وتخييرا في موارد التّعارض للزم استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد وحينئذ نقول إنّ شيئا من الوجهين لا يجري في المقام أمّا الأوّل فلاختصاصه بموارد تعارض الحجّتين وما نحن فيه من تعارض الاحتمالين المعلوم ثبوت أحدهما في الواقع من قبيل تعارض الحق والباطل فلا يمكن قياس أحدهما إلى الآخر إذ مقتضى القاعدة فيما نحن فيه هو الرّجوع إلى مقتضى الأصل بعد فرض عدم لزوم المخالفة العمليّة من العمل به وأمّا الثّاني فهو أيضا لا يقتضي التّعدّي عن مورده إلى غيره إذ بعد فرض كون التخيير في تعارض الخبرين على خلاف القاعدة لا يلزم منه تعدية الحكم إلى تعارض الاحتمالين والأولويّة أنّما تثبت لو علم كون المناط في حكم الشّارع بالتخيير في تعارض الخبرين هو مراعاة احتمال الواقع في أحدهما إذ يصحّ حينئذ أن يقال إنّه إذا ثبتت مراعاة ذلك في الظّنّيين ففي موارد العلم الإجمالي بطريق أولى ولكن الفرض كون ذلك تعبّديّا وعدم العلم بالمناط فيه ولو فرض حصول الظنّ به فهو غير كاف في المقام ورابعها وجوب الالتزام بما جاء به النّبي صلىاللهعليهوآله وهو هنا لا يمكن إلاّ بالالتزام بأحدهما تخييرا وقد تقدم الجواب عن ذلك فراجع وإذا ثبت عدم نهوض الوجوه المذكورة لإثبات وجوب الالتزام في المقام يتعيّن العمل بالأصل في نفي الاحتمالين لانحصار المانع فيه وقد عرفت عدم صلاحيّته لذلك ولكن المصنف رحمهالله قد عدل في آخر كلامه إلى المنع عن جواز المخالفة الالتزاميّة نظرا إلى كون مرجعها في الحقيقة إلى المخالفة العمليّة ولو في الوقائع المتعدّدة سيّما مع كونها خلاف طريقة الأصحاب كما يرشد إليه ملاحظة كلماتهم في مسألة الإجماع المركّب واختلاف الأمّة على قولين وما ذكروه في مسألة البراءة في حكم ما دار الأمر فيه بين محذورين حيث إنّ الأكثر في المسألة الأولى على عدم جواز المحرق مطلقا من دون فصل بينما لزم منه المخالفة العمليّة أو الالتزاميّة بل لم يظهر المخالف فيه إلى زمان صاحب الفصول حيث جوز الخرق فيما ثبت أحد شطري الإجماع بدليل اجتهادي فجوّز في مثله الرّجوع إلى مقتضى الأصل وإن خالفهما ولكنّه ضعيف في الغاية لشمول إطلاق كلامه لصورة لزوم المخالفة العمليّة مع ما في كلامه من قياس الشّبهات الحكميّة على الموضوعيّة كما أشار إليه المصنف رحمهالله والمعروف في المسألة الثّانية قولان أحدهما ما اختاره الشّيخ من الحكم بالتخيير وثانيهما ما حكاه في العدّة عن بعضهم من الرّجوع إلى مقتضى الأصل ومخالفة شيء منهما للمقام غير معلومة لاحتمال كون مراد الأوّل هو التّخيير الظّاهري كما يظهر من الفاضل القمي وإن كان ذلك خلاف ظاهر كلامه كما أسلفناه سابقا ومراد الثّاني هو الرّجوع إلى الأصل الموافق لأحد القولين مضافا إلى كونه مجهول القائل ولعلّه ممّن لا يعتد بقوله وقد استظهر المصنف إطباقهم في المسألة الثالثة على عدم جواز الرّجوع إلى الإباحة المعلومة إجمالا مخالفتها للواقع هذا كلّه مضافا إلى أنّ طريقة الإطاعة والعصيان موكولة إلى العقل والعقلاء ولا ريب أنّه مع استقرار طريقتهم في باب الإطاعة والعصيان على شيء يكون هو المتبع كالعمل بالبراءة في الشبهات البدويّة والعمل بالظنّ عند الانسداد باب العلم بل الأخذ بأحد الاحتمالين أو الاحتمالات لو فرض والعياذ بالله انسداد باب الظّنّ بالأحكام أيضا ولو فرض بناؤهم في الشبهات البدويّة على العمل بالاحتياط لكان هو المتبع والإنصاف أنّ طريقتهم فيما نحن فيه من حصول العلم إجمالا بشيء من الوجوب والحرمة ودوران الأمر بين محذورين مستقر على كون الملتزم بأحد الاحتمالين مطيعا والمعرض عنهما رأسا عاصيا ولا يلزم منه خرق قاعدة قبح التّكليف بلا بيان لأنّه أنما يلزم لو قلنا بثبوت التّكليف بالواقع على ما هو عليه لا بالتّخيير في الالتزام بأحد الاحتمالين مع السّكوت عن الحكم الواقعي الّذي هو نوع من البراءة مشوب بالاحتياط ولعلّ السّر في بنائهم على ما ذكرناه هو كون البناء على جواز المخالفة الالتزاميّة مؤدّيا غالبا إلى المخالفة العمليّة وحينئذ فلا فرق بين الوقائع المتعدّدة المتدرّجة والواقعة الواحدة ولعل هذا هو الوجه في أمر المصنف رحمهالله بالتّأمّل في التّفصيل بينهما ثمّ إنّ ما ذكره المصنف ره من كون المخالفة الالتزاميّة مؤدية إلى المخالفة العمليّة في الوقائع المتعدّدة المتدرّجة وإن كان غير مطرد لجواز اتحاد الوقائع فعلا أو تركا فلا يتأتى فيه ما ذكره من وجوب الالتزام لانتفاء المقتضي له حينئذ وهو قبح المخالفة العمليّة ولو كانت في الوقائع المتعددة إلا أنّك قد عرفت عموم بناء العقلاء للمقامين مع أنّ المراد من حرمة المخالفة الالتزاميّة ليس إثبات وجوب الالتزام والبناء على أحد الاحتمالين بل المقصود عدم جواز كون العمل مخالفا للواقع ولو في الوقائع المتعدّدة وإن لم يكن ذلك عن قصد والتزام بأحد الاحتمالين ثمّ إنّ ما قوّاه المصنف وإن ذكره في الشّبهة الحكميّة إلا أنّه لا فرق فيما ذكره بينها وبين الشّبهة الموضوعيّة كما صرّح به فيما يلزم فيه مخالفة العلم لخطاب مجمل كما سيجيء(قوله) إلاّ وجوب الإطاعة إلخ قد تقدّم المراد من الإطاعة في المقام في الحاشية السّابقة فراجع (قوله) إنّما يجب مقدمة للعمل إلخ حاصله منع الصّغرى لعدم توقف العمل على الالتزام بأحد الحكمين المحتملين في المقام لما تقدّم من كون محلّ الكلام هو الواجبات التوصليّة التي يمكن حصولها في الخارج من دون التزام بأحد المحتملين في مقام الظّاهر نعم يتمّ ذلك فيما يعتبر فيه التعبّد ولكنّه خارج ممّا نحن فيه كما تقدّم وإثبات الوجوب النّفسي للالتزام في الفروع كالأصول قد تقدّم تضعيفه (قوله) لأنّ الأصول تحكم إلخ لصيرورة الشّبهة حينئذ موضوعيّة لأنّه إذا ثبت وجوب الالتزام بالأحكام الواقعيّة نفسا فمع دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته يحصل الشّك في أنّ موضوع وجوب الالتزام هو وجوب هذا الفعل أو حرمته نظير الشّكّ في وجوب وطء المرأة المعيّنة وحرمته لأجل الشّكّ في الحلف على وطئها أو على ترك وطئها وقد تقدّم كون الأصل في الشّبهات الموضوعيّة