ينظر كلام المحقّق القمي رحمهالله في توجيه إخراج القياس من نتيجة مقدّمات دليل الانسداد مع عدم قابلية حكم العقل للتّخصيص حيث قال إنّ تكليف ما لا يطاق وانسداد باب العلم من جهة الأدلّة المقتضية للعلم أو الظنّ المعلوم الحجية مع بقاء التكليف يوجب جواز العمل بما يفيد الظنّ يعني في نفسه مع قطع النّظر عمّا يفيد ظنّا أقوى وبالجملة ما يدلّ على مراد الشّارع ولو ظنّا ولكن لا من حيث إنّه يفيد الظنّ لا أنّه يوجب جواز العمل بالظن المطلق النفس الأمري وهذا المعنى قابل للاستثناء فيقال إنّه يجوز العمل بكل ما يفيد الظنّ بنفسه ويدل على مراد الشّارع إلاّ القياس وبعد وضع القياس من البين فإذا تعارض باقي الأدلّة المفيدة للظنّ فحينئذ يعتبر الظنّ النّفس الأمري وتلاحظ القوّة والضّعف بل لا يبقى حينئذ ظن ضعيف بل الأقوى يصير ظنّا والأضعف وهما انتهى وعلى ما ذكرناه يبتنى أيضا جواز تقليد العوام للمجتهد وإن كان المقلّد ظانا بالحكم الواقعي والمجتهد شاكّا فيه لأنّ عمدة الأدلّة الّتي يلتفت إليها العوام وتحركه إلى الأخذ بقول المجتهد هو ثبوت التّكليف بالواقع وانسداد باب العلم إليه غالبا وعدم تمكّنه من العمل بالأدلّة الظنيّة سوى الأخذ بقول المجتهد إذ لا طريق أقرب إلى الواقع بالنّسبة إلى المقلّد سواه فيجب عليه الأخذ بقوله وإن كان المجتهد شاكا والمقلّد ظانا بالواقع لما عرفت أنّ مقتضى دليل الانسداد هو وجوب الأخذ بما هو أقرب إلى الواقع لا بصفة الظنّ من حيث هي ولا شك أن شكّ المجتهد أقرب إلى الصّواب من الظّنون غير المنضبطة للمقلّد سيّما إذا قيست إلى مجموع ظنونه وشكوكه ثم إنّك بعد ما عرفت من كون ظاهر المشهور اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ النّوعي فاعلم أنّه لم يظهر خلاف ذلك وهو القول باعتباره من باب الظنّ الشّخصي سوى ما حكي عن شيخنا البهائي في حبل المتين كما تقدّم كلامه في الأمر الرّابع من الأمور الّتي قدّمها المصنف رحمهالله أمام المقصود وهو غريب سيّما مع تمسّكه بالأخبار الّتي لا إشعار فيها بذلك بل فيها شواهد على خلافه كما ذكره المصنف رحمهالله وأغرب منه قوله بذلك في مورد صحيحة زرارة الظاهرة أو الصّريحة في خلافه كما يظهر من ملاحظة ما ذكره المصنف ره وربّما يلوح ما ذكره ممّا نقله المصنف رحمهالله عن الشّهيد فتدبّر(قوله) ولا خلاف فيه إلخ هو ظاهر الفيومي حيث نسب ما نقله المصنف رحمهالله عن الصّحاح إلى أئمة اللّغة ثمّ قال فقولهم خلاف اليقين هو التردّد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر ونسب تفسير الشكّ في قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) بعدم الاستيقان إلى المفسّرين ثم قال وهو يعم الحالتين وهو كما ترى كاف في المدّعى نعم ربّما يفسّر الفقهاء الشكّ في باب الصّلاة بما تساوى طرفاه كما في ركعات الصّلاة وأفعالها ولكنّهم جروا في باب الشروط على طبق اللّغة مثل قولهم من تيقن بالطهارة ثمّ شك فيها يبني عليها أو نحو ذلك (قوله) حيث جعل غاية وجوب إلخ الأولى أن يقال غاية بقاء الوضوء بدل وجوب الوضوء(قوله) فإن كلمة لعل ظاهرة إلخ بل تمكن دعوى حصول الظنّ بخلاف الحالة السّابقة في مورد الصّحيحة وهو وقوع الدّم على الثّوب لندرة وقوعه عليه حين الرّؤية فالمظنون وقوعه عليه قبلها فيكون الحكم في موردها مرتبا على مجرد الاحتمال الموهوم وربّما يستدل أيضا بقوله عليهالسلام في هذه الصّحيحة فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصلّيت فيه فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصّلاة قلت لم ذلك قال لأنّك كنت على يقين من طهارتك الحديث تارة بظهور الظنّ في المدّعى وأخرى بترك الاستفصال المفيد للعموم في المقال لأنّ مورد السّؤال هو الفحص عن الدّم وعدم رؤيته بعد حصول الظنّ به والظنّ قد ينقلب بعد الفحص إلى الشكّ وقد يبقى على حاله وقد حكم الإمام عليهالسلام بعدم جواز نقض اليقين بالشكّ من دون استفسار عما وقعت عليه الواقعة وهو دليل العموم في الجواب ويرد على الوجهين أن الاستدلال إن كان مبنيّا على أخذ الشك بالمعنى الأعمّ من متساوي الطرفين ومن الرّاجح فهو كاف في المدّعى من دون حاجة إلى الوجهين وإن كان مبنيّا على تقدير أخذه بمعناه الأخصّ أعني تساوي الطرفين يرد عليه أنّ قوله عليهالسلام لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت الحديث يدلّ على عدم جواز النقض بالشكّ بهذا المعنى بالخصوص فلا يشمل صورة الظن بالخلاف وظهور هذه الفقرة حاكم على عموم قاعدة ترك الاستفسار لأنّها إنّما تفيد العموم مع عدم ظهور آخر حاكم عليها(قوله) فتأمّل جدّا إلخ لعل الأمر بالتأمّل إشارة إلى أنّ دعوى كون مرجع رفع اليد عن اليقين السّابق بالظن المشكوك الاعتبار إلى رفع اليد عنه بالشكّ إنّما تتجه إن ثبت اعتبار الاستصحاب مطلقا حتّى في مقابل الظنّ المشكوك الاعتبار وإلاّ فمع الشكّ والتردّد في كون المراد بالشكّ في قولهم عليهمالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ هو تساوي الطرفين أو الأعمّ منه ومن الظنّ المشكوك الاعتبار فالدّعوى المذكورة مصادرة محضة (قوله) فلا ينافي ثبوت الظن إلخ يحتمل أن يكون مراد الشّهيد بالظنّ هو الظنّ النّوعي المجامع للشكّ بمعنى ما تساوى فيه الطّرفان فلا يرد عليه الإيراد المذكور(قوله) نعم يرد على ما ذكرنا إلخ لا يذهب عليك عدم ورود هذا الإيراد لأنّ الشّهيد إنّما دفع توهّم اجتماع اليقين والشكّ بقوله بل المعنيّ به إلى آخر ما ذكره وحاصله منع لزوم اجتماعهما لأجل اختلاف زمانهما وقوله فيئول إلى اجتماع الظنّ والشكّ بيان لحال المورد بعد إجراء الاستصحاب وليس من تتمة دفع توهم اجتماع اليقين والشكّ وحينئذ فالتوجيه في محلّه (قوله) مع الشكّ مطلقا إلخ الإطلاق قيد للشكّ لأنّ الظنّ وإن اجتمع مع الشكّ بمعنى الوهم إلاّ أنّه لا يجتمع مع الشكّ بمعنى ما تساوى فيه الطرفان واعلم أنّه قد بقي في المقام أمور قد أهمل المصنف رحمهالله ذكرها ولا بأس بأن نشير إلى جملة من الكلام فيها الأمر الأوّل أنّه قد يشتبه الفرق بين استصحاب الاشتغال وقاعدته واستصحاب البراءة وقاعدتها وقد استوفينا الكلام فيه وفيما يترتب عليه في بعض الحواشي السّابقة فليراجع الأمر الثّاني أنّه إذا علم بحدوث حادث وشكّ في تعيينه كما إذا علم بموت شخص وتردد بين كونه زيدا وعمرا أو علم بوقوع عقد وتردّد بين كونه إجارة وعارية ونحو ذلك ففي جريان الاستصحاب هنا تفصيل ستقف عليه وليعلم أنّ المحكي عن المشهور عدم جريانه هنا مطلقا وربّما يشكل الفرق بينه وبين اختلافهم في تعارض الأصول على أقوال مختلفة كالحكم بالتعارض والتّساقط والجمع بين المتعارضين في مقام العمل والتفصيل بتقديم الحاكم منهما إن كان الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الآخر وإلاّ فكالأوّل كما ستقف عليه في محلّه لاندراج ما نحن فيه في تعارض الأصول لا محالة ولعلّه لذا لم يتعرض المصنف رحمهالله هنا للشكّ في الحادث بعنوان مستقل