فيه علم إجمالي بوجود النّاسخ فيه حتّى يمنع من جريان الاستصحاب فيه (قوله) عدم النّسخ في المشكوكات إلخ يعني الأحكام المشكوكة الّتي لم تثبت بالأدلة الشرعيّة(قوله) إلاّ أن يقال إلخ الظاهر أن المراد أنّه بعد إكمال شرعنا ومجيء نبيّنا صلىاللهعليهوآله بجميع ما يحتاج إليه الأمّة يجب الإذعان والتديّن به سواء خالف الشريعة السّابقة أم وافقها فلا يبقى حينئذ مورد للاستصحاب لأنّه فرع حصول الشكّ في ثبوت الحكم المستصحب في شرعنا وقد فرضنا علمنا بمجيء النّبيّ صلىاللهعليهوآله في كلّ واقعة بحكم مخصوص سواء خالف الشّريعة السّابقة أم وافقها وحاصل الدّفع أنّ هذا الوجه إنّما يتم لو علمنا بأحكام جميع الوقائع في شرعنا وأمّا مع الجهل بحكم بعضها مع علمنا بحكمه في الشريعة السّابقة فالاستصحاب يقضي بكون حكم هذه الواقعة في شرعنا ما ثبت من حكمها في الشّريعة السّابقة وأنت خبير بأنّه لو قيل في تقريب المقام إنّه بعد إكمال شرعنا قد علمنا بكونه ناسخا لجميع أحكام الشّرائع السّابقة وغاية الأمر أنّ ما ثبت في شرعنا موافقا للشريعة السّابقة فهو مثله لا عينه كما تقدّم سابقا عن صاحب الفصول لما يندفع بما ذكر لاشتراط اتحاد القضيّة المتيقنة والمشكوك فيها في جريان الاستصحاب فلا يجري مع المغايرة وإن تماثلنا نعم يمكن دفعه مع عدم جريانه في المستقلات العقليّة بما أجبنا به سابقا عن صاحب الفصول فراجع (قوله) ما ذكره في القوانين إلخ قال وهو مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيّا وهو ممنوع ومناف للقول بالنّسخ بل التحقيق أنّه بالوجوه والاعتبارات وإن كنّا لا نمنع الذاتية في بعض الأشياء لكن إعمال الاستصحاب لا يمكن إلاّ مع قابلية المحلّ كما سيجيء انتهى ومراده بآخر كلامه أن حسن بعض الأشياء لما كان ذاتيّا وبعضها بالوجوه والاعتبار وكان جريان الاستصحاب في المقام مبنيّا على الأوّل ففي مورد لم يعلم كونه من أحد القبيلين لا يجوز التمسّك به لعدم العلم بقابلية المحلّ وأنت خبير بأن دعوى عدم جريان الاستصحاب على القول بالوجوه والاعتبار ممّا لا وجه له إذ يمكن استصحاب نفس حسن الفعل الثابت في السّابق مضافا إلى أنّ القول بكون حسن بعض الأشياء ذاتيا وبعض آخر بالوجوه والاعتبار لو منع جريان الاستصحاب لمنعه في جميع أحكام شرعنا إلاّ فيما ثبت كون حسنه ذاتيّا إن سلمنا جريانه على هذا التقدير مع أنّه فاسد أيضا كما نبّه عليه المصنف ره (قوله) وفيه أنّه إن أريد إلخ توضيحه أنّ الحسن الذّاتي يطلق تارة على ما كانت الطبيعة فيه علّة تامّة له كحسن الصّدق النّافع وقبح الكذب المضرّ وأخرى على ما كانت الطبيعة فيه مقتضية له بأن كانت فعلية الحسن مشروطة بوجود شرط مفقود أو فقد مانع موجود والفرق بينه وبين القول بالوجوه والاعتبار أن الحسن على الثّاني قد ينشأ من اقتران الفعل ببعض الأمور الخارجة وإن لم تكن نفس الفعل من حيث هي مقتضية له وعلى الأوّل لا معنى للاستصحاب للقطع ببقاء الحكم حينئذ وعلى الثّاني لا وجه لمنع جريانه لفرض صلاحيّة حسن الفعل للبقاء والارتفاع ببعض الأمور الخارجة وإذا قلنا بجريانه على الثّاني فلا بدّ أن نقول بجريانه على الثّالث أيضا لاشتراك العلّة وإذا قلنا بعدم جريانه على الثالث لم يتحقق له مورد أصلا لأن حسن المستصحب إن كان ذاتيّا بالمعنى الأوّل فقد عرفت عدم جريان الاستصحاب معه وإن كان ذاتيّا بالمعنى الثّاني فقد عرفت عدم الفرق بينه وبين القول بالوجوه من هذه الجهة فإذا كان القول بالوجوه مانعا منه فلا بدّ أن يكون القول بالذاتية بالمعنى المذكور أيضا كذلك فلا يبقى مورد للاستصحاب أصلا(قوله) حنفاء إلخ قال الطريحي الحنيف المسلم المائل إلى الدّين المستقيم والجمع حنفاء والحنيف المسلم لأنّه يحنف أي تحرى الدّين المستقيم والحنف محركة الاستقامة ومنه قوله دين محمد صلىاللهعليهوآله حنيف أي مستقيم لا عوج فيه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليهالسلام وأصل الحنف الميل ومنه بعثت بالحنيفية السمحة السّهلة أي المستقيمة المائلة عن الباطل إلى الحقّ (قوله) دين القيمة إلخ قال الطّريحي وقال الشيخ أبو علي وقيل دين الملّة القيمة والشّريعة القيّمة وقال نضر بن شميل سألت الخليل عن هذا فقال القيمة جمع قيم والقيم والقائم واحد فالمراد وذلك دين القائمين لله بالتّوحيد ثمّ قال وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر لأن فيها تصريحا بأنّه تعالى إنّما خلق الخلق ليعبدوه واستدلّ بهذه الآية أيضا على وجوب النيّة في الطهارة وأنّه تعالى أمر بالعبادة على وجه الإخلاص ولا يمكن الإخلاص إلاّ بالنيّة والقربة والطّهارة عبادة فلا تجزي بغير نيّة(قوله) ويرد عليه بعد الإغماض إلخ لا يذهب عليك أنّه قد استدلّ بالآية تارة على أنّ الأصل في كلّ أمر أن يكون تعبديّا وأخرى على اشتراط قصد القربة والإخلاص في العبادات وعدم صحّتها مع الرياء وغيره من الضّمائم نظرا إلى دلالة الآية على كون الغاية في الأوامر مطلقا هي العبادة بقصد الإخلاص هذا إن قلنا بعدم منافاة العبادة للرّياء ونحوه من الضّمائم وإلا تكون الحال حينئذ أعني قوله مخلصين مؤكّدة فيصح الاستدلال على المطلوب في المقامين بكلّ من الفقرتين أعني قوله إلاّ ليعبدوا الله وقوله مخلصين لفرض عدم انفكاك كون الفعل عبادة حينئذ عن قصد الإخلاص وبالعكس ولكن يرد على الأوّل أنّه مبنيّ على كون اللاّم للغاية ليفيد أنّ الغرض من الأوامر مطلقا إيقاعها على وجه العبادة وعليه يكون المفعول محذوفا والمعنى وما أمروا بشيء لغاية من الغايات إلا لغاية التعبّد وعلى أن يكون المراد بالعبادة في الآية معناها المصطلح عليه أعني ما يشترط في صحّته قصد التقرّب وليس كذلك أمّا الأوّل فإنّ الظّاهر كون اللاّم زائدة في المفعول به للتّأكيد والتقوية على تقدير أن كما حكاه الطّريحي في مادة خلص وطهر عن نجم الأئمّة وذكره جلال الدّين السيوطي في تفسيره مثل قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وقوله تعالى (يُرِيدُ) الله (لِيُطَهِّرَكُمْ) مضافا إلى أن أخذ اللاّم بمعنى الغاية ينافيه عطف قوله (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) على مدخول اللاّم لاختلال المعنى حينئذ وأمّا الثّاني فإنّ العبادة لغة كما في القاموس مطلق الطّاعة والانقياد مضافا إلى أنّه لو كان المراد بها معناها المصطلح عليه لزم تخصيص الأكثر لوضوح كون أكثر الواجبات توصليا لا تعبديّا والمعنى وما أمروا إلاّ بالطّاعة والانقياد ومع تسليم ذلك كله يحتمل أن يكون المراد كما سيجيء عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى وما أمروا إلا بالإخلاص في العبادة فيدلّ على اعتبار الإخلاص فيما فرض كونه عبادة فلا يدلّ على كون الأصل في الأوامر أن تكون تعبدية كما هو المدعى ويرد على الثّاني أولا ما أغمض عنه المصنف رحمهالله وأحال بيانه إلى ما أوضحه في باب النية قال في كتاب الطهارة في مقام الردّ على من استدلّ