وليست بكلي والكلي هي النبوّة بالإطلاق الثّاني وهي أعني النبوّة في الجملة ومطلق النبوّة مترادفتان فما ذكره المحقّق القمي رحمهالله من أنّ المطلقة في حكم المقيّدة وأن النبوّة في الجملة كلي له أفراد ثلاثة النبوة المستدامة والمقيدة بمدة معيّنة وغير المقيدة بأحد القيدين وكذا ما ذكره من التفصيل من تسليم جريان الاستصحاب في الأخيرة أعني المطلقة دون المقيدة بمدة معيّنة أو بالاستدامة ودون النّبوّة في الجملة الّتي هي في معنى مطلق النبوة ضعيف أمّا الأوّل فإنّه إنّما يتم على الإطلاق الأوّل دون الثّاني فلا وجه لإطلاق كونها في معنى المقيدة وأمّا الثّاني فإن النبوّة غير المقيّدة أعني النبوّة المطلقة الّتي جعلها فردا ثالثا للنبوّة في الجملة إن أخذت بالإطلاق الأوّل فهي راجعة إلى المستدامة فليست فردا آخر من الكلّي في عرضها وإن أخذت بالإطلاق الثّاني فهي في معنى النبوّة في الجملة وهي ومطلق النبوّة مترادفتان وبالجملة إنّ هنا كليّا وهو النبوّة في الجملة ومطلق النبوّة وله فردان في الواقع أعني المستدامة والمقيدة بمدة معيّنة والنبوّة المطلقة ليست فردا ثالثا منه في عرضهما وأمّا الثّالث فلما عرفت من أنّ المطلقة إمّا راجعة إلى المستدامة أو هي في معنى النبوّة في الجملة ومطلق النبوّة والفرض عدم جريان الاستصحاب في شيء منهما اللهمّ إلاّ أن يفرق بين المطلقة ومطلق النبوّة بقرينة ما ذكره بعد ذلك من أن المراد من مطلقات كلّ شريعة بحكم الاستقراء الدّوام والاستمرار إلى أن يثبت الرّافع بأن المطلق في حكم الاستمرار فالشكّ فيه شكّ في الرّافع بخلاف مطلق النبوّة فإن استعداده غير محرز عند الشكّ فهو من قبيل الحيوان المردد بين مختلفي الاستعداد وأنت خبير بما فيه من الضّعف كما يظهر وجهه ممّا أورد عليه ثالثا فتدبّر ثم إنّه أورد عليه في الفصول أيضا بأن منع حجيّة الاستصحاب في إبقاء الشريعة الّتي لم يعلم نسخها وارتفاعها كما يرشد إليه قوله بعد فرض تسليم إلى آخره غير سديد لأنّ شرائع الأنبياء السّلف وإن لم تثبت على سبيل الاستمرار لكنّها لم تكن في الظّاهر محدودة بزمن معيّن بل بمجيء النّبي اللاّحق ولا ريب أنّها حينئذ تستصحب ما لم تثبت نبوّة اللاّحق ولو لا ذلك لاختل على الأمم السّابقة نظام شرائعهم من حيث تجويزهم في كل عهد وآن ظهور نبيّ ولو في الأماكن البعيدة ونسخه لشريعتهم فلا يستقرّ لهم البناء على شيء من أحكامها ودعوى أنّ شرائعهم كانت محدودة في الظاهر بغاية زمانية معلومة بحيث يمتنع توجّه النّسخ إليها في تلك المدّة وكان الكلّ عالمين بذلك مجازفة بيّنة ومكابرة واضحة وهذا عين ألفاظه وأورد عليه شريف العلماء أيضا بأنّ ظاهر كلامه التفرقة بين النبوّة في الجملة فلا يجري الاستصحاب وبين النبوّة المطلقة فيجري وهو ممّا لم يقل به أحد إذ المدار في قابلية الاستعداد في المستصحب حيث تعتبر في جريانه هو قابليته لذلك بحسب نفس الأمر وفي الخارج لا بحسب دلالة الأدلّة على الاستمرار وعدم دلالتها فإذا كانت النبوّة قابلة للاستمرار في الخارج تستصحب عند الشكّ في بقائها مطلقا سواء كان الدّليل على ثبوتها مطلقا أو كانت دلالتها في الجملة وأقول توضيح ما رامه بهذا الإيراد أنّ الدّليل الدّالّ على حكم إمّا أن يكون موضوعه مقيّدا أو مطلقا وعلى الأوّل إمّا أن يكون دالاّ على ثبوت الحكم في محلّ القيد وعدم ثبوته في غيره كما إذا قيل الماء المتغير ينجس بالملاقاة بناء على مفهوم الصّفة وإمّا أن يكون الحكم في غير محلّ القيد مسكوتا عنه كالمثال بناء على عدم اعتبار مفهومها وعلى الثّاني إمّا أن يكون جميع الأفراد متساوية الاندراج تحت الإطلاق أو مختلفة بأن كان المطلق من قبيل المشكّك وعلى الثّاني إمّا أن يظهر بعد التّأمّل شموله لجميع الأفراد بأن كان الشكّ بدويّا وإمّا أن يظهر عدم شموله لبعض الأفراد وإمّا أن لا يظهر شموله لبعضها حتّى بعد التّأمّل والتدبّر فيه أيضا بأن كان التشكيك مضرّا إجماليّا وإمّا أن يكون موضوع الحكم مردّدا بين الإهمال وغيره أو بين الإطلاق وغيره بأن لم تظهر كيفيّة صدور اللفظ من المتكلّم هل هو على وجه الإهمال أعني ما كان من قبيل المضرّ الإجمالي أم غيره أو على وجه الإطلاق أو غيره فالأقسام ترتقي إلى ثمانية لكن صورة الشكّ البدويّ تندرج تحت صورة الإطلاق لفرض شمول اللّفظ لجميع الأفراد ولو بعد التّأمّل وأمّا صورة ظهور عدم شموله لبعضها فهي مندرجة تحت الصّورة الأولى من المقيد أعني ذا المفهوم منه فتبقى ستة أقسام ويمكن إجراء جميعها في مسألة النبوّة بأن يقال إنّ الدليل الدّالّ عليها إمّا مقيّد بزمان مجيء نبي آخر أو مطلق إلى آخر ما ذكرناه ومقتضى ظاهر كلام المحقّق القمي رحمهالله عدم جريان الاستصحاب إلاّ في قسم واحد منها أعني صورة إهمال الدّليل بأن كان من قبيل المضرّ الإجمالي الّذي لم يظهر شموله لبعض الأفراد ولا تقيّده بعدمه وأمّا باقي الأقسام فلا مسرح للاستصحاب فيها إمّا لوجود إطلاق الدّليل كما في بعضها وإمّا لتقيده كما في بعض آخر وإمّا لكون دلالته في الجملة كما في القسمين الأخيرين ووجه الاعتراض عليه أنّ المدار في جريان الاستصحاب على قابليّة المستصحب للبقاء والاستمرار بحسب الواقع وظرف الخارج لا بحسب اقتضاء ظاهر الأدلة فإذا كانت النبوّة قابلة للبقاء فلا يفرق فيها بين كون دليلها مهملا وكونه دالاّ في الجملة نعم لا يجري مع إطلاق دليلها أو تقيده نظرا إلى إطلاقه أو تقيده لعدم جريانه مع وجود الدّليل الاجتهادي في مورده هذا ويرد عليه أنّ المدار في جريان الاستصحاب وإن كانت قابلية المستصحب للبقاء والاستمرار في الخارج إن قلنا باعتبار ذلك في جريانه إلاّ أنّ الكاشف عنه هو الدّليل الدّال عليه لأن قابليّة الاستمرار وعدمها في مسألة النبوّة إنّما هي بحسب جعل الشّارع وإرادته نظير سائر الأحكام الشّرعيّة فربّما يعتبرها إلى زمان معيّن فلا تستعد للبقاء بعده فلا بد من ملاحظة الدّليل المثبت لها على نحو ما فصّله المحقّق القمي ره ومجرّد الصّلاحيّة للبقاء ولو بعد جعل الشّارع غير كاف في المقام كما هو واضح (قوله) وثالثا أنّ ما ذكره منقوض إلخ من اشتراط تعيّن المستصحب حتّى يجري الاستصحاب على مقدار استعداده وتوضيح النقض أن الأحكام الشّرعية فيما لم يعلم تقيّده بغاية معينة ولا إلى آخر الأبد كليات قابلة للبقاء إلى آخر الأبد وللبقاء إلى زمان معيّن ولأن لا تكون مقيّدة بأحد القيدين نظير ما ذكره في منع جريان استصحاب الشّريعة السّابقة (قوله) إنّما يرتفع بتمام استعداده إلخ فيكون الشكّ في ارتفاعه من حيث المقتضي لا الرّافع فلا يتم الجواب عن النقض المذكور(قوله) بأنّ غالب النبوات إلخ أورد عليه في الفصول بأنّ ما ذكره من أنّ نبوّة الأنبياء السّلف كانت محدودة فإن أريد التحديد بأمر غير معيّن كمجيء نبيّ آخر فهذا لا يقدح في صحّة الاستصحاب حيث يشكّ في مجيئه وإن أراد التحديد بزمن