على اشتراط النيّة في الوضوء بالآية الشّريفة والآية ظاهرة في التوحيد ونفي الشّرك من وجوه منها لزوم تخصيص العموم بأكثر من الباقي ومنها عطف إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة على العبادة الخالصة عن الشّرك وهو التّوحيد فالحصر إضافي بالنسبة إلى العبادة الغير الخالصة عن الشّرك وبما ذكرناه فسّره جماعة فعن مجمع البيان مخلصين له الدّين أي لا يخلطون بعبادته عبادة من سواه وعن البيضاوي أي لا يشركون به وعن النيشابوري تفسيره بالتّوحيد وجزم بذلك شيخنا البهائي في الأربعين وكيف كان فلا إشكال في أنّ الآية لا تدلّ على انحصار المأمور به في العبادة ليستفاد منه أنّ الأصل في كل واجب أن يكون عبادة كما زعمه بعض لينفع فيما نحن فيه وإنّما يمكن أن يدعى دلالتها على أنّ العبادة لم يؤمر بها إلاّ على جهة الإخلاص ولذا استدلّ الفاضلان في ظاهر المعتبر وصريح المنتهى بها على وجوب الإخلاص في الواجب المفروغ كونها عبادة لكنه أيضا مبني على كون المراد بالدّين الطّاعة أو الأعمّ منها ومن العبادة ليدلّ على وجوب إخلاص عبادة الله عن عبادة الأوثان وطاعته تعالى عن الرّياء ونحوه لكنّ الظّاهر بقرينة عطف الصّلاة والزكاة إرادة الإخلاص في العبادة وهو التوحيد فقد حكى الله سبحانه في الآية الشّريفة عن تكاليف أهل الكتاب أهم أصول الدّين وفروعه ومن تأمّل نظائر الآية ممّا ذكر فيه العبادة على وجه الإخلاص مثل قوله تعالى (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) وقوله تعالى (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ) إلى غير ذلك من الآيات ظهر له ما استظهرناه من إرادة التّوحيد في مقابل الشّرك انتهى كلامه وزيد إكرامه وثانيا ما أورده عليه بعد الإغماض من أنّه بعد تسليم جميع ما تقدّم أنّ الظّاهر أنّ المقصود بيان الغاية في إيجاب ما أوجبه تعالى من الواجبات التعبّدية والتوصليّة فكأنّه تعالى قال إنّما أوجبت ما أوجبته على عبادي ليترتب على ذلك عبادتهم لي على وجه الإخلاص لا أني أوجبت الإخلاص في كلّ ما أمرتهم بالتعبد به فعلى الأوّل يكون إيجاب ما أوجبه سبحانه لطفا في تحقّق العبادة على وجه الإخلاص لأنّ اللّطف ما كان مقربا للعبد إلى الطّاعة ومبعّدا له عن المعصية نظير ما ذكره جمهور العدليّة من الإماميّة والمعتزلة من أن السّمعيات لطف في العقليات بل قول المصنف رحمهالله ومرجع ذلك إلى كونها لطفا لعلّه إشارة إلى ذلك لأنّ شكر المنعم لما كان واجبا بحكم العقل لما في تركه من احتمال سلبه تعالى بعض نعمه عنهم وكان الشّكر حاصلا بإطاعته سبحانه فذكروا أنّ السّمعيات لطف في العقليّات ونقول في تقريب دلالة الآية أيضا إنّ ما أوجبه تعالى من الواجبات لما كان سببا لتحقق العبادة على وجه الإخلاص وإقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة كذلك كانت تلك الواجبات لطفا فيما هو لطف في العقليّات ويحتمل أن يكون إطلاق اللّطف باعتبار كون العبادة مقربة إلى المحسنات العقلية ومبعدة عن المقبحات العقليّة على ما نصّ الله تعالى عليه في كتابه في خصوص الصّلاة بقوله (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وبالجملة إن إطلاق اللطف على الواجبات إنّما هو باعتبار كونها مقرّبة للعبد إلى العبادة إما بلحاظ كونها محصّلة للشكر أو بلحاظ كونها مجنّبة للعبد عن الفحشاء والمنكر وثالثا ما أشار إليه في آخر كلامه من أنّ النّزاع في جواز التمسّك باستصحاب أحكام الشّريعة السّابقة إنّما هو فيما لم يدلّ دليل على بقاء الحكم المستصحب في شرعنا لوضوح عدم صحّة التمسّك بالأصل مع وجود الدّليل على طبقه أو خلافه وقوله تعالى (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) دليل على بقاء الحكم المذكور في شرعنا(قوله) على جواز ضمان ما لم يجب إلخ لعدم الاستحقاق لمال الجعالة قبل العمل وإن شرع فيه فيكون ضمانه ضمان ما لم يجب (قوله) إنّ الحمل في ماله إلخ يعني في مال المؤذن فلا تدل الآية حينئذ على الضّمان الصّوري أيضا لأنّه إنّما يتمّ على تقدير إرادة كون الحمل في مال يوسف عليهالسلام (قوله) وفيه أنّ الآية لا تدلّ إلخ حاصله أنّ حسن ترك التزويج ليس ذاتيّا بل باعتبار ما يترتّب عليه من المصالح كالاستعانة به في العبادة ونحوها ولعلّ مدح يحيى أيضا إنّما هو بهذا الاعتبار فلا تدلّ على حسنه إذا انضمت إلى التزويج صفة أخرى راجحة على صفة تركه (قوله) وفيه ما لا يخفى إلخ لعلّ الوجه فيه احتمال كون هذا الحكم المخالف للقاعدة من خواص أيّوب عليهالسلام فلا يصحّ استصحابه إلى هذه الشّريعة وأمّا مخالفته للقاعدة فإن مقتضاها أنه مع الحلف على ضرب أحد مائة أن لا يحصل البرّ إلاّ بالضّرب بمثل السّوط أو الخشبة بالعدد المذكور لا بمثل الضّغث ضربة واحدة لعدم انصراف الضّرب مائة إلى مثله فلعلّ الله تعالى قد ترحم على امرأة أيّوب عليهالسلام فرخصه في ذلك بدلا عما يحصل به البرّ حقيقة كما ثبت مثله في حدود المرضى وورد به النصّ أيضا وأفتى به المحقّق في اليمين أيضا مع الاضطرار كالخوف على تلف النفس بل الشيخ مطلقا في المبسوط والتبيان والخلاف مدعيا في صريح الأخير وظاهر الأولين الإجماع عليه والمسألة مقرّرة في محلّها(قوله) وفيه أنّ حكم المسألة إلخ من جواز جعل المنفعة صداقا ثمّ إنّ المرتضى رضي الله عنه احتمل في تنزيه الأنبياء أن يكون من شريعة شعيب عليهالسلام جواز العقد بالتراضي من غير صداق معين ويكون قوله على أن تأجرني نفسك على غير وجه الصّداق وأجاب به مع وجهين آخرين عن إشكال دلالة الآية على جواز التخيير والتفويض في الصّداق مع عدم عود نفع هذا الصّداق إلى بنت شعيب عليهالسلام فراجع ولاحظ (قوله) قد عرفت أنّ معنى عدم نقض اليقين إلخ توضيح المقام أنّ قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشكّ وارد في مقام إنشاء حرمة نقض المتيقن السّابق بالشكّ فيجب الحكم ببقائه في زمان الشكّ وهذا من الشّارع بعد عدم إمكان إبقاء المتيقّن السّابق لأجل الشكّ فيه حتّى يكون مورد الحكم شرعي إنشاء وجعل للمتيقن السّابق في زمان الشكّ فلا بد حينئذ أن يكون المتيقن السّابق قابلا للجعل في الواقع إذ ما لا يكون قابلا له في الواقع لا يكون قابلا له في الظاهر أيضا إذ كما أنّه لا معنى لجعل وجود زيد مثلا في الواقع كذا لا معنى لجعله في الظّاهر بمعنى وجوب البناء على وجوده في مقام الشكّ فيه لعدم ترتب أثر عليه فيكون عبثا لا محالة وحينئذ فإن كان المتيقّن السّابق باعتبار نفسه قابلا لجعل الشارع كالخمسة التكليفيّة المعروفة كان المجعول في مقام الظاهر حكما ظاهريّا مساوقا للحكم السّابق المتيقّن فيكون هنا حكمان وإنشاءان إنشاء لحكم واقعي وإنشاء لحكم ظاهري فكأنّ الشّارع قال إذا شككت في وجوب فعل فابن علي وجوبه وما يترتب على وجوبه الواقعي من الآثار الشّرعيّة في مقام الظّاهر وإن كان من الموضوعات الخارجة غير القابلة للجعل الشّرعي فمعنى جعله يرجع إلى جعل الآثار الشّرعيّة المرتبة عليه بواسطة اليقين في زمان الشكّ لأن هذا هو القابل للجعل لا نفس الموضوع فمعنى عدم نقض اليقين