تقدير وجوده في الخارج ممّا يقبل التّذكية فلا يقال للحائط مثلا إنه غير مذكى وأمّا اعتبار وجود الموضوع في صدقه حتّى يمنع من جهته عدم صدق عدم التّذكية في المقام ليترتب عليه عدم صحة استصحابه فلا هكذا قيل وفيه نظر لأنّه إن أراد استصحاب عدم كون هذا اللّحم مذكى ففيه أنّه لم يكن هذا اللّحم موجودا في السّابق حتّى يتصف بعدم هذه الصّفة ويستصحب عدمها في هذا الموضوع وإن أراد استصحاب العدم الأزلي المطلق فهو لا يفيد انطباق الكلّي المذكور على هذا الفرد إلاّ على القول بالأصول المثبتة اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الكلام هنا على مذهب المشهور وهم يتسامحون في الاستصحاب في موارد المسامحة العرفيّة كما في استصحاب الكرية ونحوه ولا ريب أنّ أهل العرف يعدّون العدم الأزلي السّابق ووجوده في ضمن فرد أمرا واحدا مستمرّا فيقال إن هذا اللّحم لم يكن مذكى من دون التفات إلى أنّ العدم في السّابق كان قائما بنفسه وهنا بهذا الفرد فتأمل وثانيها أنّه قد زعم كون الحرمة والنجاسة مرتبتين على عنوان الميتة بمعنى الموت بحتف الأنف لا عدم التذكية وقد عرفت ضعفه وثالثها أنّه قد زعم كون مراد المشهور من استصحاب عدم التذكية إثبات الموت بحتف الأنف ليترتب عليه الحرمة والنّجاسة ولذا قال وليس التمسّك بهذا الاستصحاب إلخ وليس كذلك لما عرفت من عدم كون مقصودهم بذلك إلاّ إثبات مجرّد عدم التذكية(قوله) فإن استصحاب عدم الحيض إلخ لأنّ الموضوع فيه المرأة فاستصحاب عدم كونها حائضا وإن ثبتت به مقارنة الدّم الموجود بوصف عدم الحيض إلاّ أنّه لا يثبت الارتباط بينهما بمعنى صدق عدم كون هذا الدّم حيضا وإن كان وجود الدّم يقينيّا وكون المرأة غير حائض ثابتا بالأصل ونظير استصحاب وجود الكلّي لإثبات بعض أفراده كما في مثال الضّاحك أو استصحاب العدم لإثبات بعض وجوداته كما في مثال عدم التّذكية أو الارتباط بينهما كما في مثال الحيض ما لو كان هنا مقدمة من الكرّ وأخذ منه شيء حتى شكّ في بقائه على الكريّة فإن استصحاب الموجود السّابق أعني المتّصف بالكرية لا يثبت كون هذا الماء الموجود كرّا وإن ثبت التقارن بينه وبين الكرّية نعم لو قيل إنّ هذا الماء كان كرّا في السّابق والأصل بقاؤه على صفته السّابقة ثبت كون هذا الماء كرّا وإن كان لا بدّ فيه أيضا من المسامحة في الموضوع وقد ظهر ممّا ذكره المصنف رحمهالله أن استصحاب العدم على أقسام أحدها ما كان المقصود منه إثبات نفس العدم وثانيها ما كان المقصود منه إثبات بعض وجوداته وثالثها ما كان المقصود منه إثبات الارتباط بينهما لاختلاف الأحكام بذلك كلّه بحسب الموارد وقد ظهرت الحال في الجميع ممّا ذكره المصنف رحمهالله مع أمثلتها فتدبّر (قوله) إنّه قد علم من تعريف الاستصحاب إلخ هذا الأمر كالأمر السّابق متعلق بحال المستصحب وما تعرض له المصنف رحمهالله في المقام إنّما هو الزّمان والزّماني والأمر المستقرّ الذي أخذ الزّمان فيه وبقي هنا أمران أحدهما الأوصاف العارضة للأمور التدريجية كالجهر والإخفات العارضين للقراءة وثانيهما الأمور المتولدة من التدريجيات مثل الكرية الحاصلة من اجتماع الماء تدريجا وهذان الأمران مشتركان مع الأمور المذكورة في جهة الإشكال من حيث جريان الاستصحاب فيهما وعدمه ولعلّه لذا لم يتعرض لهما المصنف رحمهالله ونشير إلى شطر من الكلام فيهما في بعض الحواشي الآتية(قوله) لأن نفس الجزء لم يتحقق في السّابق إلخ حاصله أن المعتبر في الاستصحاب هو كون القضية المشكوكة عين المتيقّنة حتّى يصدق في مورده البقاء والارتفاع والأمر في الأزمان ليس كذلك لأنّه إذا شك في بقاء زمان كاللّيل والنّهار فالموضوع في القضية المتيقنة مقطوع الارتفاع وفي القضية المشكوكة قد حصل القطع بعدم وجوده في زمان اليقين فلا يصدق معه البقاء وهو واضح وربّما يستدل عليه أيضا بأن الاستصحاب يفتقر إلى زمان يقين وزمان شكّ متأخر عنه بمعنى كونهما ظرفين للمستصحب لا قيدا له فلو جعل نفس الزمان مستصحبا لاحتاج إلى زمان آخر متيقن الوجود فيه وزمان آخر أيضا مشكوك البقاء فيه واللاّزم واضح الفساد فكذا المقدّم ويرد عليه أنّ اعتبار الزمان في الاستصحاب والحاجة إليه في مورده على ما تقدّم عند بيان تعريفه إنّما هو لتوقّف البقاء المعتبر في مفهومه على زمانين ولا ريب أن المفتقر إليه في البقاء إنّما هو غير الأزمان لوضوح عدم احتياجها في البقاء إلى زمان آخر(قوله) نعم لو أخذ المستصحب مجموع إلخ حاصل ما ذكره هنا هو إدراج الأزمان في تعريف الاستصحاب بارتكاب التّأويل فيه بأحد وجهين أحدهما التصرّف في المستصحب بأن يقال إنّهم حيث جعلوا الكلام في استصحاب الحال فلاحظوا فيه كونه أمرا واحدا خارجيّا شاملا لما كان بقاؤه وارتفاعه بتجدّد جزئه الأخير وعدمه وحينئذ يبقى لفظ البقاء في الحد على معناه العرفي الملحوظ في كلّ شيء بحسبه وثانيهما التصرّف في لفظ البقاء بأخذه على معنى يشمل ما ذكرناه (قوله) تقدير صحّته إلخ لا يخفى أنّه على تقدير منع صحّته هذا المعنى لا يبقى وجه لاستصحاب الأزمان مع أنّه من المسلمات عندهم (قوله) أو على بعض الوجوه الآتية إلخ من كون الواسطة خفية فإن صدق كون الفعل واقعا في النهار مثلا وإن احتاج إلى إثبات الواسطة وهي كون الجزء المشكوك فيه من النهار إلاّ أن هذه الواسطة خفية في نظر أهل العرف لزعمهم ترتب الحكم على بقاء الزّمان الذي حصل القطع بثبوت الحكم فيه (قوله) ولو بنينا على ذلك يعني على اعتبار الأصول المثبتة(قوله) استصحابات أخر إلخ لا يخفى أن هذه الاستصحابات مع كونها مثبتة غير مغنية عن التوجيه المذكور لكون المستصحب فيها أيضا من الأمور التدريجيّة كما نبّه عليه عند بيان القول الخامس لكون مرجع الطلوع والغروب مثلا إلى الحركة الحادثة شيئا فشيئا وهكذا في غيرهما اللهمّ إلاّ أن يريد بهما كون الشّمس فوق الأفق أو تحته وبكون القمر مرئيا كونه في درجة يكون مرئيا فيها لا حركة الشّمس أو القمر من محلّ إلى آخر وكيف كان فقد نبّه المصنف رحمهالله هناك كما سيشير إليه هنا أيضا على عدم صحّة استصحاب حكم الزّمان ولذا قيد ما ذكره هنا بقوله لو كان جاريا فيه ثم إن من جملة الاستصحابات المذكورة أصالة عدم حدوث ضدّ الزّمان المشكوك البقاء كعدم حدوث الليل عند الشكّ في انقضاء النهار وبالعكس وفيه أنّ الأحكام مرتّبة غالبا على عنوان الليل والنهار لا على عدم ضدّهما(قوله) إلاّ أن جواز الإفطار إلخ يعني أنّ استصحاب وجوب صوم شهر رمضان إلى زمان الرّؤية الّتي يترتب عليها جواز الإفطار ليس من فروع إلخ ثمّ لا يخفى أنّه كما لا يصحّ استصحاب الشغل في يوم الشكّ من آخر شهر رمضان نظرا إلى كون المقام من موارد قاعدة البراءة كذلك لا يصح استصحاب البراءة في يوم الشكّ من أوله بناء على ما هو التحقيق وفاقا للمصنف رحمهالله من عدم صحّة استصحاب البراءة في موارد جريان قاعدتها ولم