فيما استلزم المخالفة لخطاب معلوم بالإجمال وإلاّ يفوت الغرض المقصود من الخطابات الواقعيّة هذا إذا لم نقل بوجوب الالتزام بالخطابات الواقعيّة المعلومة إجمالا أو تفصيلا وأمّا إذا قلنا بذلك نظرا إلى حصول المخالفة والعصيان بمجرّد ترك الالتزام وإن لم تلزم المخالفة العمليّة كما سنشير إليه وأشار إليه المصنف رحمهالله أيضا في آخر كلامه فجريان الأصول في الأوّل حينئذ ممنوع لفرض وجود الدّليل حينئذ على خلافها وهو بناء العقلاء كما لا يخفى (قوله) وأمّا الشّبهة الحكميّة إلخ حاصله أنّ أصالة عدم الوجوب والحرمة هنا وإن لم تخرج مجراها من موضوع التّكليفين لكونها منافية للدّليل الدّال على الحكم الواقعي المعلوم إجمالا لا حاكمة عليه كما في الشّبهات الموضوعيّة على ما تقدّم في الحاشية السّابقة إلاّ أنّ المانع من إجراء الأصل هنا إمّا لزوم مخالفة العمل للحكم المعلوم إجمالا أو للالتزام به والأوّل مفروض الانتفاء ووجوب الثّاني غير معلوم فالأصل يقتضي عدمه ومعلوم العدم كما هو ظاهر كلامه وذلك لأنّ ما يدلّ على وجوبه على يستفاد من كلامه وجوه غير ناهضة لإثباته أحدها اقتضاء نفس الحكم الواقعي المعلوم إجمالا وجوده في المقام لأنّ ثبوت الحكم في الواقع بنفسه مقتض للتدين والالتزام به ولذا قد أفتى بعض متأخّري المتأخرين بوجوب الفحص عن المال الّذي يشكّ في بلوغه إلى حدّ النّصاب في الزكاة أو إلى حدّ الاستطاعة في الحجّ وعلله في الرّياض بعدم دليل على العمل بأصالة البراءة حينئذ غير ما يقال من أن بلوغ النّصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شيء وفيه أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الزّكاة في النّصاب وهو اسم لما كان نصابا في نفس الأمر من غير مدخلية للعلم به في مفهومه وحينئذ فيجب تحصيل العلم والتفحّص عن ثبوته وعدمه في نفس الأمر ولو من باب المقدّمة انتهى ومقتضاه أنّ العلم بثبوت التّكاليف في الواقع ولو إجمالا بنفسه مقتض للعمل والالتزام به ومقتضاه وإن كان وجوب الاحتياط في الشّبهات البدويّة إلاّ أنا قد خرجنا من مقتضى القاعدة فيها بأدلّة البراءة فإن قلت إنّها مقتضية لنفي الوجوب في مسألة الزّكاة والحجّ أيضا كما هو المشهور لكون الشّبهة فيها أيضا بدوية قلت نعم ولكن بقاء تلك المسألتين تحت الأصل الأوّلي وخروجها من تحت أدلّة البراءة على تقدير تسليمه أنّما هو لأجل لزوم المخالفة الكثيرة على تقدير ترك الفحص وهو بنفسه محدود مانع من جريان البراءة كما لا يخفى والجواب منع كون ثبوت التّكاليف الواقعيّة مقتضيا للالتزام بها لأنّ وجوبه أنّما هو من باب المقدّمة للإطاعة والامتثال غير المعتبر في تحقّق الواجبات التوصليّة التي هي محلّ الكلام في المقام كما تقدّم والحاصل أنّ ما يعتبر في تحقّقه عنوان الإطاعة الّذي يتوقّف على الالتزام بالحكم كالواجبات التعبّديّة خارج من محلّ الكلام وما هو محلّ الكلام لا يعتبر فيه ذلك وإن أريد من الإطاعة عدم العلم بمخالفة العمل للواقع وإن لم يقع بقصد الامتثال فهو حاصل في المقام من غير التزام وهذا هو المراد من الإطاعة في كلام المصنف ولذا أثبتها بمجرّد فرض عدم مخالفة العمل للواقع في المقام بإعمال الأصول وإلاّ فمجرّد عدم المخالفة أعمّ من حصول الإطاعة كما في الواجبات التوصليّة لإمكان تحققها من دون حصول إطاعة وأمّا وجوب الالتزام بما جاء به النّبي صلىاللهعليهوآله الّذي هو من لوازم الإيمان فهو أيضا حاصل في المقام إذ ما يعتبر فيه هو الالتزام بما جاء به على ما هو عليه في الواقع فإن علم ذلك تفصيلا يجب الالتزام به كذلك وإلاّ فإجمالا والأوّل لا يوجب الالتزام بأحد الاحتمالين تخييرا في موارد ما نحن فيه والثّاني حاصل بالفرض وهذا غير الالتزام بالحكم في مقام العمل لأنّ مرجعه إلى تحصيل الاعتقاد بالواقع لإيقاع العمل على طبقه والحكم بوجوبه أنّما يتم فيما يتوقف العمل عليه كما في العبادات لعدم صحّتها إلا بقصد الإطاعة والامتثال بخلاف ما نحن فيه كما سيشير المصنف رحمهالله إليه ونشير إلى توضيحه وثانيها تولد خطاب ثالث من انضمام الخطابين المحتملين في المقام وهو قولك اعمل بأحدهما لأنّ مقتضاهما وإن كان هو الالتزام بكلّ منهما تعيينا إلاّ أنّه لعدم إمكان الجمع بينهما لفرض دوران الأمر بين المحذورين يجب الالتزام بهما تخييرا وقد أوضح المصنف رحمهالله الجواب عن ذلك بقوله ويمكن تقرير دليل الجواز بوجه آخر إلخ وثالثها فحوى الأخبار الدّالّة على التخيير في تعارض الخبرين لأنّه إذا وجب التّحفّظ على الخبرين الظّنّيين وإبقاء حكمهما بقدر الإمكان الّذي مقتضاه الالتزام بحكم أحدهما وإن لم تلزم هنا مخالفة عمليّة على تقدير طرحهما ففيما كان هناك علم إجمالي يتحقّق أحد الاحتمالين بطريق أولى إذ الاهتمام بالعلم فوق الاهتمام بالظنّ وقد جعل المصنف رحمهالله ذلك دليلا على ما اختاره في آخر كلامه من وجوب الالتزام في المقام والجواب أنّ الحكم بالتّخيير في الأخبار المتعارضة الظّنّية إمّا أن يكون على وفق القاعدة نظرا إلى أنّ الحكم بالتخيير في تعارض الخبرين فرع اعتبارهما إذ لا معنى للتخيير بين الحجّة وغير الحجّة مضافا إلى عموم الأدلّة الدّالّة على اعتبار أخبار الآحاد وحينئذ فطرحهما إبطال لحقّ كلّ منهما وطرح أحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح والفرض عدم إمكان الجمع بينهما لتعارضهما فيتعين العمل بهما تخييرا لأنّه القدر الممكن في المقام وإمّا أن يكون ذلك حكما تعبّديّا ثابتا من قبل الشّارع على خلاف القاعدة بأن يقال إنّ مقتضى القاعدة في تعارض الخبرين هو إلغاؤهما والرّجوع إلى مقتضى الأصل نظرا إلى عدم الدّليل على اعتبار الأخبار عند التعارض لأنّ الأدلّة الدّالة على اعتبار أخبار الآحاد أنّما تدلّ على اعتبارها تعيينا بناء على كون الأمر حقيقة في الوجوب التّعييني فحينئذ لا يمكن شمولها للأخبار المتعارضة لعدم إمكان العمل بها كذلك لفرض تعارضها وتضادّها ولو كان المقصود منها العمل بأخبار الآحاد تعيينا في موارد سلامتها عن مكافئ معارض