له كما هو المبرهن عليه في كلمات القدماء والوجه أنّ المحتاج إلى العلّة هو الوجود دون العدم فيكفي فيه عدم العلم بعلّة الوجود وفيه نظر لما قررناه في محلّه من احتياج كل من الوجود والعدم إلى العلّة غاية الأمر أن تكون علّة العدم عدم علّة الوجود كما صرّح به المحقّق الطوسي وغيره والّذي يسهّل الخطب أنّه ليس علينا بيان المستند بعد ثبوت بنائهم على العدم عند الشكّ في الوجود وأنا إن لم نقل باعتبار هذه القاعدة في إثبات الشّرعيّات إلاّ أنّ بناءهم على اعتبار الأصلين في مباحث الألفاظ لعلّه مبنيّ عليها وكيف كان فالوجوه المذكورة ترتقي إلى تسعة أقسام والكلّ محتمل لكن الظاهر أنّ بناءهم على اعتبار الأصلين إنّما هو من باب التعبّد المطلق ولذا يتمسّكون بالعمومات والمطلقات مع حصول الظنّ غير المعتبر على خلافها وكذا في باب الأقارير والشهادات والوصايا يؤخذ بظاهر الكلام مطلقا اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ هذا يأتي على الظنّ النّوعي أيضا وربّما يتمسّك في اعتبار الأصلين بالاستصحاب المأخوذ من الأخبار نظرا إلى صدق النقض مع عدم ترتيب ما يترتب على عدم الوضع والقرينة وهو ظاهر الفساد لعدم تماميته إلاّ على القول بالأصول المثبتة لعدم ترتب أثر شرعي على العدمين إلاّ بواسطة أمر عقلي أو عادي أو اتفاقي وهو واضح مع أنا إن قلنا بنهوض الأخبار لإثبات اعتبار الأصول المثبتة فهي لا تنهض لإثبات اعتبار الأصلين على إطلاقهما لأنّا إن قلنا باعتبارها إنّما نقول بها في إثبات اللّوازم العقليّة والعادية دون الأمور المقارنة للمستصحب اتفاقا ودون الملزومات مطلقا والثابت بالأصلين غالبا إن لم نقل دائما من أحد القبيلين لأنّ عدم القرينة من لوازم إرادة المعنى الحقيقي فإثباته بأصالة عدمها من قبيل إثبات الملزوم بإثبات لازمه وكذا إثبات اتحاد الموضوع له بأصالة عدم النقل من قبيل إثبات أحد المتقارنين بإثبات الآخر لعدم تفرع الثابت على المثبت وعدم تقدم أحدهما وتأخر الآخر طبعا ولا وضعا كما هو شأن اللّوازم والملزومات بل هما لازمان ومتفرعان على عدم الوضع لغة لمعنى آخر مغاير للمعنى العرفي فيما علم للفظ معنى عرفي وشك في وضعه لغة لمعنى آخر أيضا وهكذا في سائر المقامات والموارد(قوله) وأمّا الشّرعية الاعتقادية إلخ مثل ما لو وجب الاعتقاد بوجود نبي ثمّ شكّ فيه من جهة الشكّ في نسخ شريعته لظهور شخص آخر مدع للنبوة وما يمكن استصحابه هنا إمّا وجوب الاعتقاد أو نفس الاعتقاد أو وجوب النظر لتحصيل الاعتقاد الّذي كان ثابتا قبل حصوله والأوّل قد أشار المصنف رحمهالله إلى ضعفه والثّاني من الأمور الوجدانية الّتي لا مسرح للاستصحاب فيها والثّالث مدفوع بأن الدّليل الّذي أثبت وجوب النّظر في السّابق موجود في اللاّحق أيضا لأنّه من لوازم القول بعدم خلو الزمان من معصوم ولا فرق في مؤداه بين الزّمانين وفذلكة المقام أن كلّ مورد كان المستصحب هو نفس الاعتقاد أو كان الاعتقاد جزءا منه أو موضوعا له أو جزءا من موضوعه لا مسرح للاستصحاب فيه نعم يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب متيقّنا بمعنى كون اليقين طريقا إلى إثباته أو إثبات أحكامه لا موضوعا أو جزءا منه فالمستصحب هو ذات المتيقن لا بوصف التيقّن وإلاّ لا يصحّ استصحابه كما عرفت ولا فرق فيما قدّمناه بين الاعتقاد الجزمي والوثوقي والظّني بل ولا يجري الاستصحاب أيضا فيما أخذ الشك والوهم فيه أيضا فالشيء بوصف كونه مشكوكا فيه لا يجري فيه الاستصحاب بعد زوال الشكّ عنه والوجه في الكلّ متحد ومن هنا يظهر عدم الفرق في عدم جريان الاستصحاب في أصول الدين بين القول باعتبار اليقين فيها وبين القول بكفاية الوثوق أو الظنّ فيها على اختلاف الأقوال نعم لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ أمكن الفرق بينها كما يظهر من المصنف ره (قوله) لأنّ الشكّ إنّما ينشأ إلخ حاصله أنّ المستصحب إذا كان من العقائد الثابتة بالعقل أو النّقل القطعي لا يتصوّر فيه الشكّ في بقاء الحكم السّابق بل إمّا أن يحصل العلم بالبقاء أو الارتفاع وإن فرض حصول الشكّ فإنّما هو في ثبوت مثل الحكم السّابق في موضوع آخر وتوضيحه أنّ الشك في بقاء الحكم السّابق إنّما ينشأ من تغير بعض ما يحتمل مدخليته وجودا أو عدما في المستصحب وذلك غير مقصور في الأحكام العقلية كما تقدّم في الأمر الثّالث من أنّ العقل لا يحكم بشيء إلاّ بعد إحراز جميع قيود موضوع حكمه وأن الإجمال لا يتصور في موضوع حكم العقل فلو فرض الشكّ مع انتفاء بعض قيود موضوعه في ثبوت الحكم السّابق فهو شك في ثبوت مثل الحكم السّابق في موضوع آخر لا في بقائه ومثله الكلام في الدّليل النقلي المثبت للحكم وموضوعه مع جميع مشخصاته الّتي لها مدخل في ثبوت الحكم كما هو ظاهر فرض كون النقل قطعيا هكذا قد قرّر توضيح المقام ولكنّك خبير بأنّه خلاف ظاهر عبارة المتن لأن ظاهرها تسليم جواز فرض الإجمال في موضوع حكم العقل بسبب تغير ما يحتمل مدخليته فيه وجودا أو عدما ثم إنّ المناسب كان إدراج البحث عن الاستصحاب في الأصول الاعتقاديّة في الأمر الثّالث لفرض كون المستصحب هنا أيضا عقليّا ثم أيّ وجه في حصر الشكّ في بقاء المستصحب في الشكّ في المقتضي من غير جهة الشكّ في النّسخ أقول يمكن دفع الأوّل بأنّ الأحكام العقليّة على قسمين أحدهما ما استقل العقل بحسن فعل أو قبحه بمجرد ملاحظة عنوانه الخاصّ كحسن الإحسان وقبح العدول وثانيهما ما يستقل به العقل بملاحظة مقدّمات خارجة مثل حكمه فيما نحن فيه بنبوّة موسى وعيسى عليهماالسلام بعد ملاحظة معجزتهما لأنّ غاية ما يستقل به العقل بعد عدم جريان عادة الله تعالى على إلهام أحكامه على أحد هو وجود نبيّ أو وصيّه في كلّ زمان مبلّغ لأحكامه إلى النّاس لا خصوص كون موسى أو عيسى عليهماالسلام نبيّا وموضوع البحث في الأمر الثالث هو القسم الأوّل لأنّه هو الذي لا يمكن فرض الإجمال في موضوع حكم العقل فيه وموضوع البحث في هذا الأمر هو القسم الثّاني وهو ممّا يمكن فرض الإجمال في موضوع حكم العقل فيه لأنّ المعجزة لا يلزم أن تكون دالّة على كونه نبيّا على جميع الأمم وفي جميع الأحوال ولا على استمرار نبوّة صاحبها إلى آخر الأبد ما لم يخبر به النّبي بعد ثبوت نبوّته فإذا ثبتت نبوّة شخص بإظهار المعجزة يجوز أن يحصل الشكّ بعد مضي زمان أو تغير حالة في بقاء نبوّته لأجل الشكّ في كون نبوّته مطلقة أو مقيّدة بحالة أو زمان لأجل عدم دلالة المعجزة على استمرار نبوّته وفي جميع الأحوال ومن هنا يندفع الإشكال الثّاني أيضا لما عرفت من تغاير موضوع المسألتين وأمّا الثّالث فيمكن دفعه أيضا بما أشار إليه المصنف رحمهالله في تضاعيف ما أورده على الفاضل التّوني من انحصار الشكّ في بقاء الأحكام الكليّة من جهة الشكّ