بارتفاعه من الجهة الّتي علم تحقّقه من هذه الجهة كالحيوان المتولّد من الغنم والكلب مع عدم اندراجه تحت أحد الاسمين مع تلطخه بالدّم حين تولّده ثمّ غسل بالماء الجاري بحيث يقطع بزوال النجاسة المتعارضة بالدّم فتستصحب النجاسة حينئذ وكذا الحرمة بعد التذكية الشّرعية والمشهور عدم حجيّة هذا الاستصحاب واحتج له بأن المستصحب إن كان هي النجاسة العارضة فقد زالت بالفرض وإن كانت النجاسة الذاتية فهي مشكوكة الثبوت سابقا وأقول هذا الوجه متجه إن كانت الجهة المعلوم حالها تقييدية لا تعليلية وتوضيحه أن الجهة الّتي تعلق الحكم بسببها بموضوع قد تكون تقييدية بمعنى كون الجهة الّتي يعرض الحكم لموضوع بسببها هي الموضوع أو جزءا منه في الواقع مثل قولك أكرم زيدا عالما أو هاشميّا لأنّ الموضوع هو زيد العالم أو الهاشمي بوصف كونه عالما أو هاشميّا وقد تكون تعليلية بمعنى كون هذه الجهة علّة لعروض الحكم لموضوعه بأن كان موضوع وجوب الإكرام في المثال هو ذات زيد من حيث هي وكان العلم أو كونه هاشميّا علة لعروض الحكم وعدم جريان الاستصحاب في المثال إنّما هو بناء على كونه من قبيل الأوّل وإلاّ فلو فرض كون الجهة من قبيل الثّاني فلا مانع من التمسّك به حينئذ في الجملة وذلك لأنّ الجهة التعليلية قد يعلم بكونها علّة موجدة ومبقية كما إذا علم كون التغير محدثا للنجاسة ومبقيا لها أيضا وقد يعلم كونها موجدة ويشكّ في كونها مبقية كمثال التغير إذا فرض كونه كذلك وقد يعلم بكونها موجدة وبعدم كونها مبقية أمّا الأوّل فلا مسرح للأصل فيه للعلم ببقاء الحكم فيه بعد زوال العلّة وأمّا الثّاني فلا مانع من التمسّك به فيه لفرض تحقق موضوعه فيه وهو اليقين السّابق والشكّ اللاّحق ومن هنا حكي عن العامة بل وعن غيرهم أيضا الحكم بنجاسة الخنزير الواقع في المملحة فصار ملحا تمسّكا بالأصل وأمّا الثّالث فالظاهر عدم جريان استصحاب النجاسة فيه إمّا لعدم العلم بعلة البقاء فيه والأصل عدمها فيرتب عليه عدم معلولها وهذا إنّما يتم إذا كان المعلول من الأمور الشّرعيّة وإن كان من الأمور العقليّة أو العادية فهو إنّما يتم على القول بالأصول المثبتة وإمّا لأنّ الوجود الأوّل كان متحقّق الثبوت بسبب تحقّق علته وأمّا الوجود الثاني فهو مشكوك التحقّق والأصل عدمه الأمر الرّابع أنّ في اختصاص قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ بل تنقضه بيقين آخر مثله من حيث عدم ذكر متعلق اليقين والشكّ في الفقرتين بالأحكام الواقعية وموضوعاتها أو كونه أعمّ منهما ومن الأحكام الظّاهريّة وموضوعاتها وجهان أقواهما الثاني لعموم اللفظ وتظهر ثمرة الوجهين في أمرين أحدهما جواز استصحاب الأحكام الظّاهريّة وموضوعاتها وعدمه كاستصحاب الأحكام الّتي استنبطها المجتهد عند عروض ما يشكّ معه في جواز العمل بها وكذا استصحاب العدالة الثابتة بالبيّنة عند الشكّ في زوالها وثانيهما جواز نقض اليقين السّابق باليقين الشّرعي وعدمه كما إذا علمت عدالة زيد في السّابق بالوجدان أو البينة ثم قامت بيّنة أخرى في الزّمان الثاني على عروض الفسق له وما يظهر من المحكي عن بعضهم من التأمّل في شمول الرّواية للأحكام الظاهريّة وموضوعاتها لا وجه له بعد عمومها أو إطلاقها نعم كثيرا ما يمنع جريان الاستصحاب في الأحكام الظاهريّة لكن لا لأجل منع عمومها بل لأجل الشبهة في بقاء الموضوع الّذي هو شرط جريانه كما في جواز العمل بالاجتهاد السّابق عند عروض الشكّ في زوال قوّة الاستنباط عنه وعدم وجوب تجديد النّظر في الاجتهاد السّابق إذا غاب تفاصيل الأدلّة عن نظره وجواز البقاء على تقليد من قلّده ثمّ وجد أعلم منه إلى غير ذلك لأنّ عدم جريان الاستصحاب في هذه المسائل إنّما هو لاحتمال تقيّد جواز العمل في الأولى بعدم الشكّ في اجتهاده ثانيا وتقيد عدم وجوب تجديد النّظر في الثانية بعدم غيبته تفاصيل الأدلّة عن النّظر وتقيد جواز البقاء في الثالثة بعدم وجود أعلم من الأوّل ومع ارتفاع هذه القيود المحتملة لا يبقى العلم ببقاء الموضوع الّذي هو شرط جريان الاستصحاب بل التحقيق أن مرجع الشكّ في جميع الأحكام الظّاهريّة سوى الشكّ من جهة احتمال طروّ النّاسخ إلى الشكّ في بقاء الموضوع فيرجع الشكّ فيها دائما إلى الشكّ في المقتضي دون المانع نعم إن العرف قد يتسامح في أمر الموضوع كما سيجيء فحيثما ثبت ذلك وإلاّ يمنع فيه جريان الاستصحاب وأمّا الموضوعات الظّاهريّة الثابتة بالأمارات الشّرعيّة كالبيّنة واليد والسّوق ونحوها فالعلم فيها غالبا حاصل ببقاء الموضوع كما لا يخفى ثم إنّك بعد ما عرفت من جواز نقض اليقين السّابق بالأدلّة الشرعيّة فهل هو من باب تخصيص عموم لا تنقض اليقين بالشكّ بها أو من باب الورود أو الحكومة فقد أشار المصنف رحمهالله إلى ذلك في أوّل مسألة البراءة وسنشير إليه أيضا عند بيان شرائط العمل بالاستصحاب ونقول هنا توضيحا إنّ الّذي يظهر من صاحب الرّياض ومحكي الشّهيد الثاني في المسالك وروض الجنان هو الأوّل كما يشير إليه قولهما في موارد كثيرة الأصل يخصّص بالدّليل وكلمات آخرين مجملة من هذه الجهة لأنّ المعلوم من جهتهم أنّهم قدموا الأدلّة على الأصول وأمّا كون ذلك عندهم من باب التخصيص أو الورود أو الحكومة فغير معلوم ولعلهم لم يلتفتوا إلى جهة الفرق بين هذه العناوين وإنّما بحث عنها أواخر المتأخرين وربّما يظهر من بعضهم بناء المسألة على أنّ المراد بالشك في قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ بل تنقضه بيقين آخر إن كان هو الشكّ في الحكم الواقعي أو موضوعه كان نقض اليقين السّابق بالدليل الشّرعي من باب التخصيص لعدم ارتفاع الشكّ حقيقة بالدّليل الشّرعي كالبيّنة القائمة على الطّهارة في مقابل النجاسة المستصحبة وإن كان أعمّ من الشكّ في الحكم الواقعي والظاهري كان نقضه به من باب الورود لا التخصيص لأنّه مع اليقين بالحكم الظاهري يرتفع الشكّ المأخوذ في موضوع الاستصحاب حقيقة فيكون الدّليل الشّرعي واردا عليه ويرد عليه أولا أنّه على الشّق الأوّل من التّرديد وإن لم يرفع الدّليل الشّرعي الشكّ حقيقة إلاّ أنّه يرفعه شرعا فيكون حاكما على عموم لا تنقض اليقين بالشكّ وثانيا على الشّق الثّاني أعني كون متعلّق اليقين والشكّ أعمّ من الحكم الواقعي والظاهري هو اتحاد متعلق اليقينين والشكّ في الفقرتين وبتقرير آخر أنّ ظاهر الرّواية على تقدير عمومها اعتبار تعلق الشكّ بعين ما تعلق به اليقين وكذا تعلق اليقين النّاقض بنقض عين ما تعلق به اليقين الأوّل فاليقين الأوّل إن تعلق بالحكم الواقعي فلا بدّ أن يتعلق الشكّ واليقين الثّاني به أيضا وإن تعلق بالحكم الظّاهري فكذلك الشّكّ واليقين الثّاني فإذا علمنا بالطّهارة واقعا ثمّ شككنا في زوالها ثم قامت البيّنة