في ضمن جميع الأفراد فالنّفي إنّما يتوجه إلى الطبيعة التي وضعت اللاّم للإشارة إليها لا إلى ما هو لازم المراد كما يشهد به العرف لأنّ المفهوم من مثله عرفا عموم النّفي لا نفي العموم ولذا ترى أن التفتازاني مع قوله بكون المعرف باللاّم حقيقة في المعاني الثلاثة على نحو ما ذكرناه قد ارتضى ما حكاه عن صاحب الكشاف من حمل الجمع المعرف باللاّم الواقع في حيّز النّفي وغير الواقع فيه على العموم الأفرادي مثل قوله تعالى (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) وقوله تعالى (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) وقوله سبحانه (رَبِّ الْعالَمِينَ) والمفرد المعرف أولى بذلك وأمّا على القول بكون المفرد المعرف باللاّم على هيئة التركيبيّة موضوعا للاستغراق والعهد الخارجي والذّهني على سبيل الاشتراك اللفظي فنفيه على تقدير إرادة الاستغراق منه وإن استلزم نفي العموم إلاّ أنّ هذا قول نادر بل لم أتحقق هذا قولا لأحد إلاّ ما يدعى من إشعار بعض العبارات به وبالجملة إنّه فرق بيّن بحسب متفاهم العرف بين وقوع لفظ كلّ في حيّز النّفي ووقوع المفرد المعرف وسلب العموم إنّما يستفاد من الأوّل دون الثّاني وما وقع في كلمات بعض النحاة من أنّ اللاّم المراد بها الاستغراق هي ما يصلح قيام لفظ كل مقامها مبنيّ على المسامحة تقريبا للأفهام كيف لا ولو حمل على حقيقته لزمت منه صحّة قيام الاسم مقام الحرف وهو بيّن الفساد لاختلاف معناهما وكيف كان فقد ظهرت ممّا ذكرناه صحّة ما ادعيناه من ظهور قوله عليهالسلام لا ينقض اليقين بالشك في إفادة العموم من دون تمحل وتكلف مضافا إلى ما أشار إليه المحقّق القمي رحمهالله من التأييد كما عرفت وإلى ما أشار إليه المصنف رحمهالله من ظهور قرينة المقام والتّعليل أمّا الأوّل فإنّه لو حمل على إرادة نفي العموم صار المستفاد من قوله عليهالسلام لا ينقض اليقين بالشكّ عدم جواز نقض بعض أفراد اليقين ببعض أفراد الشكّ وهو لإجماله وإبهامه غير مفيد للسّائل ومناف لمقام البيان وأمّا الثّاني فإنّ المستفاد من قوله فإنّه على يقين من وضوئه بعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء أنّ العلّة هي نفس اليقين مطلقا لا في الجملة ولكنه ضعيف لما ستعرفه من أنّ العلّة هو اليقين المقيّد بالوضوء لا المجرّد عنه فالعلّة إنّما تقتضي العموم والتسرية في أفراد المقيد دون المطلق وهو لا ينافي حمل قوله لا ينقض اليقين بالشكّ على إرادة نفي العموم كما هو واضح وأمّا احتمال كون اللام في الموضعين أعني اليقين والشكّ للعهد الذّكري لسبق حكاية يقين الوضوء كما أشار إليه المصنف رحمهالله فستعرف ضعفه وإذا عرفت هذا نقول إن تقريب الاستدلال بوجهين أحدهما ما ذكره المصنف رحمهالله وغيره من أنّ قوله عليهالسلام فإنّه على يقين من وضوئه بمنزلة صغرى وقوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين بالشكّ بمنزلة كبرى كلية وإذا أتيتهما على هيئة الشّكل الأوّل تقول إنّه على يقين من وضوئه وكلّ من كان كذلك فهو لا ينقض اليقين بالشكّ فينتج عدم جواز نقض اليقين بالوضوء بالشكّ وعلى تقدير إهمال قيد الوضوء كما صرّح به المصنف رحمهالله قلت إنّه كان على يقين فشكّ في بقاء متيقّنه وكلّ من كان كذلك لا ينقض يقينه بالشكّ وقد حكي عن المصنف رحمهالله التّصريح بعدم الحاجة في ترتيب القضيتين إلى اعتبار كون العلّة نفس اليقين وتماميّة البرهان مع أخذ قيد الوضوء في الصّغرى فإن قلت على تقديره لا بد من أخذه في الكبرى أيضا على نحو ما قدّمناه ليتكرر الحدّ الوسط وحينئذ يكون اللاّم في قوله لا ينقض اليقين بالشكّ للعهد فلا يفيد اعتبار الاستصحاب مطلقا ولذا قد التجأ في المتن إلى إلغاء قيد الوضوء في العلّة قلت إنّ الكبرى للصّغرى المذكورة أعني قولنا إنّه كان على يقين من وضوئه حينئذ ليس قوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين بالشكّ بل قولنا كلّ من كان على يقين من وضوئه فهو لا ينقض يقينه بالشكّ وقوله عليهالسلام ولا ينقض اليقين بالشك دليل على إثبات هذه الكبرى وإن شئت في ترتيب القضيتين قلت الوضوء يقيني وكلّ يقيني لا ينقض بالشكّ وستقف على تتمة الكلام في ذلك وثانيهما ما ذكره في الضّوابط من التّمسّك بالعلّة المنصوصة أعني قوله فإنّه على يقين من وضوئه من دون حاجة إلى أخذ الكبرى من قوله عليهالسلام لا ينقض اليقين بالشكّ لأنّه بعد إهمال المحلّ في العلة أفادت كون اليقين السّابق مطلقا علة للحكم بالبقاء بتقريب أنّ المولى إذا قال لعبده لا تلبس هذا اللّباس لأنّه أسود أو لسواده يفهم منه مبغوضية كل لباس أسود له من دون مدخليّة المحلّ فيها نظير قول الطّبيب لا تأكل الرّمان لحموضته فإنّه يفيد عدم جواز أكل كلّ حامض وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء فيما نحن فيه أيضا يثبت كون العلّة في عدم جواز نقض اليقين بالشك هو مجرّد اليقين السّابق من دون اعتبار تعلّقه بالوضوء وفيه أولا أن العلّة المنصوصة إنّما تقتضي إلغاء المحلّ على حسب ما ثبت من الخصوصيّة في موردها والمحلّ فيما نحن فيه هو الشّخص الخاصّ وكونه على وضوء خاصّ الّذي هو مرجع الضّمير في قوله فإنّه على يقين من وضوئه والعلّة هي اليقين بالوضوء لا مطلق اليقين وبعد إلغاء خصوصيّة المحلّ يبقى عمومها بالنّسبة إلى أفراد اليقين بالوضوء لا غير كما أن العلّة في المثال الّذي ذكره على ما اعترف به كون اللّباس أسود والمحلّ هي خصوصيّة هذا اللّباس لا مطلق السّواد وإن تحقق في ضمن غير اللّباس أيضا فالعلة في الصّحيحة لا تقتضي عدم جواز نقض مطلق اليقين بمطلق الشكّ نعم مقتضاها عدم جواز نقض مطلق اليقين بالوضوء بمطلق الشكّ فيه فيثبت به قاعدة كلّية في باب الوضوء لا مطلقا وأمّا المثال الثّاني فلا دخل له فيما نحن فيه لأنّ المحلّ فيه مطلق الرّمان وبعد إلغائه تبقى علية مطلق الحموضة فلا يقاس عليه ما نحن فيه وثانيا أنّ مطلق اليقين لو كان علّة لعدم جواز نقضه بالشكّ كان قوله لا ينقض اليقين بالشكّ تكرارا محضا والعجب أنّه قد فرض قوله فإنّه على يقين من وضوئه بمنزلة صغرى وقوله لا ينقض اليقين بالشكّ بمنزلة كبرى كلّية ثمّ أورد على نفسه بأنّ اليقين في الكبرى لا بدّ أن يحمل على يقين الوضوء ليتكرر الحد الوسط وأجاب عنه أوّلا بأن ذلك يستلزم تكرار المطلب الواحد لأنّ هذا المعنى قد علم من قوله فإنّه على يقين من وضوئه فلا يحتاج إلى إعادته وثانيا بمنع عدم تكرّر الحدّ الوسط لأنّ التقدير حينئذ أن الوضوء يقيني وكل يقيني لا ينقض بالشكّ فالوضوء لا ينقض بالشكّ وفساد الجوابين غير خفيّ على المتأمل لأنّه مع الغض عن عدم تماميّة الأوّل مع الإغماض عن الثاني أنّه إذا حمل قوله فإنّه على يقين من وضوئه على إرادة علية مطلق اليقين لعدم جواز نقضه بالشّكّ كانت الصّغرى مساوية للكبرى في الكلّية إذ المستفاد منه حينئذ كون اليقين علّة لعدم جواز نقضه بالشكّ لا كون السّائل متيقنا بالوضوء حتّى يجعل كون وضوئه يقينا صغرى وعدم جواز نقض اليقين بالشكّ كبرى لها فعلى ما ذكره