إذ لا ريب في اختصاص العمل بها بالمجتهد ولاحظ للمقلّد فيها أيضا مضافا إلى إمكان دعوى اختصاص العمل بالاستصحاب الجاري في الشبهات الموضوعية بالمجتهد مع تصريح المصنف رحمهالله في آخر كلامه بكون الاستصحاب الجاري فيها من المسائل الفقهية لأنّ تمييز موارد جريانه من جهة إحراز بقاء الموضوع ومعرفة موارد تعارضه والحاكم والمحكوم منهما وما يجب العمل فيه بكل منهما وما يحكم فيه بالتعارض من الأمور المشكلة لمن لم يعط ملكة قدسيّة فكيف يطلق القول بجواز عمل المقلد بالاستصحاب في الشبهات الموضوعية بالتقليد اللهمّ إلاّ أن يفرض المقلد ممن حصّل حظّا من العلم يتمكن معه من معرفة ذلك كلّه وكان تمييزه للموارد مطابقا لاعتقاد مجتهده وهو كما ترى إن وجد ففي غاية النّدرة بل وإن فرض وجوده كان مثله مجتهدا غالبا يحرم تقليده لغيره قال المصنف رحمهالله في آخر هذه المسألة بعد بيان تعارض الاستصحابين وأقسامه وأحكامه فعليك بالتأمّل في موارد اجتماع يقينين سابقين مع العلم الإجمالي من عقل أو شرع أو غيرهما بارتفاع أحدهما وبقاء الآخر والعلماء وإن كان ظاهرهم الاتفاق على عدم وجوب الفحص في أجزاء الأصول في الشّبهات الموضوعيّة ولازمه جواز إجراء المقلّد لها بعد أخذ فتوى جواز الأخذ بها من المجتهد إلاّ أنّ تشخيص موارد سلامتها عن الأصول الحاكمة عليها ليس وظيفة كلّ أحد فلا بدّ إمّا من قدرة المقلد على تشخيص الحاكم من الأصول على غيره منها وإمّا من أخذ خصوصيات الأصول السّليمة عن الحاكم من المجتهد وإلا فربما يلتفت إلى الاستصحاب المحكوم من دون التفات إلى الاستصحاب الحاكم وهذا يرجع في الحقيقة إلى تشخيص الحكم الشّرعي نظير تشخيص حجيّة أصل الاستصحاب وعدمها انتهى (قوله) قلت جميع المسائل إلخ حاصله أن اختصاص العمل بالمسائل الأصولية بالمجتهد ليس من جهة أخذ الاجتهاد في موضوعها بل من جهة عدم تحقق موضوعها وعدم اجتماع شرائط العمل بها إلا في المجتهد بخلاف المسائل الفقهية (قوله) وقد جعل بعض السّادة إلخ هو العلامة الطّباطبائي في فوائده قال استصحاب الحكم المخالف في شيء دليل شرعي رافع لحكم الأصل مخصّص لعمومات الحلّ كاستصحاب حكم العنب فإن الأصل قد انتقض فيه بالإجماع والنصوص الدّالة على تحريمه بالغليان وعمومات الكتاب والسّنة قد تخصّصت بهما قطعا وحينئذ فينعكس الأصل في الزبيب ويكون الحكم فيه بقاء التحريم الثّابت له قبل الزبيبية بمقتضى الاستصحاب فلا يرتفع إلاّ مع العلم بزواله والخاص وإن كان استصحابا مقدّم على العام وإن كان كتابا كما حقق في محلّه وأمّا استصحاب الحلّ فغايته الحلية بالفعل وهي لا تنافي التحريم بالقوة والحلّ المنجز يرتفع بحصول شرائط التحريم المعلق فإن قيل مرجع الاستصحاب إلى ما ورد في النّصوص من عدم جواز نقض اليقين بالشكّ وهذا عام لا خاص قلنا الاستصحاب في كلّ شيء ليس إلا بقاء الحكم الثابت له وهذا المعنى خاصّ بذلك الشيء لا يتعداه إلى غيره وعدم نقض اليقين بالشّك وإن كان عاما إلاّ أنه واقع في طريق الاستصحاب وليس نفس الاستصحاب المستدلّ به والعبرة في العموم والخصوص بنفس الأدلّة لا بنفس أدلة الأدلة وإلا لزم أن لا يوجد في الأدلة الشّرعية دليل خاص أصلا إذ كل دليل ينتهي إلى أدلة عامة هي دليل حجيته وليس عموم قولهم لا تنقض اليقين بالشّكّ بالقياس إلى أفراد الاستصحاب وجزئيّاته إلاّ كعموم قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) بالقياس إلى آحاد الأخبار المرويّة وكما أن ذلك لا ينافي كون الخبر خاصّا إذا اختصّ مورده بشيء فكذا هذا ثمّ استشهد بجملة من كلمات العلماء وقال ولو لا أنّ الاستصحاب دليل خاص يجب تقديمه على الأصل والعمومات لم يصحّ شيء من ذلك وهذا من نفائس المباحث فاحتفظه انتهى ومحلّ النّظر في كلامه غير خفي على الناظر فيه (قوله) أقول معنى الاستصحاب الجزئي إلخ حاصله أن قياس دليل الاستصحاب على دليل أخبار الآحاد قياس مع الفارق لأنّ آية النبإ لا تشمل بنفسها مؤديات الأخبار الآحاد فلا بدّ أن تكون الأخبار واسطة في إثبات مؤدياتها فيقال هذا ممّا دلّ عليه خبر الواحد وكلّ ما هو كذلك فهو ثابت شرعا لآية النّبإ بخلاف قاعدة الاستصحاب لأنّها ليست شيئا مغايرا لمؤدّى قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشك فهذا الخبر بنفسه دليل على إثبات مؤدّاه في موارده الجزئية من دون توسّط شيء آخر وأنت خبير بما فيه لأنّ هنا أمورا ثلاثة أحدها وجوب البناء على الحالة السّابقة وحرمة نقضها بغير يقين والثّاني الحكم في الموضوع الخاصّ ببقاء الحكم السّابق فيه بملاحظة ثبوته فيه سابقا مع الشكّ في بقائه بحيث يكون مناط الحكم بالبقاء هو الشكّ في بقاء ما كان مثل الحكم ببقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيّره من قبل نفسه بملاحظة الشكّ في بقاء النجاسة السّابقة منه والثالث هو الحكم باتصاف الموضوع المذكور بما كان متصفا به سابقا كالحكم بنجاسة الماء المفروض والأوّل هو مفاد القاعدة المستفادة من قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله والثّاني هو معنى الاستصحاب الجزئي والثّالث هو الحكم الشّرعي المرتب على الاستصحاب الجزئي لا يقال إنّ هذا الحكم الشرعي هو عين الاستصحاب الجزئي وليس مرتبا عليه لأنا نقول إن الاستصحاب الجزئي هو الحكم بنجاسة الماء المتغير مثلا إذا زال تغيره من قبل نفسه بلحاظ كونه متغيرا في السّابق على أن تكون هذه الملاحظة علة لحكم الحاكم والحكم الشرعي المتفرّع عليه هو البناء في مقام الظّاهر على نجاسة الماء المذكور مع قطع النظر عن الملاحظة المزبورة وهذا هو الّذي يفتي به المقلد ويشترك هو والمجتهد في العمل به والأوّل هو الّذي يختصّ العمل به بالمجتهد إذ لا اعتداد لشك المقلد وملاحظته فيه ومن هنا يظهر ضعف قياسه على سائر القواعد الشّرعيّة إذ الحكم الشّرعي المرتب عليها ليس إلاّ مواردها الجزئية بخلاف ما نحن فيه ولذا قلنا بكون الاستصحاب الجاري في الأحكام الكليّة من المسائل الأصوليّة التي يختص العمل بها بالمجتهد فلو كان الحكم الشّرعي هو نفس الاستصحاب الجزئي فلا بدّ أن يكون العمل به مشتركا بين المجتهد والمقلد وليس كذلك ويحتمل أن يكون مراد بعض السّادة أنّ اليقين بوجود شيء ثم الشكّ في بقائه أمارة نوعيّة على بقائه وأن قوله عليهالسلام لا تنقض اليقين بالشك وارد في مقام إثبات اعتبار هذه الأمارة فيكون الخبر حينئذ دليلا على الدّليل لا محالة وهذا غير بعيد بناء على تحديد المحقق القمي رحمهالله كما تقدّم سابقا(قوله) في اعتبار سائر الأمارات إلخ يعني من باب الظنّ النّوعي الحاصل من الغلبة (قوله) هو مجرّد عدم العلم إلخ لأن جملة من الأخبار الآتية ناصّة بعدم جواز نقض اليقين إلاّ بيقين مثله وأخرى بعدم جواز نقضه بالشكّ والشكّ لغة أعمّ من الظنّ فيشمل الظنّ بلا خلاف ففي القول باعتباره من باب الأخبار لا مناص من القول باعتباره مطلقا حتّى مع الظنّ بالخلاف (قوله) وأمّا على القول بكونه من باب إلخ يظهر منه أنّ القول باعتبار الاستصحاب من باب العقل منحصر في قولين أحدهما اعتباره من باب الظنّ النّوعي وهو الظّاهر من الأكثر والآخر اعتباره من باب الظنّ الشّخصي وهو الظّاهر ممّا نقله عن الجماعة وأمّا