كما هو ظاهر المشهور ولكنك خبير بأن القول باعتبار البراءة الأصلية من باب التعبّد وإن كان يدفع اشتراك الإيراد إلاّ أنّه لا يصحح أصل الاستدلال لعدم استلزام القول باعتبار الاستصحاب حينئذ لتقديم بينة النفي كما يظهر ممّا ذكرناه (قوله) أو يقال إن الإجماع إلخ أنت خبير بأنّ دعوى الإجماع على اعتبار أصالة البراءة في الموضوعات الخارجة أولى من دعواه على اعتبارها في الأحكام لأنّ خلاف الأخباريّين إنّما هو في الشبهات التحريميّة الحكميّة دون الوجوبية والموضوعيّة إلا ما يتراءى من الأمين الأسترآبادي كما تقدّم في مسألة البراءة(قوله) لقوّته على بينة النفي إلخ لأنّ شهادة بيّنة الإثبات مستندة إلى الحسّ وأمّا بيّنة النّفي فإمّا مستندة إلى أصالة البراءة كما هو الغالب أو إلى العلم وهو نادر إذ أسباب اشتغال الذّمة كثيرة تندر الإحاطة بعدم وقوع شيء منها في الخارج فشهادة بينة النفي على الأوّل لا تفيد الظنّ وعلى الثّاني على تقدير إفادتها الظنّ لا تقاوم الظنّ الحاصل من بيّنة الإثبات (قوله) إلى نوع من الإثبات إلخ كما في بينة الدّاخل (قوله) كتقديم بيّنة الخارج إلخ مثال للمورد المنصوص به (قوله) وربّما تمسكوا بوجوه إلخ منها ما نقله في القوانين وغيره من أنّ العمل بالاستصحاب عمل بالظنّ وهو محرم بالآيات والأخبار وفيه أنّ ما دلّ على اعتبار الاستصحاب من الأخبار أو بناء العقلاء أو الاستقراء أخصّ من تلك الأدلّة فتخصّص بها وربّما يجاب بأنّ العمل بالاستصحاب بعد قيام دليل قطعي عليه عمل بالقطع دون الظنّ فله خروج موضوعي من تلك الأدلّة وفيه أنّ قيام دليل قطعي على اعتباره يجعله قطعي الاعتبار لا قطعيّا فلا بدّ أن يكون خروجه منها من باب التّخصيص دون التّخصّص وفيما ذكره اشتباه التخصيص بالورود ومنها ما ذكره الأمين الأسترآبادي من مخالفته لقاعدة التّوقف والاحتياط قال في فوائده المدنية إنّ هذا الموضع من مواضع عدم العلم بحكمه تعالى وقد تواترت الأخبار بأن بعد إكمال الشريعة يجب التوقف في تلك المواضع كلّها ويجب العمل بالاحتياط في العمل أيضا في بعضها وقد تقدّم طرف من تلك الأخبار وسيجيء طرف منها فيها الكفاية إن شاء الله تعالى انتهى وتخصيصه المخالفة بقاعدة الاحتياط إنّما هو لأجل عدم قوله بأصالة البراءة والتخيير ولو كان المستدلّ من الأصوليين لتمسّك بمخالفته للأصول القطعيّة من أصالة البراءة والاحتياط والتخيير بحسب اختلاف الموارد إذ لا ثمرة للقول باعتبار الاستصحاب في موارد موافقته لأحد هذه الأصول إذ القول باعتبارها مغن عن القول باعتباره وأمّا مع المخالفة فالعمل به مستلزم لطرحها وفيه ما سيجيء عند بيان تعارض الأصول من حكومة الاستصحاب على الأصول المذكورة في الجملة وللكلام في توضيحه مجال لا يسعه المقام ولعلّ ما ذكره المصنف رحمهالله في تعارض الأصول مغن عن إيراد الكلام هنا إلى غير ذلك من أدلتهم (قوله) لا يخلو ظهوره عن تأمّل إلخ قد أوضحنا الكلام في ذلك عند شرح ما يتعلق بتعيين محلّ النّزاع من حيث كون الاستصحاب العدمي مشمولا للنّزاع وعدمه ونزيد هنا ونقول قال العضدي بعد تعريف الاستصحاب وقد اختلف في صحّة الاستدلال به لإفادة ظنّ بالبقاء وعدمها لعدم إفادته فأكثر المحققين كالمزني والصّيرفي والغزالي على صحّته وأكثر الحنفيّة على بطلانه فلا يثبت به حكم شرعي ولا فرق عند من يرى صحّته بين أن يكون الثّابت به نفيا أصليا كما يقال فيما اختلف في كونه نصابا لم تكن الزّكاة واجبة عليه والأصل بقاؤه أو حكما شرعيّا مثل قول الشّافعيّة في الخارج من غير السّبيلين إنّه كان قبل خروج الخارج متطهّرا الأصل البقاء حتّى يثبت معارض والأصل عدمه انتهى وقال التفتازاني قوله فلا يثبت به حكم شرعي كأنّه يشير إلى خلاف الحنفيّة في إثبات الحكم الشّرعي دون النّفي الأصلي وهذا ما يقولون إنّه حجّة في الدّفع لا في الإثبات حتّى إنّ حياة المفقود بالاستصحاب يصلح حجّة لبقاء ملكه لا لإثبات الملك له في مال مورثه انتهى ولم أجد في الكتب المعروفة قولا بالتفصيل بين الوجودي والعدمي ولا ناقلا له عن غيره سوى ما استظهره التفتازاني من عبارة العضدي وهو منظور فيه لأحد وجهين أحدهما ما ذكره صاحب الفصول من كون الحكم الشّرعي في كلام العضدي عاما للنفي والإثبات قال بعد نقل كلام العضدي ولكن استفاد التفتازاني من قوله فلا يثبت به حكم شرعي أنّ الحنفية إنّما ينكرون صحّته في إثبات الحكم الشّرعي دون نفيه وهو غير واضح لأنّ نفي الوجوب والتّحريم الشّرعيّين مثلا أيضا حكم شرعي ولهذا لا يجوز بغير دليل معتبر نعم يتّجه ذلك إذا أريد بالحكم خصوص الخمسة التكليفيّة والوضعيّة دون مطلق الحكم ولعلّه أوفق بإطلاق الحكم انتهى وفيه مع عدّ العضدي للحكم الشّرعي في مقابل النفي الأصلي منع عموم الحكم الشّرعي للنفي لظهوره في الوجودي لأنّه في الحقيقة منحصر في الخمسة التكليفيّة وما عداها ليس بحكم شرعي أصلا سواء فرض كونه وضعيّا لما سيجيء من كون الوضعية منتزعة من الطّلبية أم نفيا محضا لعدم حاجته إلى جعل من الشّارع وثانيهما ما ذكره بعض مشايخنا من أن المقصود الأصلي في مباحث علم الأصول هو البحث عن أحوال الأدلّة الشرعيّة لأنّها موضوع هذا العلم والبحث عن قاعدة الاستصحاب أيضا إنّما هو من حيث كونها معدودة من أدلّة الأحكام الشرعيّة والدّليل الشّرعي هو المثبت للحكم الشّرعي الكلّي والمثبت للموضوعات الشّخصيّة سواء كانت شرعيّة أم غيرها لا يسمّى دليلا بل أمارة ولذا كان البحث هنا عن قاعدة الاستصحاب من حيث إثبات الموضوعات بها استطراديا وليس مقصودا بالأصالة وكذا من حيث إثبات البراءة الأصليّة لما عرفت من عدم كونها من الأحكام الشّرعيّة وحينئذ فالظّاهر أن قول العضدي فلا يثبت به حكم شرعي إشارة إلى منع كون الاستصحاب من الأدلّة المثبتة للأحكام الشّرعيّة لا إلى التفصيل بين الوجودي والعدمي مع أنّ تفريع التفتازاني في المسألة حياة المفقود على القول بالتفصيل المذكور في غير محلّه لأنّ الظاهر أنّها متبينة على ما ذكره صدر الشريعة صاحب التلويح من أهل الخلاف من عدم اعتبار الاستصحاب عند التعارض بالنسبة إلى مورد التعارض دون غيره لأنّ استصحاب حياة المفقود من لوازمه بقاء ملكه وعدم انتقاله إلى ورّاثه وكذا من لوازمه انتقال مال مورّثه الميت إليه فلا يعتبر الاستصحاب بالنّسبة إلى الثّاني لمعارضته باستصحاب عدم الانتقال ويعتبر بالنسبة إلى الأوّل لسلامته بالنسبة إليه من المعارض وتبعه المحقق القمي رحمهالله أيضا مطلقا حتّى فيما كان المتعارضين من قبيل المزيل والمزال ولا دخل لذلك في التفصيل المذكور كيف لا وقد أثبت به حياة المفقود لإثبات بقاء ماله وعدم انتقاله عنه فتأمل هذا ولكن الإنصاف أن عدّ العضدي للحكم الشّرعي في مقابل النفي الأصل وتفريعه لعدم إثبات الاستصحاب للحكم الشرعي