حيث البقاء والانتفاء ليس بنادر أيضا بل هو كثير في نفسه فيدور الأمر حينئذ بين الغالب والأغلب ولا ريب في عدم اعتبار مثل هذه الغلبة إذ المعتبر فيها ندرة المفرد المخالف للأفراد الغالبة إن وجد بحيث يضمحل في جنبها ولذا مثّلوا لها بالزنجي الّذي إن وجد له فرد أبيض كان في غاية النّدرة وثانيهما أنّ الإجماع قائم على اعتبار الاستصحاب في أغلب موارده كما في باب الطهارة والنجاسة والأنكحة والأملاك وغيرها عند الشكّ في عروض ما يزيلها وكذا بناء الشّاهد على ما شهد به متى ما لم يعلم رافعها وكذلك تقديم قول المنكر على المدّعي إلى غير ذلك ممّا لا يحصى والظنّ يلحق الشّيء بالأعمّ الأغلب ويرد عليه أولا أنّه يعتبر في الغلبة إلحاق المشكوك فيه بالأفراد المستقرإ فيها بحسب جنسها أو نوعها أو صنفها بمعنى أن الاستقراء إذا فرض في أفراد جنس أو نوع أو صنف فلا بدّ من إلحاق المشكوك فيه بما وقع عليه الاستقراء فإذا استقرأنا أفراد صنف لا يصحّ إلحاق المشكوك فيه بأفراد صنف آخر وما نحن فيه من هذا القبيل لكون الأفراد المستقرإ فيها هنا من قبيل الشبهات الموضوعيّة دون الأحكام الكليّة بل لم نجد موردا من الأحكام الكليّة وقع الإجماع على اعتبار الاستصحاب فيه سوى أصالة عدم النّسخ الّذي لا يتعين كونه لأجل استصحاب العدم كما تقدّم عند شرح ما يتعلق ببيان محلّ النّزاع من حيث دخول الاستصحابات العدميّة فيه وعدمه وثانيا منع تحقق الغلبة حتّى في الشبهات الموضوعية إذ الموارد الّتي لم يعتبر الشّارع الاستصحاب فيها ليست بأقل من الموارد الّتي اعتبره فيها وإن شئت فلاحظ حكمه بالبناء على الأكثر في شكوك الصّلاة والبناء على الصّحة عند الشكّ في وقوع الفعل على وجه الصّحة أو الفساد والبناء على وقوع العمل المشكوك فيه عند الشكّ بعد الفراغ منه وكذا قد اعتبر يد المسلم وسوقه والبينة بل جميع الأمارات الشّرعيّة لكون جميعها في مقابل الأصول وحينئذ لا بدّ من الاقتصار على الموارد الّتي ثبت اعتبار الاستصحاب فيها بالإجماع من دون تعدّ عنها إلى موارد الخلاف فإن قلت إنّ اعتبار الأمارات في مقابل الاستصحاب يدل على كونه مرجعا عند عدمها لأنّها وإن كانت حاكمة عليه عند وجودها إلاّ أنّ اعتباره عند عدمها كاف في إثبات المدّعى قلت لا ينحصر الأصل في الاستصحاب ليكون هو المرجع عند فقد الأمارات لاحتمال كون المرجع هي أصالة البراءة أو الاحتياط وثالثا أنّ الموارد المستقرأ فيها من قبيل الشكّ في المانع فلا يثبت به تمام المدعى ورابعا أنه لا يتعين أن يكون اعتبار الشارع للاستصحاب في الموارد المستقرإ فيها من باب الظنّ ولو نوعا كما هو ظاهر المشهور لاحتمال كون اعتباره فيها من باب التعبّد (قوله) وإن أريد بقاء الأغلب إلى زمان الشكّ في بقاء المستصحب إلخ لا يخفى ما فيه من الإجمال واشتباه المراد إذ يحتمل أن يريد به بقاء أغلب الممكنات إلى زمان الشكّ في وجودها بأن يدعي أنا قد فتّشنا الأشياء المشكوكة البقاء فوجدنا بقاءها على الحالة الأولى ويؤيّده قوله إنا لا نعلم بقاء الأغلب إلى زمان الشكّ وحاصله دعوى عدم إمكان انكشاف الحال في كثير من المشكوكات أو أغلبها حتّى يدعى فيها الغلبة وكيف كان يرد عليه مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمهالله ما أشرنا إليه في الحاشية السّابقة ويحتمل أن يريد به بقاء أغلب الممكنات إلى زمان الشكّ في بقاء ما أريد استصحابه ويؤيّده قوله وبالجملة فمن الواضح إلى آخره ويرد عليه مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمهالله منع البقاء لانقضاء أكثر المخلوقات إلى زماننا هذا لوضوح عدم بقاء جميع ما خلق الله تعالى من بدو الخلقة إلى يومنا هذا(قوله) بقول مطلق إلخ أي مع قطع النّظر عن اتحاد الصّنف (قوله) لعدم الرّابط إلخ لاختلاف مقتضيات البقاء في أصناف الموجودات غاية الاختلاف وقد تقدّم وجه الحاجة إلى فرض الرّابط والجامع (قوله) نعم بعضها يشارك إلخ لتقاربها واتحاد صنفها(قوله) فإن المتطهر في الصّبح إلخ وكذا إذا أردنا استصحاب حياة زيد مثلا عند الشكّ في عروض المانع منها فلا بدّ من استقراء الأفراد المتحدة أو المتقاربة لها في العمر والمكان والأكل والشرب وقوّة المزاج وضعفه وغيرها مما له مدخل في الاستعداد للبقاء ودفع الموانع وكذا لا بدّ من ملاحظة المانع المشكوك فيه كمّا وكيفا وأن الغالب في الأفراد المستقرإ فيها البقاء مع عروض مثل هذا المانع أو الغالب فيها عدم عروض مثله لها لأنّ الأشخاص مختلفة فبعضهم يموت بمرض ولا يموت الآخر بمثله وكذا يهلك بعضهم بالسّقوط من سطح أو بحرج ولا يموت الآخر بمثله وكذا يتفق لبعضهم موانع عديدة ولا يتفق للآخر فلا بدّ من ملاحظة ذلك كلّه لئلاّ يحصل التغاير بين الفرد المشكوك فيه والأفراد المستقرإ فيها ومع ملاحظة اتحاد الصّنف أو النّوع يسقط الاستصحاب عن الاعتبار في كثير من موارده أو أكثرها فلا يتم تمام المدّعى لصيرورة الدليل أخصّ منه (قوله) فيما له مدخل إلخ بأن كان مزاج هذا المتطهر متحدا أو قريبا إلى مزاج أمثاله في الحرارة والبرودة وكذا في الأكل والشرب بأن لا يأكل هذا شيئا مدرّا دون الآخر وغير ذلك من الخصوصيات التي لها مدخل في بقاء الطهارة قلة وكثرة بحسب الزّمان (قوله) كطين الطريق إلخ إذا وقع شيء منه في الماء القليل (قوله) ومنها بناء العقلاء إلخ تحقيق المقام يحتاج إلى بيان المراد ببناء العقلاء أولا ثمّ بيان ما يتعلق بالدليل المذكور فنقول إنّ العلماء ربّما يتمسّكون في كتبهم الفقهية والأصولية تارة ببناء العرف وأخرى بالسّيرة وثالثة ببناء العقلاء ولهذه الأدلة الثلاثة جهة اشتراك من حيث الاتفاق على أمر وجهة امتياز من حيث إنّ اجتماع المتفقين إمّا من جهة اقتضاء فهمهم لذلك وإمّا من جهة تدينهم بدين وإمّا من جهة عقولهم والأوّل يسمى ببناء العرف مثل بنائهم على اعتبار الظّواهر ولا فرق فيه بين العقلاء والمجانين والأطفال والرّجال والنساء إذ ذلك كلّه ملغى من حيث ملاحظة جهة فهمهم وهذا القسم معتبر عند الأصحاب ويدلّ عليه قبل إجماعهم قوله سبحانه (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) ولكن القدر المسلّم من معقد إجماعهم اعتبار أصالة الحقيقة مطلقا سواء كانت حقيقة أوّلية كظهور الألفاظ في معانيها الحقيقيّة عند عدم القرينة على خلافها أم ثانويّة كظهورها في معانيها المجازية مع القرينة الصّارفة لأنّ لها أوضاعا نوعيّة فاحتمال وجود القرينة في الأول واحتمال وجود قرينة أخرى مخالفة للقرينة الموجود مدفوع ببنائهم على خلافه ولا اعتداد ببنائهم في غير مقام تعيين المرادات نعم قد ثبت إجماعهم على أصالة عدم الاشتراك والنقل عند احتمالهما ولكن لا دخل لذلك ببناء العرف فمورد هذا الدّليل مختص بظواهر الألفاظ والثّاني يسمّى بالسّيرة مثل استقرار طريقتهم على بيع المعاطاة لأنّ بناءهم على ذلك من جهة تدينهم بدين لا من جهة فهمهم أو عقلهم والدّليل على اعتباره كشف هذا البناء من مذهب رئيسهم كما ذكروه في الإجماع لأنّ كلّ