لا يصلح أن يكون مستندا لكونها للحال في ظن المتتبع وهو واضح فمع اشتباه الحال في ذلك لا بد لمن يعمل بالاستقراء والغلبة أن يعمّق النظر ويدقق الفكر في تمييز مواردهما عن موارد القياس لئلاّ يختلط بعضها ببعض لكون العمل به محظورا في الشّرع بالضّرورة حتّى عند القائلين بالظنون المطلقة بل هذه الفرقة هم المحتاجون إلى تمييز مواردهما عن موارد القياس لكون العمل بالغلبة والاستقراء محظورا عند القائلين بالظنون الخاصّة كغيرهما من الظنون غير المعتبرة فلا فرق عندهم بين هذه الأمارات والقياس في عدم جواز العمل بكلّ منهما ثم إن للغلبة مراتب مختلفة لأنّها قد تلاحظ في أفراد جنس قريب أو بعيد وقد تلاحظ في أفراد نوع من جنس وقد تلاحظ في أفراد صنف من نوع وقد تتفق أحكام هذه المراتب بأن يستقرأ أفراد الحيوان فيحكم على كلي هذه الأفراد بحكم أو صفة من جهة استقراء أغلب أفراده ثم يستقرأ أغلب أفراد الإنسان فيحكم على كليها بالحكم الذي قد حكم به على كلي الحيوان ثم يستقرأ صنف خاص من الإنسان فيحكم على كلّيه بالحكم المذكور أيضا وقد تختلف أحكامها بأن اقتضى استقراء أغلب أفراد الجنس حكما مخالفا لحكم استقراء أغلب أفراد نوعه أو صنفه ومع اختلافها يقدم حكم غلبة الصنف على حكم نوعه والنوع على جنسه وإذا تمهد هذه المقدّمة نقول إنك قد عرفت أنّ المعتبر في الغلبة أمران أحدهما وجود حكم أو وصف مشترك فيهما أغلب الأفراد وثانيهما الحكم على وجه الظنّ على الحكم الجامع بين الأفراد بهذا الحكم أو الوصف بأن يحكم بتحقق هذا الحكم أو الوصف عند تحقق هذا الكلي الجامع حتّى يلحق الفرد المشكوك فيه من هذا الكلي بالأفراد الغالبة وقد تقدّم سابقا أيضا عند شرح ما يتعلق بتحرير محل النزاع أنّ الشك في بقاء المستصحب إمّا من جهة المقتضي أو الرّافع أو الأمر مردّد بينهما وأنّ الأوّل منقسم إلى ثلاثة أقسام والثاني إلى ستة فلا بدّ في إثبات اعتبار الاستصحاب من باب غلبة استمرار الموجودات الممكنة القارة من تقريرها على وجه يجري في جميع الأقسام المذكورة بأن يدعى أنّ الغالب في الموجودات كما ادعاه السّيّد الصّدر أو فيها وفي خصوص أنواعها كما ادعاه المحقق القمي هو البقاء فيلحق المشكوك فيه بالأعمّ الأغلب فيثبت اعتبار الاستصحاب حينئذ بجميع أقسامه بالغلبة المفيدة للظنّ إلاّ أن المحقق المذكور قد لاحظها تارة في مطلق الموجودات الممكنة القارة كالسّيد الصّدر وأخرى في خصوص أنواعها واستند في إثبات الاستمرار في الجملة إلى الأولى وفي مقداره إلى الثانية وإذ حققت ذلك نقول إن الكلام يقع في مقامين أحدهما ما ادعاه شارح الوافية من الغلبة في مطلق الممكنات القارة والآخر ما ادعاه المحقق القمي رحمهالله من الغلبة في أفراد كلّ نوع أمّا الأوّل فلا يخلو إمّا يريد بالجامع المظنون العلية بين الأفراد الممكنة مطلق وجودها أو وجود استعداد خاصّ لكلّ واحد منها وعلى الأوّل إمّا أن يريد بالصّفة التي يدعي وجودها في أغلب الأفراد بقاء أغلب الأفراد أبد الآباد أو بقاءها في الجملة أو بقاءها على حسب استعدادها ويرد على الأوّل مع أنّه لم يدعه المستدل خلاف الوجدان وعلى الثّاني أنّه متيقن الوجود في مورد الشكّ كما أشار إليه المصنف رحمهالله وعلى الثالث ما سنشير إليه في الشق الثّاني مضافا إلى منع كون مطلق الوجود علة لبقاء الموجود على حسب استعداده وعلى الثّاني إمّا أن يريد بالصّفة بقاء الأغلب على حسب استعداداتها الخاصّة أو بقاءها إلى زمان الشكّ ويرد على الأوّل أولا أنا لا نعلم مقدار استعداد أغلب الممكنات لأن العلم به إمّا بإخبار من يحصل العلم بخبره وإمّا بملاحظة بقاء أغلب أفراد الممكنات بوجودها الخارجي على حسب استعداداتها المختلفة والأوّل مفروض العدم والثاني غير حاصل لعدم العلم غالبا بكون زوال الأفراد الغالبة الموجودة من جهة انقضاء استعداداتها أو من جهة عروض المانع بل ربّما يدعى أن الغالب هو الثّاني وثانيا أنّه لا يخلو إمّا أن يكون الشكّ في الفرد المشكوك فيه في مقدار استعداده أو في وجود المانع عن بقائه بحسب استعداده ويرد على الأوّل أنّ استعداد الممكنات مختلفة لا ضابط فيها ولا رابط بينها حتّى يظن بسبب ذلك بقاء استعداد الفرد المشكوك فيه سيّما في الأحكام الشّرعية بل مطلقا كما أشار إليه المصنف رحمهالله فيما أورده على المحقق القمي رحمهالله فيما كان الشكّ فيه في المقتضي وعلى الثّاني ما أورده المصنف رحمهالله على المحقق المذكور أيضا فيما كان الشكّ في الرافع وثالثا أن مرجع الغلبة المذكورة إلى دعوى بقاء أغلب الأفراد الممكنة القارة على حسب استعدادها من دون عروض مانع من بقائها على حسب استعدادها ليحصل الظنّ ببقاء مشكوك البقاء ويرد عليه أولا أنّه لا بد حينئذ أن يكون الشكّ في بقاء الفرد المشكوك فيه من حيث الرّافع دون المقتضي إذ الشكّ في البقاء إن كان ناشئا من الشك في المقتضي لم تكن الغلبة المذكورة مفيدة للظنّ ببقائه فتكون الغلبة المذكورة حينئذ دليلا على اعتبار الاستصحاب عند الشكّ في الرّافع دون المقتضي فلا يكون دليلا عليه مطلقا كما هو المدّعى والشك في بقاء الأحكام الكليّة غالبا إنّما هو من جهة الشكّ في المقتضي لكون الشكّ فيها غالبا في بعض قيود موضوعه كالشك في بقاء النجاسة بعد زوال التغير من قبل نفسه في مثال المتغير بالنجس والشك في بقاء التيمّم في مثال وجدان الماء في أثناء الصّلاة بناء على حصول الشكّ في كون عدم وجدانه مأخوذا في بقاء التيمّم وهكذا نعم الشكّ في بقاء الملكية والزّوجيّة والطّهارة ونحوها من قبيل الشكّ في الرّافع غالبا وعلى ما ذكرناه من الغلبة يبتنى ما أطلقه الأمين الأسترآبادي تبعا للمرتضى قدسسرهما في مقام نفي إفادة الاستصحاب للظن بالبقاء قال إنّ موضوع المسألة الثانية مقيّد بالحالة الطارية وموضوع المسألة الأولى مقيد بنقيض تلك الحالة فكيف يظن بقاء الأوّل وثانيا منع بقاء أغلب أفراد الممكنات القارة إلى منتهى استعداداتها إذ الغالب عروض المانع من بقائها إليه إذ الإنسان مثلا نوع من الممكنات الموجودة وقد ذكروا أنّ منتهى استعداد أفرادها مائة وعشرون سنة مع أنا نرى أنّه يشذّ من يتجاوز الثمانين أو التّسعين فضلا عن أن يبلغ مائة وعشرين وكذا سائر الأنواع الممكنات الموجودة ويرد على الثّاني ما أشار إليه المصنف رحمهالله من الوجهين مضافا إلى ما سنشير إليه وأمّا الثّاني فواضح ممّا ذكره المصنف رحمهالله ولا يحتاج إلى زيادة توضيح ثمّ إنّه قد تقرّر الغلبة بوجهين آخرين أحدهما أنا بعد أن فتشنا عن المشكوكات وجدناها باقية بوجودها الأوّل فإذا شكّ في وجود شيء في الزمان الثّاني يظن بقاؤه فيه إلحاقا بالأعمّ الأغلب وهذا الوجه يستفاد من كلام المصنف رحمهالله في بيان مراد شارح الوافية ويرد عليه مضافا إلى ما أورده عليه المصنف رحمهالله من الوجهين أنّه مع تسليم غلبة البقاء لا ريب أنّ ما وجدناه منقلبا عن حالته الأولى ممّا استظهرناه من المستصحبات المشكوكة من