من دخل في قوم تدينوا بدين ووجد استمرار طريقتهم على حكم علم أنّ ذلك مذهب صاحب هذا الدّين والشّرع وقد وصل منه إليهم ولا يختص ذلك بدين دون آخر نعم يشترط في اعتباره شروط التقرير من استمرار طريقتهم إلى زمان صاحب الشّرع واطلاعه عليه بطريق متعارف لا بعلم النبوّة والإمامة وعدم ردعه عن ذلك بعد الاطلاع كذلك وتمكّنه منه وعدم خوفه من الرّدع ولا بد من إحراز هذه الشّروط على سبيل العلم فلو قام دليل معتبر ولو كان ظنيّا على خلاف ما استقرت عليه طريقتهم لم تعتبر هذه السيرة لكفاية ذلك في روع صاحب الشّرع بل الشكّ في عدم ردعه كاف في عدم اعتبارها نعم لو كان هنا دليل معتبر على خلاف ما بنوا عليه واطلعوا عليه ولم يعملوا به فالظّاهر عدم قدح مثل هذا الدّليل في اعتبارها لأنّ عدم عملهم به بعد الظّفر به يكشف عن سقم فيه فلا يصلح للكشف عن روع صاحب الشّرع والثالث يسمّى ببناء العقلاء مثل بنائهم على بقاء ما كان على ما كان أو على اعتبار الأخبار الموثوق بالصّدور على ما ادعي في المقامين والدّليل عليه أنّ بناء العقلاء على أمر شرعي من جهة عقلهم يكشف إمّا عن حقيقة ذلك في الواقع إذ من البعيد تقريره سبحانه لهم على الجهالة مع استمرار طريقتهم عليه أو عن استقلال العقل بذلك في نفس الأمر وإن لم يستقل به عقل الممارس والمتتبع في أحوالهم لأن من فتش أحوال العقلاء ووجدهم بانين على أمر فربّما يقطع باستقلال العقل به في نفس الأمر وإن لم يستقل به عقل الممارس الباحث عنه بالخصوص والحق أنّ بناءهم على أمر إنّما يعتبر إذا كشف ذلك على سبيل العلم عن ثبوت ما بنوا عليه في نفس الأمر بأن حصل القطع من جهة بنائهم بتحقّقه في الواقع أو إذا انضم إليه عقل كلي بأن انضم إليهم معصوم بأن يعلم تقرير المعصوم لما بنوا عليه والوجه في اشتراط أحد هذين الأمرين احتمال كون اجتماعهم على أمر من جهة عدم المبالاة لا من جهة حكم عقولهم به مع أنّ حكم عقل أحد بشيء لا يصير دليلا على الآخر إذا استقل عقله بخلافه نعم لو كان الأمر الّذي بنوا عليه من الأمور العقليّة الّتي لا يصحّ من الشّارع التّصريح بخلافهم بل لو أقرّهم الشّارع على ذلك كان ذلك من جهة كونه أحد العقلاء لا يعتبر حينئذ رضا الإمام عليهالسلام وتقريره في حجيّة ما بنوا عليه كما في باب الإطاعة والمخالفة لكونهما من الأمور الموكولة إلى طريقة العقلاء ولا دخل لإنشاء الشّارع فيهما وجعله الّذي يعتبر كون المجعول قابلا لذلك وجودا وعدما وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ حاصل ما ذكره المصنف رحمهالله في الجواب عن الدّليل المذكور تسليم بناء العقلاء في الموضوعات الخارجة لكن لا مطلقا بل في موارد تحقق الغلبة وبنائهم في موارد تحقّقها أيضا ليس من حيث ملاحظة الحالة السّابقة بل من حيث تحقّق الغلبة طابقتها أو خالفتها وأمّا الأحكام الشرعيّة الكليّة فلم يثبت بناؤهم فيها على استصحاب الحالة السّابقة إلا في موردين أحدهما موارد الشكّ في عروض النّاسخ وثانيهما الشكّ في حدوث الحكم ولكنّ الأوّل لا دخل له في الاستصحاب كما تقدّم عند تحرير محلّ النّزاع ولعلّه لم يشر المصنف رحمهالله إلى ذلك لما أسلفه سابقا والثاني مبني على كون عدم وجدان الدّليل في مظان وجوده دليل العدم نعم ربّما يظهر من الشيخ كون ذلك مستندا للقول باعتبار استصحاب الحال ولكنّه إن تم إنّما يتم فيما ذكره من استصحاب الحال أعني استصحاب العدم لا مطلقا وممّا ذكرناه يظهر ضعف ما ذكره بعض مشايخنا من تسليم بنائهم في الموضوعات دون الأحكام وقد بيّن الوجه فيه بأن باب العلم لما كان منسدّا في أمور معاشهم غالبا وكان الاقتصار على المعلومات وكذا للعمل بجميع المحتملات مخلا بأمر معاشهم صار ذلك حكمة في اعتبارهم للظن الحاصل من الاستصحاب ولا يرد حينئذ أنّ الانسداد لو كان سببا لاعتمادهم على الظنّ الحاصل من الاستصحاب كان اللاّزم الاعتماد على كلّ ظنّ لا بخصوص الظنّ الحاصل منه لما عرفت من كون الانسداد حكمة في اعتمادهم لا علّة له وتقرير الإمام عليهالسلام ثابت في الموضوعات لوضوح أنّ سلوك أئمّتنا الأطهار عليهمالسلام مع النّاس في أمور معاشهم كان كسلوك بعضهم مع بعض في إرسال المكاتب والودائع والهدايا من البلاد النائية ووجه الضّعف واضح ممّا ذكرناه ثمّ إنه مع التسليم يحتمل أن يكون بناؤهم من باب الظنّ النّوعي أو التعبّد العقلائي والمتيقن منه على التقديرين إنّما هو فيما تعلّق بأمر معاشهم لا معادهم وبعبارة أخرى إنّ المتيقّن من بنائهم في الموضوعات إنّما هو في غير الموضوعات الشّرعية كاستصحاب الطهارة والنجاسة والشغل ونحوها وممّا يكشف عنه سؤال الإمام عليهالسلام في الأخبار المتكاثرة عن الموضوعات الشّرعية المشكوكة البقاء مثل صحيحة عبد الله بن سنان في إعارة الثوب من الذّمي المتقدّمة في الأخبار الخاصّة المستدلّ بها على المقام وما في صحيحة معاوية بن عمّار من سؤاله أبا عبد الله عليهالسلام عن الثياب السّابرية الّتي يعملها المجوسي فأمره عليهالسلام بالصّلاة فيها قبل أن يغسّلها وما في صحيحة عبد الله بن علي الحلبي من سؤاله أبا عبد الله عليهالسلام عن الصّلاة في ثوب المجوسي فأمره عليهالسلام برش الماء إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة فلو كان البناء على الحالة السّابقة مركوزا في أذهانهم لم يكن وجه للسّؤال عن الموضوعات الخاصّة لأنّ بناءهم على الحالة السّابقة إن كان كاشفا على سبيل القطع عن حقية ما بنوا عليه في الواقع لم يكن وجه للسّؤال وإن كان كاشفا عنه على سبيل الظنّ دون القطع وكان سؤالهم مبنيّا على ذلك فهو كاف في عدم اعتبار الاستصحاب فإن قلت إنّ سؤالهم لعلّه مبني على كون العمل بالأصول مشروطا بالفحص وكون السّؤال نوع فحص عن الدّليل قلت إنّ الفحص عن الدّليل في العمل بالأصول إنّما يعتبر في العمل بها في الأحكام الكليّة دون الموضوعات الخارجة وقد يورد على الدّليل المذكور بوجهين آخرين أحدهما أنّ بناء العقلاء فيما لم يكشف عن حقية ما بنوا عليه إنّما يعتبر من باب التقرير وعدم ردع الإمام عليهالسلام كما تقدّم وعدم الرّدع غير ثابت في المقام لأن اعتبار الاستصحاب إنّما يثمر في إثبات التكليف في موارد البراءة مع سبق التكليف لكفاية أصالة البراءة في نفي التّكليف عن استصحاب النّفي في موارد الشكّ في التكليف مع عدم سبق التكليف وقاعدة الشغل عن استصحابه في موارد الشكّ في المكلف به بل هو غير جار في المقامين كما لا يخفى وأمّا استصحاب التكليف في موارد الشكّ في التكليف مع سبقه فنمنع عدم ردع الإمام عليهالسلام عن مثله لكفاية أدلّة البراءة من الآيات والأخبار فيه وثانيهما أن بناء العقلاء على الحالة السّابقة إنّما هو من جهة كونه شعبة من شعب الاحتياط عندهم لا من جهة اعتبار الاستصحاب