مثل قول الشافعيّة في الخارج من غير السبيلين إنّه كان قبل خروج الخارج متطهرا والأصل البقاء حتّى يثبت معارض والأصل عدمه انتهى وقال التفتازاني قوله فلا يثبت به حكم شرعي كأنّه يشير إلى أنّ خلاف الحنفيّة في إثبات الحكم الشّرعي دون النّفي الأصلي وهذا ما يقولون إنّه حجّة في الدفع لا في الإثبات حتّى أن حياة المفقود بالإثبات يصلح حجة لبقاء ملكه لا لإثبات الملك به في مال مورثه انتهى وما استفاده من كلام شارح المختصر لا يخلو من نظر لأن قوله فلا يثبت به حكم شرعي يحتمل وجوها أحدها ما فهمه شارح الشّرح وثانيها أن يكون إشارة إلى أنّ الاستصحاب الوجودي لا يثبت به حكم شرعي من جهة لزوم تعارضه بمثله لأن الأصل عدم ما يترتب عليه من اللّوازم مثل أنّ استصحاب حياة زيد لإثبات انتقال مال مورثه إليه معارض باستصحاب عدم الانتقال بناء على عدم تقدّم الأصل في الشكّ السببي عليه في الشك المسبّب كما يظهر من المحقّق القمي رحمهالله حيث حكم بالتّعارض بينهما كما سيجيء في محلّه وثالثها أن يكون إشارة إلى عدم الاستصحاب بنفسه مطلقا سواء كان وجوديّا أم عدميّا مثبتا لحكم شرعي بناء على عدم اقتضاء استصحاب الطّهارة لعدم ناقضية المذي واستصحاب حياة المفقود لانتقال مال مورثه إليه نظير ما ذكره المحقّق القمي رحمهالله في أوّل مسألة البراءة قال الحاصل أنّ نفس البراءة الثابتة لا يمكن أن تصير من الأدلة الشّرعيّة بمعنى أن تثبت حكما شرعيّا فينسب عدم الوجوب وعدم الحرمة من جهتها إلى الشّارع فيقال حكم الشّارع في المتنازع هو نفي الحرمة مثلا في الواقع أو في ظننا إذ غاية الأمر حينئذ عدم ثبوت حكم الشّارع بالحرمة مثلا أمّا نفيه فلا انتهى بل نقول إن هذا الوجه لعله هو الذي فهمه المحقّق المذكور من كلام شارح المختصر لأنّه في مبحث الصّحيح والأعمّ في مقام الاعتراض على من أورد على القول بصحّة تعيين الماهية بالأصل بأنّه إنّما يتم إذا جاز العمل بالاستصحاب حتّى في نفس الحكم الشّرعي قال إنّه مع أنّ المحقّق في محلّه كما سيجيء إن شاء الله تعالى حجّية الاستصحاب مطلقا أنّ مرادهم من عدم حجيته في نفس الحكم الشرعي أن يكون الاستصحاب مثبتا لنفس الحكم مثل أن يقال إن المذي غير ناقض للوضوء مثلا لاستصحاب الطهارة السّابقة فاستصحاب الطّهارة هو المثبت لعدم كون المذي ناقضا وأصل العدم منفردا لا يثبت به الماهية بل هي بضميمة سائر الأدلّة المبنية لها كما لا يخفى انتهى ولا دلالة لكلام شارح المختصر على خصوص أحد الوجوه المذكورة إن لم يكن أحد الوجهين الأخيرين أظهر نعم قول شارح الشرح وهذا ما يقولون إلى آخره صريح في حكاية التّفصيل بين الوجودي والعدمي عن الحنفية ولعلّه لما ذكرناه أسند المصنف رحمهالله الحكاية إلى شارح الشّرح دون شارح المختصر لكن الإنصاف أن نسبته لعدم ثبوت حكم شرعي بالاستصحاب إلى الحنفية وتصريحه بعدم الفرق بين الوجودي والعدمي على قول المثبت خاصة لا يخلو من ظهور في نسبة التفصيل إلى الحنفية (قوله) والظاهر بل صريح جماعة إلخ اعلم أنّه لا إشكال في دخول الأحكام الكلية في محلّ النّزاع وأمّا الموضوعات الصرفة فالبحث هنا عن الاستصحاب الجاري فيها وإن كان خارجا من محلّ البحث موضوعا لدخوله في المسائل الفقهية كما صرّح به المصنف رحمهالله في الأمر الخامس فلا بدّ أن يكون البحث عنه هنا استطراديا إلا أنّ المقصود هنا بيان محلّ الوفاق والخلاف من أقسامه مطلقا وربّما يظهر من الأمين الأسترآبادي في فوائده المدنية عدم الخلاف في اعتباره في الموضوعات مطلقا سواء كانت من الأحكام الجزئية أو الموضوعات الصّرفة بل يظهر منه كونه من ضروريّات الدين قال اعلم أن للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الكل بل أقول اعتبارهما من ضروريّات الدّين ثمّ مثّل لإحداهما باستصحاب عدم النسخ وللأخرى باستصحاب ملكية أرض وزوجية امرأة وعبدية رجل وبقاء الوضوء وطهارة الثوب ونجاسته وكون اللّيل والنّهار باقيين وكون ذمّة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف إلى أن نقطع بوجود شيء جعله الشّارع سببا لنقض تلك الأمور وأشار المصنف رحمهالله إلى ضعفه وبتصريح جماعة بوقوع الخلاف فيها وناهيك ضعفا بإنكار المرتضى رضي الله عنه للاستصحاب مطلقا حتّى في الموضوعات الصرفة قال في الذريعة وقد ثبت في العقول أن من شاهد زيدا في الدّار ثمّ غاب عنه أنّه لم يحسن أن يعتقد استمرار كونه في الدّار إلا بدليل متجدد ولا يجوز استصحاب الحال الأولى وصار كونه في الدار في الثّاني وقد زال الرّؤية بمنزلة كون عمرو فيها مع فقد الرّؤية إلى أن قال بمثل ذلك نجيب من قال فيجب أن لا يقطع بخبر من أخبرنا عن مكة وما يجري مجراها من البلدان على استمرار وجودها وذلك أنّه لا بدّ في القطع على الاستمرار من دليل إما عادة أو ما يقوم مقامها ولذلك كان يجوز انتقاض العادات في كل الأحوال يجوز من ذلك ما لا يجوز من غيره ممن يمنع من ذلك ولو كان البلد الذي أخبرنا عنه على ساحل البحر لجواز زواله بغلبة البحر عليه إلاّ أن يمنع من ذلك خبر متواتر فالدّليل على ذلك كله لا بدّ منه انتهى وما تقدّم من كلام الوحيد البهبهاني عند شرح قول المصنف رحمهالله بملاحظة ما ذكره قبل ذلك إلى آخره صريح في ذلك أيضا وكذا جملة أدلتهم للنّفي كما لا يخفى ثمّ إنّه يظهر من الأمين الأسترآبادي أيضا خروج استصحاب عدم النّسخ الّذي هو من قبيل استصحاب الأحكام الكليّة من محلّ النّزاع بل كونه من ضروريات الدّين وهو أيضا لا يخلو من منع لأن أصحاب النّبي صلىاللهعليهوآله وإن كانوا مجمعين على البناء على عدم النسخ عند الشكّ فيه إلاّ أنّه لم يظهر منهم كون ذلك من جهة استصحاب بقاء الحكم وعدم نسخه لأنّ العمل من حيث كونه من قبيل الأفعال لا ظهور له في الجهة الّتي وقع عليها ومن هنا كان الإجماع العملي الّذي يسمّى بالإجماع التقييدي غير معتبر ما لم تعلم جهة العمل الّتي وقع عليها وحينئذ نقول إن الحكم الكلي الّذي احتمل نسخه إمّا أن يكون عليه دليل لفظي مبيّن أو لا وعلى الأوّل إمّا أن يكون للدّليل الدّال عليه عموم زمانّي يدل على بقائه إلى الأبد أو لا وعلى الأوّل لا إشكال في أنّ البناء على عدم النسخ عند احتماله لأجل العمل بظاهر العموم ما لم تظهر قرينة التخصيص والعمل بأصالة عدم القرينة لا يتعين أن يكون لأجل الاستصحاب كما نبهنا عليه عند شرح قول المصنف رحمهالله نعم قد يتحقق في بعض الموارد إلى آخره وعلى الثّاني إمّا أن نقول بإفادة الخطاب لعموم الأزمان بحسب إطلاق الأحوال أو لا ولا إشكال على الأوّل أيضا وأمّا الثّاني فهو في حكم القسم الثالث أعني ما ثبت بدليل لبّي أو لفظي مجمل من حيث إفادة ثبوت الحكم إلى الأبد والبناء على عدم النّسخ حينئذ يحتمل أن يكون إمّا لاستقرار طريقة الشّارع على إرادة دوام الحكم ما دامت الشّريعة باقية نظرا إلى حصول العلم العادي بعدم النّسخ عند عدم وصول البيان منه لقضاء العادة بوصوله لو كان لأجل عدم وجود دواعي الاختفاء وإمّا لقاعدة الاشتغال لكون التديّن بأحكام الشّرع من حيث الاقتضاء والتخيير واجبا على كلّ مكلّف وبالجملة لم يظهر في شيء من هذه الموارد كون البناء على عدم النّسخ لأجل استصحابه (قوله) الحكم الشرعي يراد به إلخ قد يعرف الشرعي تارة بما من شأنه أن يؤخذ من الشّارع وأخرى بما بيّنه الشّارع وكلّ منهما فاسد