إنما هو لإفادة المرجّح لأقربية الرّاجح إلى الواقع بالنّسبة إلى صاحبه ومع اعتبار الاستصحاب من باب السّببيّة ورفع اليد عن الواقع وجعل مدار العمل على مقتضاه من حيث هو لا يبقى محلّ للتّرجيح بل حكم التعارضين حينئذ هو التساقط والرّجوع إلى أصل آخر كما سيجيء في محلّه ثمّ إنا إذا قلنا باعتبار التّرجيح في متعارضان الأصول أو الأخبار أو غيرها ممّا هو معتبر من باب الظنّ النّوعي فإنّما هو بالمرجحات الدّاخلة كتعدد الرّاوي وأعدليّته وأوثقيته وأصدقيته ونحوها من مرجّحات الأخبار والموجود من هذه المرجّحات في تعارض الأصول هو التعدّد خاصّة لعدم وجود غيره فيها فينحصر التّرجيح فيها في القلّة والكثرة والسّرّ فيما ذكرناه أنّ الشّارع إذا اعتبر أمارة في مقابل غيرها كاليد والسّوق والبينة في الشبهات الموضوعيّة والأخبار في الشبهات الحكميّة والاستصحاب مطلقا في مقابل الشّهرة وعدم الخلاف والاستقراء والغلبة والقياس ونحوها فهو يكشف عن وجود مصلحة فيها دون غيرها ككونها غالبة الإيصال إلى الواقع بالنّسبة إلى غيرها فيحصل لها من هذه الجهة نوع تعبديّة فلا يلاحظ في جنبها الظنون الخارجة الحاصلة على طبقها أو خلافها سواء كانت في مقام التعارض أم غيره نعم اعتبارها من باب الكشف والظّنون النوعيّة يوجب جواز التّرجيح بما يظنّ معه أنّ ما يوافقه أقرب إلى الواقع ولكن هذا إنّما هو فيما استند الظنّ إلى ما يرجع إلى نفس المعارض الرّاجح وهو المرجّح الدّاخلي إذ يمكن أن يستدلّ على جواز الترجيح به حينئذ بنفس ما دلّ على اعتبار المتعارضين في أنفسهما بخلاف ما لو كان المرجّح خارجيّا كموافقة الشّهرة ونحوها إذ لا بدّ في جواز التّرجيح به من دليل آخر كما سيجيء توضيحه في باب التّعادل والتّرجيح ولعل التّرجيح بما ذكرناه ممّا لا خلاف فيه بل قد نفي بعضهم الخلاف عنه بين العامة والخاصة ومن هنا يسقط ما أورده المحقق القمي على الشّهيد الثّاني وغيره في حكمهم بوجوب تقليد الأعلم معللين بكونه أقوى وأرجح واتباعه أولى وأحقّ بأن قول غير الأعلم أيضا قد يكون أقرب إلى الواقع في نظر المقلّد لأجل موافقته للشّهرة أو قول الميّت الأعلم بمراتب من الحيّ الأعلم أو نحو ذلك من الأمارات الموهنة لحصول الظنّ بأقربية قول الحيّ الأعلم إلى الواقع ووجه سقوطه أنّ اعتبار الشّارع لقول المجتهد الحيّ في مقابل الأموات والشّهرة مثلا يمنع من ترجيح قول غير الأعلم على قول الأعلم بالموافقة للشهرة مثلا على ما عرفت وثانيها أنا إذا قلنا باعتبار الاستصحاب أو غيره من الأصول أو الأمارات من باب الظنّ النوعي فلا بدّ من تقديمه على ما هو المعتبر من باب السّببيّة عند المعارضة من باب تقديم الدّليل على الأصل بخلاف ما لو قلنا باعتباره من باب السّببية إذ لا بدّ حينئذ من تقديم معارضه عليه إن كان معتبرا من باب الظنّ النّوعي أو الحكم بالمعارضة إن كان ذلك أيضا معتبرا من باب السّببيّة وثالثها أنا إذا قلنا باعتباره من باب الظنّ النّوعي فلا مناص من القول باعتبار الأصول المثبتة بخلاف ما لو قلنا باعتباره من باب السّببيّة وإذا عرفت هذا فاعلم أنا إن قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الأخبار فلا ريب في كون اعتباره حينئذ من باب التعبد كما أوضحه المصنف رحمهالله وإن قلنا باعتباره من باب العقل كما هو ظاهر المشهور حيث لم يتمسّك فيه أحد بالأخبار إلى زمان والد شيخنا البهائي فلا مناص من القول باعتباره من باب الظنّ إذ العقلاء لا يقدمون على اعتبار أمارة من دون ملاحظة رجحان فيها لأنّ نسبة الوجود والعدم مع عدم رجحان أحدهما متساوية عند العقل فلا بد في حكمه بالأخذ بأحدهما من مرجّح لا محالة فلا بد في حكمه بالأخذ بالحالة السّابقة من رجحان البقاء عنده إمّا من جهة غلبة البقاء أو من جهة كون العلّة الموجدة مبقية فيحصل الظنّ بالبقاء ما لم توجد علّة الارتفاع فإن قلت إن صحّ ما ذكرت من عدم حكم العقل بشيء إلاّ بعد ملاحظة رجحان فيه وعدم أخذه بشيء تعبّدا فكيف يحكم بأصالة الحقيقة من باب التعبد العقلائي كما هو أقوى الوجهين قلت إنا نمنع كون بناء العرف والعقلاء على اعتبار ظواهر الألفاظ من باب التعبّد المحض من دون ملاحظة رجحان في الأخذ بها وذلك لأنّ العلم بمرادات المتكلمين لما كان منسدا غالبا وكانت ظواهر الألفاظ وإن كان ظهورها ناشئا من القرائن الخارجة مرادة لهم في الغالب ولم يكن هنا طريق علمي يتوصّل به إلى مراداتهم فلم يجدوا بدّا من الأخذ بظواهرها فكان هذا هو السّرّ في أخذهم بها من أوّل الأمر وإن آل أمرهم إلى التعبد بها مع قطع النّظر عن إفادتها للظن بالمراد شخصا أو نوعا لا أن أخذهم بها خال من ملاحظة الرجحان من رأس ثم إنّ ظاهر المشهور اعتباره من باب الظنّ النّوعي دون الشّخصي كما تشهد به كلماتهم في الفروع والأصول أمّا الأوّل فإنا لم نقف إلى الآن من رفع اليد عن مقتضى الاستصحاب بمخالفته للشّهرة مثلا ممّن لا يقول باعتبارها فلو كان اعتباره من باب الظنّ الشّخصي فلا مناص من رفع اليد عن مقتضاه في مقابلها لانتفاء مناط اعتباره حينئذ هذا في الأحكام وأمّا الموضوعات فناهيك في ذلك بملاحظة رسائلهم العمليّة حيث يفتون فيها بأنّ من تيقن بالحدث ثمّ شكّ في بقائه يبني على البقاء من دون تفصيل بين الظنّ بخلافه وعدمه وهكذا في غيره من موارد الاستصحاب مع اختلاف المقلدين في ذلك جدّا لأنّ من توضأ في الفجر وشكّ في بقائه عند الغروب مثلا فلا شكّ أنّ الغالب حصول الظنّ بعدم بقاء الطهارة حينئذ وأمّا الثّاني فيكفيك فيه تعريف العضدي الّذي هو مؤسّس أساس الأصول من العامة للاستصحاب بأنّ الشيء الفلاني قد كان ولم يظن عدمه وكلّ ما هو كذلك فهو مظنون البقاء وما يتوهّم منه من ذهابه إلى اعتباره من باب الظنّ الشّخصي نظرا إلى أخذ الظنّ بالبقاء في تعريفه فاسد جدّا لاستلزامه الكذب في الحدّ لوضوح أنّ عدم الظنّ بالعدم لا يستلزم الظنّ بالبقاء فعلا نعم لا نضايق من استلزامه له نوعا وهو معنى اعتباره من باب الظنّ النّوعي فإن قلت إن ما ذكرته من اعتباره من باب الظنّ النّوعي إنّما يتم إن قلنا باعتباره من باب بناء العقلاء وهل يمكن الاستدلال عليه حينئذ بدليل الانسداد أيضا أو لا بدّ من القول باعتباره حينئذ من باب الظّنون الشخصيّة قلت إنّ ظاهر من تمسّك فيه بدليل الانسداد هو اعتباره من باب الظنون الشخصيّة ولكن يمكن مع ذلك القول باعتباره من باب الظنّ النوعي أيضا وذلك لأنّ المدار مع انسداد باب العلم بالأحكام الواقعيّة شرعا ووجدانا غالبا ليس على صفة الظنّ من حيث هي بل من حيث أقربيّة مؤدّاه إلى الواقع في مقابل الشكّ والوهم فلو علم إجمالا غلبة مخالفة أمارة للواقع فلا يجوز العمل بها ولو مع إفادتها للظنّ بالواقع فلا بدّ حينئذ أن يكون المدار على غلبة مطابقة الأمارة للواقع سواء كان ذلك مع إفادتها للظنّ الشّخصي بالواقع أم لا وإليه