الأشياء مشتركة في وصف من الأوصاف ولا أقلّ من الشيئية بل المراد به ما يعد
كونه جامعا بين الفرد المشكوك فيه والأفراد المستقرإ فيها في نظر العقل والعرف
وخرج بقولنا بحيث يظنّ الأفراد الّتي بينها جامع كلي ولكن لا يظن منه كونه علّة
لثبوت ذلك الحكم أو الوصف فيها كالإنسانية في أفراد الزنجي فإنّها لا يظن منها
كونها علة لثبوت السّواد وكذا الضحك والحساسية والحيوانية وغيرها من الكليّات
البعيدة أو القريبة لأن المراد بالكلي كلّي الأفراد المستقرإ فيها دون ما يشمل
غيرها أيضا لعدم حصول الظنّ في غيره ثمّ إنّه لا بدّ في اعتبار مشاركة الأفراد
المذكورة في صفة أو حكم كونها ثابتة فيها حين الشكّ في حكم ذلك الفرد المشكوك فيه
بأن كان تحقق المشاركة الثابتة بحكم تتبع تلك الأفراد مقارنا لحين الشك في حكم هذا
الفرد ليلحق هذا بها في الحكم الثابت لها حين الشكّ فيه إذ لو كان زمان التتبع
وتحقيق المشاركة في وقت وإلحاق المشكوك فيه بها في وقت آخر بحيث احتمل عدم بقائها
على تلك الصّفة لم يصحّ الحكم بالغلبة مثلا لو علمنا بأن أغلب أفراد الحبشي كانت
قبل ألف سنة أسود واحتملنا تغيّرها بسبب تغير مزاج الأمكنة لم يمكن إلحاق المشكوك
فيه بالفعل بالأفراد الغالبة المذكورة وبالجملة إنّه يعتبر في الغلبة أمران أحدهما
اشتراك أغلب الأفراد المستقرإ فيها في حكم أو صفة في زمان الشكّ وثانيهما وجود
جامع بينها يظنّ كونه هي العلّة في الحكم أو الصّفة الّتي اشترك فيها أغلب الأفراد
فعلا فالمراد بالغلبة أن يكون الأفراد المتتبع فيها المعلوم اتصافها بالصّفة
المعلومة أفرادا غالبة لذلك الكلّي الجامع على وجه لو وجد فرد منه على خلاف الصّفة
المفروضة لكان ذلك على وجه النّدرة والشّذوذ كما ظهر من أمثال غلبة السّواد على
أفراد الحبشي فإنّه لو فرض وجود فرد أبيض منها لكان على خلاف مقتضى الطّبيعة
الحبشيّة الّتي هي العلّة لثبوت تلك الصّفة ولا يكون ذلك إلا لمانع على خلاف
العادة المتعارفة ولكنّ الحكم مع ذلك في الغلبة ظنّي لعدم اشتراط التتبع التّام في
جميع الأفراد فحينئذ يحتمل عند العقل ولو على خلاف العادة المتعارفة وجود فرد أبيض
فلا يمكن له الحكم بكون هذا الفرد المشكوك فيه أسود إلاّ على سبيل الظنّ وأمّا
الاستقراء فهو على ما قيل عبارة عن تصفح الجزئيّات لإثبات حكم على كلي وهو على
قسمين تامّ وناقص والتامّ عبارة عن تصفح جميع الجزئيات مثلا لو أردنا الحكم بأنّ الحيوان
جسم استقرأنا جميع أفراده المفروض انحصارها في الإنسان والبقر والغنم والفرس مثلا
وحققنا أنّ كل واحد منها جسم فنقول إنّ الحيوان جسم بالاستقراء التّام وهو مفيد
للقطع والناقص عبارة عن تصفح بعض الجزئيات المندرجة تحت ذلك الكلّي وتحقيق كونها
على صفة مخصوصة بحيث يظنّ كون تلك الصّفة من لوازم ذلك الكلي فيحكم على جميع
جزئيّاته بذلك حكما ظنّيا حتّى الجزئي المشكوك في اتّصافه بتلك الصّفة ثمّ إن كانت
الأفراد المستقرأ فيها هي الأغلب كما في مثال الحبشي يصدق عليه تعريف الغلبة أيضا
فيتصادق الاستقراء والغلبة في هذا القسم وإن كانت هي أفراد معدودة ويستكشف بها عن
حال الكلّي كما إذا دخلنا في بلد ورأينا واحدا من أهله يتكلم بلسان مخصوص على لباس
مخصوص وهيئة مخصوصة ثمّ رأينا الآخر كذلك وكذلك الثالث والرّابع إلى خمسين مثلا
فإنّه يظنّ من ملاحظته هذه الأفراد بكون الانتساب إلى هذا البلد مقتضيا لهذه
الصّفة فنحكم بكون من لم نره منهم على هذه الصّفة حكما ظنّيا وهذا ليس من باب
الغلبة لما عرفت من كونها عبارة عن الحكم للجامع الكلي بحكم أن عتقه بواسطة كون
أغلب أفراد الكلّي مشتركا في هذا الحكم أو الصّفة بل هو داخل في الاستقراء لكونه
أعمّ من الغلبة نعم يمكن إدخاله تحت الغلبة بدعوى حصول الظنّ من ملاحظة بعض
الأفراد بكون أغلب الأفراد أيضا متّصفا بالصّفة الّتي وجد عليها البعض ومن حصول
الظنّ بكون الأغلب كذلك يحصل الظنّ بثبوت هذا الحكم أو الوصف الكلي الجامع لكنّه
تعسف مستغنى عنه لحصول الظنّ بمجرّد ملاحظة بعض الأفراد بثبوت الحكم أو الوصف
للكلي الجامع من دون حاجة إلى توسيط الظنّ بكون أغلب الأفراد مثل البعض الذي وجدنا
على الصّفة المذكورة فالاستقراء أعمّ من الغلبة مطلقا وكلاهما مشتركان في الحكم
على الكلّي بالجزئي وأمّا القياس فهو عبارة عن إثبات حكم جزئي لجزئي آخر بسبب
مشاركته إيّاه في علّة حكمه وقد يقال له التشبيه والتمثيل والمناسبة لمشابهة الفرع
بالأصل ومماثلته إيّاه ومناسبة ثبوت هذا الحكم له في نظر القائس وذلك كالنبيذ يقاس
على الخمر فيقال إنّه خمر في كونه مسكرا فهو حرام لوجود علّة حرمة الخمر الّتي هي
الإسكار فيه ومشاركته لها في تلك العلّة وكالذّرة فيقال إنّها ربوية لكونها كالبرّ
في كونها مكيلة وقوتا وبالجملة القياس هو الحكم من جزئي على جزئي من دون توسّط
الجامع الكلّي وإثبات الحكم له أوّلا ثمّ إثباته للفرد المشكوك فيه بواسطته فلا
يقال البرّ طعام وكلّ طعام ربوي فالذّرة أيضا طعام فلا بدّ أن تكون ربويّة وليس
إثبات الرّبوية في كلّ الطعام لينتقل منه إلى حكم الذّرة بل المراد إثبات
الرّبويّة فيها لوجود علّة ربويّة البرّ فيها وهي كونه مكيلا مثلا في نظر القائس
وإن ثبت عدم الرّبوية في جملة من أفراد المكيل بدليل آخر ولا يلزم على هذا ملاحظة
أكثر الأفراد فيه فالفرق بينه وبين الغلبة والاستقراء هو كون الانتقال فيهما إلى
حكم الكلّي من ملاحظة جزئيّاته أوّلا ثمّ الحكم للفرد المشكوك فيه بخلاف القياس
لأن الحكم فيه إنّما هو لجزئي بملاحظة جزئي آخر معلوم الحكم بمجرّد كونهما متحدين في
العلة مع أنّ العلة الجامعة بينهما يجوز أن تكون أمرا اعتباريّا جعليّا بخلاف
الغلبة والاستقراء لأنّ الجامع المظنون العلية فيهما لا بد أن يكون واقعيّا إذ لا
بد فيهما من حصول التتبع والاستقراء في جزئيات الكلي الواقعي كأفراد الحبشي على ما
تقدم فمن هنا يظهر أنه لو لم يكن في الأفراد المستقرإ فيها جامع حقيقي يظنّ كونه
علة للحكم بأن كان الجامع أمرا اعتباريا جعليّا وإن حصل الظنّ منه بكونه علّة
لثبوت الحكم كان ذلك قياسا محضا لا حكما بالغلبة والاستقراء وقد وقع الاشتباه في
ذلك لجماعة في جملة من المقامات كما استدلّ بعض على فورية الأمر بأن أغلب الألفاظ
الواقعة في مقام الإنشاء أو الإخبار كبعت واشتريت وغيرهما من ألفاظ العقود
والإيقاعات وكجملة زيد ضارب وعمرو مضروب ويضرب زيد ونحوها من الجمل الخبرية مفيدة
للحال فتلحق صيغة افعل بها أيضا إلحاقا بالأعمّ الأغلب وأجاب عنه صاحب المعالم
بكون ذلك قياسا في اللّغة لأنّك قست الأمر في إفادته الفور على غيره من الخبر
والإنشاء وبطلانه بخصوصه ظاهر انتهى وأنت خبير بأن المستدلّ قد تمسك بالغلبة وصاحب
المعالم قد أجابه بكونه قياسا والوجه فيه ما ذكرناه من كون الجامع في الغلبة
واقعيّا لا اعتباريّا وإلاّ فهو قياس محض والجامع بين الأمر وغيره من الجملات
الإخباريّة والإنشائيّة ليس بواقعي تستند إليه إفادتها للحال في ظن المتتبع حتّى
يستند إليه في إثبات إفادة الأمر للفور إذ ما يصلح أن يكون جامعا بينهما إمّا
كونها جملة أو ملفوظة وكلّ منهما