ أنّ اختلافهم هناك إنّما هو في بعض أفراد الموضوع وهو ما كان المعارض ذاتيا والكلّ كما ترى لا شاهد له وكيف كان فقد يراد بالتمسّك بالأصل هنا تعيين الحادث المجهول وأخرى ترتيب الآثار الشّرعيّة المرتبة على مورد الأصل في المحتملين مطلقا على القول بالأصول المثبتة أو إذا كان بلا واسطة أمر عقلي أو عادي بناء على ما هو الحقّ من عدم الاعتداد بها أمّا الأوّل فلا إشكال بل لا خلاف في عدم صحّة تعيين الحادث بالأصل إمّا لعدم الحالة السّابقة لما يراد تعيين كونه حادثا حتّى تستصحب بأن يقال إنّ الأصل عدم موت زيد فيما لو علم بموت أحد وتردّد بينه وبين عمرو وأصالة عدم موت أحدهما معارضة بمثلها وإمّا لاستلزامه لتعيين الفصل بالأصل وهو باطل كما اشتهر من عدم صحة إثبات الفصول بالأصول والوجه فيه أن قيام الأجناس إنّما هو بالوجود الواقعي لفصولها والأصل إنّما يثبت الوجود الظاهري للفصل بمعنى ترتيب آثار الواقع في مقام الشكّ فإذا علم برجحان فعل وتردّد بين كونه واجبا وكونه مستحبّا فأصالة البراءة عن وجوبه في مقام الظّاهر وعدم ترتب العقاب على تركه عقلا أو شرعا لا تثبت كون الفعل في الواقع جائز التّرك حتّى على القول بالأصول المثبتة ليحكم بكونه مستحبّا نظرا إلى العلم بتحقق جنسه وهو مطلق الرّجحان في الواقع وثبوت فصله وهو جواز الترك بالأصل وكذلك فيما نحن فيه لأنّ أصالة عدم موت زيد بمعنى ترتيب آثار الحياة عليه لا تثبت قيام مطلق الموت المعلوم إجمالا بخصوص موت عمرو مضافا إلى معارضتها بمثلها وإلى كونها مثبتة ثم المراد بعدم جريان الأصل هنا هل هو خروجه من الحجيّة وسقوطه عن مرتبة الاعتبار أو عدم جواز العمل به لأجل المعارضة والتزاحم وعدم المرجّح لأحدهما وتظهر ثمرة الوجهين في جواز التّرجيح بمرجح خارجي وعدمه فيجوز على الثّاني لفرض بقائهما في أنفسهما على صفة الحجيّة غاية الأمر أن تزاحمهما قد منع من العمل بهما فإذا تقوى أحدهما ببعض المرجّحات كتعاضده بأصل آخر تعين العمل به وإلاّ يحكم بتساقطهما بخلافه على الأوّل لفرض خروجهما من صفة الحجية وليس وجود مرجّح لأحدهما إلاّ كالحجر في جنب الإنسان نعم جواز الترجيح يختص بما لو قلنا باعتبار الأصول من باب الظنّ وإلا فلا أثر لوجود المرجّح على القول باعتبارها من باب التعبّد كما سيجيء عند بيان تعارض الأصول من عدم صحّة ترجيح أمر تعبّدي بآخر مثله ولا بأمارة ظنيّة هذا ويمكن التفصيل فيما كان الشكّ في تعيين الحادث بين الأصول العمليّة واللفظيّة فيعمل بالأصلين على الأوّل بناء على عدم قدح مخالفة العلم في جريان الأصول كما يراه بعضهم بخلافه على الثّاني لأن اعتبار أصالة الحقيقة إنّما هو من باب الظّهور النّوعي المعتبر عند العقلاء في مباحث الألفاظ فمع العلم بمخالفة أحد الظاهرين للواقع وإرادة خلاف الظّاهر من أحدهما خرج كلّ منهما من الظهور في إفادة مراد المتكلم ولو نوعا فتخرج أصالة الحقيقة في كلّ منهما من الحجّية لانتفاء مناط اعتبارها ولذا قد ذكرنا في محلّه عدم الاعتداد بالظّواهر في مثل المقام من دون فرق بين كون كلّ من طرفي العلم الإجمالي محل ابتلاء للمجتهد وعدم كون كلّ منهما محلّ ابتلاء له وكون أحدهما كذلك دون الآخر نعم يمكن أن يقال بابتلاء المجتهد بجميع المسائل لأجل الإفتاء للمقلدين وإن لم يكن كذلك لأجل عمل نفسه فإذا عرفت هذا فاعلم أنا إن قلنا باعتبار الأصول المثبتة فلا وجه للتمسّك بها في المقام لما عرفت من معارضتها بمثلها وإن لم نقل بذلك كما هو الحقّ فلا مانع من العمل بكلّ من الأصلين في مورده إن لم يستلزم مخالفة عمليّة كما إذا علم بنجاسة ثوبه أو موت موكّله فيحكم بطهارة الثّوب وحياة الموكّل عملا بالأصلين وإلاّ يحكم بالتّساقط وتوضيحه أن موارد العلم الإجمالي ممّا كان الشكّ فيه في الحادث يتصوّر على وجوه أحدها أن لا يتولد من العلم الإجمالي بوقوع الحادث خطاب تفصيلي يلزم من طرحه طرحه مع ترتب أثر شرعيّ على مقتضى الأصلين من دون توسط أمر عقلي أو عادي كمثال الثّوب والموكّل فيعمل فيه بكل من الأصلين إذ لا يلزم عليه سوى المخالفة الالتزاميّة للعلم الإجمالي وهي غير قادحة فيه كما قرّر في محلّه وثانيها كسابقه إلاّ أنّه يفرض ترتب الأثر على أحدهما دون الآخر كما إذا علم بكون الحادث نجاسة ثوبه أو ثوب شخص آخر لا يبتلى هو به عادة وحينئذ يعمل بالأصل في محلّ الابتلاء دون غيره كما قرّر في الشبهة المحصورة وثالثها أن يتولّد من العلم الإجمالي خطاب تفصيلي كما في الشبهة المحصورة وحينئذ لا يجوز العمل بهما تعيينا ولا بأحدهما تخييرا كما قرّر في تلك المسألة هذا كلّه إذا كانت الشّبهة موضوعيّة وإن كانت حكميّة فالظاهر جريان الوجوه المذكورة فيها أيضا فما لا يجوز العمل فيه بالأصلين منها ما لو دار الأمر فيه بين المتباينين كاشتباه الظّهر بالجمعة واستوفينا الكلام فيه في مسألة البراءة وما يجوز العمل فيه بهما مثل ما لو تعلق حكم بعنوان المولى وتردّد بين العبد ومولاه إذ يجوز لكلّ منهما مع فرض اجتهادهما العمل بأصالة البراءة نظير واجدي المني في الثوب المشترك نعم جواز الإفتاء لمجتهد آخر مع فرض عدم اجتهادهما بعدم شيء عليهما عملا بالأصلين مبني على جواز المخالفة الالتزاميّة وعدمه وأمّا ما يجوز فيه العمل بأحد الأصلين خاصّة فمثل ما لو علم إجمالا بوجوب شيء عليه من مسائل الطهارة مثلا مع ابتلائه به أو شيء آخر من مسائل الحجّ على تقدير استطاعته وابتلائه به لجريان أصالة البراءة في محلّ الابتلاء من دون معارضتها بشيء أصلا الأمر الثالث أن من أقسام الاستصحاب ما يسمّى عرضيّا والمراد به أن يعلم تعلق حكم بموضوع بسبب أمر عرضي ثم ارتفع هذا الأمر العرضي فشك في بقاء الحكم وهذا تعريفه إجمالا وأمّا معرفة حقيقته تفصيلا فهو عبارة عن أن يعلم بثبوت حكم في موضوع وكانت لهذا الحكم جهتان سواء كانتا خارجتين من حقيقة الموضوع أو كانت إحداهما داخلة والأخرى خارجة وكان هذا الحكم من إحدى الجهتين معلوم التحقّق ومن الأخرى مشكوك التحقق سواء كان ما هو معلوم الحال من إحدى الجهتين هو الذّاتي أو الخارجي فشكّ في بقاء ما ثبت سابقا بعد القطع