في قسمي الوجودي من الشكّ في تحقق المبطل وأمّا قسمي العدمي منه فلا لأنّ مقتضى الأصل فيهما البطلان وأمّا أقسام الشكّ في الصّفة فهي ليست من موارد هذا الأصل لعدم الحالة السّابقة فيها إن أريد به إثبات عدم مانعية الموجود وإن أريد به إثبات عدم المانع مطلقا في هذا المورد فهو لا يثبت عدم مانعيّة هذا الموجود المشكوك المانعيّة إلاّ على القول بالأصول المثبتة وكيف كان فلا وجه للتمسّك بالأصل على إطلاقه في المقام وقد يتمسّك أيضا بأصالة وجوب الإتمام المفيدة لصحّة العبادة ويظهر ضعفه أيضا ممّا أورده المصنف رحمهالله على أصالة حرمة القطع (قوله) في مسألة الشكّ في الشّرطيّة إلخ الأولى أن يقول في مسألة زيادة الجزء عمدا(قوله) بما عداها من العمومات إلخ كإطلاقات الصّلاة ووجه ضعف التمسّك بها أنّها على القول بالصّحيح مجملة وعلى القول بالأعم واردة في مقام بيان أحكام أخر كالتشريع أو بيان الفضيلة أو الخاصيّة أو نحو ذلك (قوله) لا فرق في المستصحب بين أن يكون إلخ توضيح المقام أنّه لا إشكال في أنّه لا فرق في مفاد أدلّة الاستصحاب من العقل والشّرع بين موارد جريانه بعد استجماعه لشرائط جريانه وإنّما الإشكال في تشخيص موارد استجماعه لشرائط جريانه وعدمه فلا فرق في المستصحب بين أن يكون من الموضوعات أو الأحكام وعلى الأوّل بين أن يكون من الموضوعات الخارجة الصّرفة والموضوعات المستنبطة والمراد بالأوّل هو المصاديق الخارجة للمفاهيم الكليّة وبالثّاني نفس مفاهيم الألفاظ ولا اختصاص لها بمثل الصّلاة والصّوم ونحوهما بل هي عامة لجميع المفاهيم سواء كانت شرعيّة أم عرفيّة أم لغويّة فيدخل فيها مفهوم الوجوب والحرمة أيضا ونسبت إلى الاستنباط لمدخليتها في استنباط الأحكام الشّرعيّة الّتي هي إرادة الشّارع وإنشاؤه مثل أنّ إرادته للصّلاة وطلبه لها إنّما يستنبط بواسطة فهم معنى الصّلاة والأمر وهكذا وعلى الثّاني بين أن يكون ممّا كان موضوعه عمل المكلّف وأن يكون ممّا أخذ في موضوعه الاعتقاد كأصول الدّين وعلى الأوّل بين أن يكون ممّا يجب في العمل به الفحص عن الأدلّة كي يختصّ العمل به بالمجتهد كالأصول العملية وأن لا يجب في العمل به ذلك بأن يشترك العمل به بين المجتهد والمقلّد كالفروع وقد أشار المصنف رحمهالله إلى تفصيل الكلام فيما أخذ في موضوعه الاعتقاد وبقي الكلام في تحقيق الحال في باقي الأقسام المذكورة فنقول لا إشكال في جريانه في الموضوعات الصّرفة ولا فيما كان موضوعه عمل المكلّف سواء كان من الأصول العمليّة أم الفروع وأمّا الموضوعات المستنبطة فاعلم أن الأصول الّتي يتمسّك بها فيها كثيرة ومرجع جميعها إلى أصلين أحدهما ما تمسّكوا به في مقام تعيين الأوضاع وهي أصالة عدم الوضع والآخر ما تمسّكوا به في مقام تعيين المرادات من الألفاظ وهي أصالة عدم القرينة وإليها ترجع أصالة عدم التقييد أو التّخصيص أو الإضمار ونحوها وأمّا أصالة عدم الوضع فأكثر ما يدور من أقسامها في ألسنة الأصوليّين أربعة وإن كان مرجعها إلى أمر واحد وهي أصالة عدم الوضع وبيانه أن وضع اللّفظ إمّا أن يعلم ويقع الشكّ في تقدّمه وتأخّره وإمّا أن لا يعلم وضعه لمعنى ويقع الشّكّ في وضعه لمعنى آخر والأوّل كالحقائق الشّرعيّة لأنّا قد علمنا وضع الصّلاة والصّوم والحجّ مثلا لحقائق شرعيّة وحصل الشكّ في أن ذلك بوضع الشّارع تعيينا أو تعيّنا أو أنّ الشّارع استعملها في الحقائق المخترعة مجازا ووصلت إلى مرتبة الحقيقة لكثرة الاستعمال ودورانها في لسان المتشرعة فيقولون حينئذ إن الأصل عدم وضع الشّارع فيثبتون به حقيقة المتشرعة وهذا هو المراد بقولهم الأصل تأخر الحادث وإلاّ فوصف التّأخّر لم يكن ثابتا حتّى يستصحب غاية الأمر أن يكون في التعبير به نوع مسامحة والثّاني إمّا أن لا يلزم من فرض ثبوت المعنى المشكوك فيه هجر معنى أصلا وإمّا أن يلزم فيه ذلك والأوّل مثل ما لو ثبت وضع اللفظ لمعنى وشك في وضعه لمعنى آخر بحيث لو ثبت الوضع الآخر كان مشتركا بينهما كما لو ثبت وضع الأمر للوجوب وشكّ في وضعه للنّدب على الوجه المذكور فيقال الأصل عدم الوضع الآخر وهذا ما يقال الأصل عدم تعدد الوضع أو الاشتراك والثّاني أيضا إمّا أن يلزم من فرض ثبوت المعنى المشكوك فيه هجره أو هجر المعنى المعلوم والأوّل مثل ما لو ثبت كون اللفظ حقيقة في العرف في معنى وشكّ في كونه حقيقة في اللغة أيضا في هذا المعنى أو في معنى آخر بحيث لو ثبت كان مهجورا مثل ما لو ثبت كون الأمر حقيقة في العرف في الوجوب وشكّ في كونه لغة أيضا كذلك أو حقيقة في الندب فيقال الأصل عدم وضعه في اللّغة للمعنى الآخر فيثبت به اتحاد العرف واللّغة وهذا ما يقال الأصل عدم النقل وكذا يقال إذا ثبت ذلك عرفا ثبت لغة أيضا بضميمة الأصل والثّاني مثل ما لو ثبت كون اللفظ حقيقة لغة في معنى وشك في وضعه عرفا لمعنى آخر بحيث لو ثبت المعنى العرفي كان اللغوي مهجورا كما في المجاز المشهور فيقال الأصل عدم النقل وعدم وضعه للمعنى العرفي وإذا عرفت هذا فاعلم أن الأصلين المذكورين أعني أصالة عدم الوضع وأصالة عدم القرينة مما لا إشكال كما أنّه لا خلاف في اعتبارهما لبناء العقلاء في محاوراتهم ومخاطباتهم عليهما وربّما يحتج له أيضا بقوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) بتقريب أنّ البناء على العدم في المقامين من لسان القوم والعمدة في المقام أنّ بناء العقلاء على العمل بالأصلين من باب الظنّ النوعي أو التعبد العقلائي أو غيرهما وفيه وجوه أحدها كون بنائهم عليها من باب الظنّ الفعلي لأجل بنائهم عليه في مباحث الألفاظ فيكون اعتبارهما لأجل اندراجهما تحت الظّنون المطلقة ولذا استند الفاضل الأصبهاني في إثبات الحقيقة الشرعيّة إلى شهرة القول بها وثانيها أن يكون لأجل إفادتهما بالخصوص للظنّ الفعلي بالعدم كالظنّ الخبري فيكون لخصوصيّة السّبب مدخل في اعتبار الظنّ الحاصل منه وثالثها أن يكون لأجل إفادتهما الظنّ النّوعي وهو على وجهين أحدهما أن يكون اعتبارهما حينئذ مطلقا والآخر أن يكون مقيّدا بعدم الظنّ بالخلاف ورابعها أن يكون من باب السّببيّة والتعبّد المحض ويأتي فيه أيضا الوجهان المتقدمان وعلى الوجهين إمّا أن يكون تعبّدهم لأجل إحراز المقتضي والشكّ في المانع لأنّ الوضع مقتض للاستعمال في الموضوع له والقرينة مانعة من الحمل عليه فمع الشكّ في وجود القرينة أو كون الموجود قرينة يحمل على المعنى الحقيقي إعمالا للمقتضي ما لم يثبت المانع وهذا الوجه مختصّ بأصالة عدم القرينة لعدم تأتيه في أصالة عدم الوضع لعدم العلم فيه بالمقتضي بالنسبة إلى الوضع المشكوك فيه وإمّا أن يكون من جهة استصحاب العدم أو قاعدة العدم أعني البناء على العدم عند الشكّ في الوجود من دون ملاحظة حالة سابقة