ما كان الشكّ فيه في واقعيّة الشّيء من جهة إجمال ذلك الشيء وما كان الشكّ فيه في كون الشيء مصداقا للرّافع المبيّن مفهوما وما كان الشكّ فيه في كون الشيء رافعا مستقلا ولم يعتبر الاستصحاب فيما عدا القسم الأوّل استنادا إلى كون الباء في قوله لا ينقض اليقين بالشك للسّببيّة فيفيد حرمة النقض بسبب الشكّ وقال وذلك إنّما يعقل في القسم الأوّل من الأقسام الأربعة دون غيره ثم بيّن ذلك بما حاصله أنّ الشيء إنّما يستند إلى العلّة التّامّة أو الجزء الأخير منها واستناد نقض اليقين في الأقسام الثلاثة الأخيرة ليس إلى الشك بل إلى اليقين بوجود ما شكّ في كونه رافعا أو إلى اليقين بوجود ما يشكّ في استمرار الحكم معه فهو في الحقيقة نقض يقين بيقين آخر مثله لا بالشك لكون الشكّ في هذه الصّور حاصلا قبل حصول اليقين بوجود ما ذكر فلا يستند النقض إليه فلا تكون هذه الأقسام مشمولة للرّواية بخلاف القسم لأوّل لكون النقض فيه مستندا إلى نفس الشكّ وهذا كما ترى في غاية من الضّعف لأنّك قد عرفت أنّ الشبهة العارضة للسّائل في مورد الرّواية إنّما كانت ناشئة من عروض حالة يشكّ معها في تحقّق النّوم وهي حالة عدم إحساسه ما يحرك إلى جنبه ومع ذلك لم يعتبرها الإمام عليهالسلام وحكم بعدم نقض اليقين بالشّكّ فيظهر منه أنّ العلم بوجود ما هو منشأ الشّكّ لا يعتنى به في نقض اليقين السّابق بل المعتبر نقضه بنفس الشكّ فاليقين بوجود ما شكّ في كونه رافعا أو بوجود ما شكّ في استمرار الحكم معه لا يصير قادحا في شمول الرّواية للأقسام الثّلاثة الأخيرة ودلالتها على حرمة نقض اليقين بالشكّ فيها لصراحة الرّواية في عدم الاعتناء بوجود ما هو منشأ للشكّ وبالجملة إنّه لا إشكال في دلالتها على اعتبار الاستصحاب في الأقسام الأربعة كما هو واضح (قوله) محذوف قامت العلّة إلخ أي وإن لم يجئ من جانبه أمر بيّن فهو على وضوئه فإنّه إلخ فأقيمت العلّة مقام الجزاء لعدم استقامة جعل قوله فإنّه على يقين من وضوئه جواب الشّرط لأنّ الجزاء لا بدّ أن يرتبط بشرطه بمعنى ترتبه على وجود الشّرط لكون الشّرط علّة له وهنا ليس كذلك لأنّ عدم مجيء أمر بيّن من جانبه ليس علّة لحصول اليقين بالوضوء اللهمّ إلاّ أن يجعل قوله فإنّه على يقين من وضوئه جملة خبريّة في معنى الإنشاء والمعنى فليأخذ بيقين من وضوئه وهو تكلف مستغنى عنه ومن أمثلة إقامة العلّة مقام الجزاء مضافا إلى ما أشار إليه المصنف رحمهالله قوله سبحانه (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) وقوله عزوجل (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) وقوله تعالى (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) وقوله تعالى (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقوله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) إلى غير ذلك ومع شيوع هذا الاستعمال يظهر ضعف تجشم تكلّف جعل العلّة في الصحيحة جزاء غاية الظّهور(قوله) وبعد إهمال تقييد إلخ لعدم مدخليّة المحلّ في العلّة فكما أنّ الطّبيب إذا قال للمريض لا تأكل الرّمان لحموضته فالعلّة هي نفس الحموضة من دون مدخليّة التقييد بالرّمّان كذلك التقييد بالوضوء فيما نحن فيه ثمّ إنّ الاستدلال كما صرّح به المصنف رحمهالله مبني على تحقيق كون اللام في اليقين والشكّ في قوله عليهالسلام لا ينقض اليقين بالشك للجنس أو العهد فتقول إنّ لفظة لا في هذه الفقرة يحتمل النّفي والنّهي واللاّم في الموضعين ظاهر في الجنس فمن توجّه النّفي أو النّهي إلى الجنس يثبت العموم لكون الجنس المنفي مفيدا له بل هو أصرح من النّكرة المنفيّة مثل ليس في الدّار رجل لاحتمال كون المنفي فيه الوحدة المعنيّة في مقابل إثبات التثنية والجمع ولذا يصحّ في المثال بل رجلان أو رجال ولذا قالوا الجنس المنفي نص في العموم والنّكرة المنفيّة ظاهرة فيه والعموم كما عرفت مستفاد من توجّه النّفي إلى الطّبيعة لا من باب السّراية ولا دليل الحكمة حتّى يلتجأ في دفع الإشكال الوارد من جهة كون مقتضى نفي العام هو نفي العموم لا عموم النّفي كما أشار إليه المصنف رحمهالله إلى دعوى ورود هذا الكلام على خلاف القياس كما ارتكبه المحقّق القمي رحمهالله قال اليقين والشكّ في الحديث محمولان على العموم أمّا على ما اخترناه في محلّه من كون المفرد المحلّى باللاّم حقيقة في تعريف الجنس وجواز تعلّق الأحكام بالطبائع فواضح لعدم انفكاك الطبيعة عن الأفراد وأمّا على القول بالاشتراك أو عدم تعلّق الأحكام بالطّبائع فعدم القرينة على الفرد الخاص المعين واستلزام إرادة فرد ما الإغراء بالجهل يعيّن الحمل على الاستغراق ولا يرد عليه أنّه حينئذ من باب دفع الإيجاب الكلي لوقوعه في حيّز النفي لأنّه بعيد عن اللفظ وينفيه التّأكيد بقوله أبدا فيصير من باب إنّ الله لا يحبّ كل مختال فخور مع أنّ قوله لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ في قوّة الكبرى الكلّية لإثبات المطلوب يعيّن ذلك أيضا وجعل الكبرى منزلة على إرادة يقين الوضوء بعيد لإشعار قوله فإنّه على يقين من وضوئه على ذلك فتكون الكبرى حينئذ بمنزلة التكرار انتهى وفيه مع ما عرفت أنّه على تقدير حمل اللاّم على الجنس واستفادة العموم من باب السّراية أو دليل الحكمة نمنع كونه من باب رفع الإيجاب الكلّي للفرق الواضح بين وقوع لفظ كلّ في حيز النفي ووقوع المفرد المعرف فيه لأنّ النفي كما صرّح به علماء البيان إنّما يتوجّه إلى القيد الزّائد في الكلام فإذا قلت ما رأيت زيدا راكبا فالنّفي إنّما يفيد عدم الرّؤية في حال الرّكوب لا أصل الرّؤية وكذا العموم المستفاد من لفظ كلّ في مثل قوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) وقوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وقوله سبحانه (لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) لكونه قيدا زائدا في الكلام فالقياس أن يتوجه النّهي إليه فيفيد نفي العموم وهو لا ينافي ثبوت الحبّ في الجملة وجواز الإطاعة كذلك إلا أنهم قد حملوها على إرادة عموم النّهي لأجل وجود القرينة على ذلك فهو على خلاف القياس وخلاف ما يتفاهم منها عرفا بخلاف المفرد المعرّف باللاّم لأنه على القول بكونه حقيقة في الجنس ومجازا في الاستغراق إنّما يفيد تعريف الماهية والنفي الدّاخل عليه أيضا إنّما يفيد نفي الماهية المعينة من حيث هي لا من حيث تحققها في ضمن جميع أفرادها لأنّ العموم المستفاد من باب السّراية أو دليل الحكمة إنما استفيد من تعليق الحكم على الطّبيعة من باب الالتزام العقلي والنّفي إنّما يفيد سلب الحكم عن الطّبيعة من حيث هي لا باعتبار لازمها العقلي فالعموم حينئذ ليس قيدا زائدا في الكلام ليتوجّه النّفي إلى سلبه وكذا على القول بكون المفرد المعرّف حقيقة في الاستغراق لأنّ القائل به إنّما يقول بكون اللاّم موضوعة للإشارة إلى طبيعة مدخولها إلاّ أنّ الطبيعة تراد تارة من حيث هي وأخرى في ضمن فرد ما وثالثة في ضمن جميع الأفراد والموضوع له على كل تقدير هي الطبيعة فيكون مشتركا معنويّا بين هذه المعاني وحينئذ يكون العموم الاستغراقي من لوازم تحقق الطبيعة في ضمن جميع أفرادها لا معنى وضعيّا له بالخصوص فإذا وقع المفرد المعرف في حيز النّفي أو النّهي وأريد به نفي الطبيعة