من حيث هو لأن باب العلم لما كان منسدّا في أمور معاشهم غالبا لعدم علمهم بعواقب الأمور وكان الاقتصار على معلوماتهم والاحتياط في غيرها مخلا بأمر معاشهم لقلّة معلوماتهم فأخذوا في ذلك طريقة وسطى وهو العمل بالظنّ لكونه أقرب إلى العلم فالعمل بالاستصحاب إنّما هو من حيث كونه أحد أسباب الظنّ وكون العمل به من باب الاحتياط ولو في الجملة لا لأجل ملاحظة الحالة السّابقة من حيث هي وكلا الوجهين منظور فيهما أمّا الأوّل فإن أدلّة البراءة إمّا هو حكم العقل بقبح التكليف بلا بيان أو عموم الآيات والأخبار الواردة في ذلك وحكم العقل بقبح التكليف بلا بيان إنّما هو مع عدم بناء العقلاء على ثبوت التّكليف بطريق ظاهري أو واقعي وإلاّ فلا يستقل العقل بالقبح المذكور نظير ما ذكرناه في مبحث أصالة الإباحة من أنّ العقل وإن استقل بوجوب الاجتناب عن الأشياء المشتملة على منفعة غالية من أمارة مفسدة إلا أنّه يسقط عن استقلاله بهذا الحكم بعد ملاحظة طريقة العقلاء على عدم وجوب الاجتناب وبالجملة إنّ بناءهم كاف في البيان والقبح المذكور غير كاف في الرّدع وأمّا الآيات والأخبار فمن تأمّل فيها وأعطى النّظر حقه جزم بأنّ المحصّل منها ليس إلاّ ما حكم به العقل من نفي التكليف بلا بيان وبناء العقلاء يصلح للبيان فالعمومات المذكورة لا تشمل المقام ولا تصلح للرّدع عن بنائهم مع فرض اطلاع الإمام عليهالسلام عليه وعدم خوفه من الرّدع مع أنّ اعتبار الظّواهر كما تحقق في محلّه إنّما هو لأجل بناء العرف على اعتبارها فلا اعتبار بها مع بنائهم على خلافها وأمّا الثّاني فإن بناءهم على اعتبار الاستصحاب إن كان من جهة إفادته الظنّ بالواقع بعد الانسداد وجب أن يعملوا بكل أمارة أفادت الظنّ بالواقع سواء كانت هو الاستصحاب أم غيره وهو خلاف المعاين من طريقتهم ولذا ترى أنّ أحدا إذا فارق صديقه أو أباه في بلد ثم جاء إلى بلد آخر أرسل إليه المكاتب والودائع استصحابا لبقائه فيه وعدم انتقاله عنه ولا يرسلهما إلى بلد آخر بمجرّد ظنّ انتقاله من البلد الّذي كان فيه إلى بلد آخر ومنع ذلك مكابرة (تنبيه) اعلم أنّه قد ظهر ممّا أورده المصنف رحمهالله على أدلة القول الأوّل وما علقناه على كلماته ضعف جميع هذه الأدلّة إلا أنّ جماعة قد تمسّكوا لهذا القول بالأخبار الواردة في المقام وتركها المصنف رحمهالله هنا زعما منه اختصاص مؤدّاها بالشكّ في الرّافع فأوردها في ذيل بيان مختاره ولكنّا قد أسلفنا عند شرح ما يتعلق بمختاره تضعيفه وكون مؤدّاها شاملا لكلّ من الشكّ في المقتضي والرّافع وسيجيء تتمّة الكلام فيه عند شرح ما يتعلق بقول المحقق الخونساري ولذا كان الأقوى في النّظر بالنّظر إلى إطلاق هذه الأخبار القول المذكور(قوله) قد عرفت اختصاصها إلخ قد عرفت في التنبيه السّابق عموم الأخبار المذكورة للشكّ في المقتضي أيضا فالمتجه على المختار منع كون التّسوية بين الحالين من دون دليل (قوله) كانتقاضه إلخ لا يخفى أن المقيس عليه أيضا ممنوع لكونه مصادرة كما يظهر ممّا ذكره المصنف رحمهالله والأولى في الاستدلال ما أشار إليه من قضية الاقتران بالحدث وما سنشير إليه من التعبير بالنقض وإن ضعّف المصنف رحمهالله الأوّل وسنشير أيضا إلى ضعف الثّاني (قوله) لما كان مأخوذا إلخ كما يدل عليه قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (قوله) في الجملة إلخ لعدم الشبهة بالنسبة إلى حال ما قبل الصّلاة وإن كان في أثنائها محل شبهة(قوله) وإن قرن به في قوله عليهالسلام إلخ رواه في الكافي والفقيه عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال قلت له يصلي الرّجل بوضوء واحد صلاة اللّيل والنهار كلّها قال نعم ما لم يحدث قال فيصلّي بتيمّم واحد صلاة اللّيل والنهار كلّها قال نعم ما لم يحدث أو يصب ماء قلت فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنّه يقدر كلّما أراد فعسر عليه قال ينقض ذلك تيمّمه وعليه أن يعيد تيمّمه الحديث (قوله) أو طروّ الرّافع إلخ وكذا التعبير بالنقض في الحديث المتقدّم في الحاشية السّابقة (قوله) أن يقطع ببقائه إلخ هذا ينافي ما تقدّم من المصنف رحمهالله فيما أورده على الدّليل الثّاني من أدلّة القول الأوّل من عدم ظهور دعوى حصول القطع من الاستصحاب من أحد(قوله) حصول الظنّ كلّية إلخ الأولى أن يقول كليّا بدل كلية(قوله) يراد ترتبه على بقائه إلخ المراد بهذا الأثر الحادث هو الأثر الّذي لم يكن مترتبا على المستصحب في زمان اليقين به بل كان ترتبه عليه معلقا على وجود أمر غير موجود في ذلك الزّمان وأريد ترتبه عليه في زمان الشكّ لأجل تحقق الأمر المعلّق عليه حينئذ كاستصحاب حياة زيد لتوريثه من مورث مات في زمان الشكّ في حياته واستصحاب طهارة الماء لإثبات حصول الطهارة للثّوب النجس المغسول به وكذا استصحاب نجاسة ما لاقى شيئا طاهرا وهكذا فإنّ هذه استصحابات معارضة باستصحاب عدم الأثر الحادث من التوريث وحصول الطهارة والنجاسة وأمّا الآثار المرتبة على المستصحب السّابق فعلا فلا يكون موردا لاستصحاب العدم (قوله) وتوهم إمكان العكس إلخ بأن يقال إنّ الظنّ باللاّزم أيضا يستلزم الظنّ بالملزوم فمع استصحاب اللاّزم لا يمكن استصحاب عدم الملزوم على عكس ما ذكرت وأمّا عدم إمكانه فإن توجّه الذّهن أوّلا وبالذات إنّما هو إلى الملزوم دون لازمه لكونه من توابعه فالظنّ أولا وبالذات إنّما يحصل بالملزوم ومعه لا يمكن حصوله بعدم لازمه وهو واضح فتأمّل (قوله) ومنه يظهر حال معارضة إلخ ظاهره كون الشكّ في الانتقاص مسبّبا عن الشكّ في وجوب المضي وليس كذلك إذ الأمر بالعكس اللهمّ إلاّ أن يريد بقوله ومنه يظهر إلخ ظهور تقديم الشكّ السّببي على الشكّ المسبّب مطلقا والشكّ السّببي في المعارضة الّتي ذكرها هو الشكّ في الانتقاض والشكّ المسبّب هو الشكّ في وجوب المضي (قوله) باشتراك هذا الإيراد إلخ إذ مع فرض تحقق الإجماع على اعتبار أصالة البراءة لا بدّ من تقديم بيّنة النفي على بيّنة الإثبات فلا بدّ من بيان وجه عدم التقديم على القول باعتبار الاستصحاب وعدمه فلا اختصاص لهذا الإيراد بالأوّل وأنت خبير بأنّه لا وقع لدعوى اشتراك الإيراد بعد منع المصنف رحمهالله عند تحرير محلّ النّزاع من تحقق الإجماع المذكور(قوله) اللهمّ إلاّ أن يقال إلخ وجه عدم اشتراك الإيراد على تقدير القول باعتبار أصالة البراءة من باب التعبّد كما إذا قلنا باعتبارها من باب الأخبار أو حكم العقل بقبح التّكليف بلا بيان كما هو الحقّ لا من باب الاستصحاب أنّ اعتبار البينة إمّا من باب الظنّ النّوعي أو التعبد والأمر التعبّدي لا يصلح مرجحا لما هو معتبر من باب الظنّ والطريقية ولذا نقول بكون الأصول مرجعا في تعارض الأخبار لا مرجحا كما سيجيء في محلّه ولا لما هو معتبر من باب التعبّد ولذا لا نقول بالترجيح بكثرة الأصول وإن توهّمه الفاضل الكلباسي والإيراد إنّما يختصّ بمن يرى اعتبار الأصول من باب الظنّ