الاستصحاب لأنّ العلّة في حكم العقل فيه هو العلم بثبوت الحكم أو عدمه أوّلا في مورد الشكّ في بقائه وقولنا لكونه متيقنا وإن كان مخرجا للقاعدتين إلا أن قولنا بلحاظ كونه متيقنا أصرح منه وفي إخراج القاعدتين من تعريف المحقّق القمي نوع غموض اللهمّ إلاّ أن يعتبر قيد الحيثيّة فيه ولكنّه إنما يفيد في الاحتراز عن قاعدة البراءة دون الاشتغال كما يظهر بالتأمّل فيما قدّمناه وقد تلخص أنّ المعتبر في موضوع الاستصحاب هو اجتماع اليقين بوجود شيء أو عدمه مع الشّكّ في استمراره بأن يشكّ في بقائه مع العلم بوجوده سابقا ولا يرد عليه شيء من الإيرادات السّابقة والآتية(قوله) وأزيف التعاريف إلخ هذا التعريف للمحقّق القمي رحمهالله ويرد عليه مضافا إلى ما ذكره وما قدمناه في الحاشية السّابقة وجوه من الإشكال أحدها استدراك قيد الآن السّابق واللاّحق إذ لو قال هو حكم أو وصف يقيني الحصول مشكوك البقاء كان كافيا لدلالة الشّك في البقاء على اختلاف زمان المتيقن والمشكوك فيه وتوضيحه أنّ الطرفين إن كانا متعلقين باليقين والشكّ كانا مخلّين بالحدّ لعدم دلالته حينئذ على تأخّر المشكوك فيه عن المتيقن كما هو المعتبر في الاستصحاب إذ غاية ما يدلّ عليه حينئذ هو تأخّر زمان الشّك عن زمان اليقين وإن كانا متعلقين بالحصول والبقاء كانا مستدركين لكفاية قيد الشّك في البقاء على ما عرفت وثانيها أن ظاهر أخذ الزّمان في الحدّ كونه من مقومات ماهية الاستصحاب وليس كذلك لأنّه من مقارنات المستصحب وذلك لأنّا لو فرضنا وجود شيء في زمان وفرض بعده انقطاع الزّمان الحاصل من حركة الأفلاك صحّ استصحابه إلى ما بعده وكذا لو فرض وجود شيء قبل خلق الزّمان صحّ استصحابه إلى هذا الزّمان فالمعتبر تقدّم المتيقن على المشكوك وجودا والتقدم زمانا من مقارناته ولعلّ هذا هو الّذي أوقع المحقّق القمي رحمهالله وغيره في هذه الشبهة فجعلوا الزّمان من جملة مقوماته وثالثها استدراك قيدي الحكم والوصف لأنّ المراد بالحكم إن كان ثبوت المحمول للموضوع كما صرّح به المحقق المذكور في تعريف الفقه يلغو قيد الوصف لاعتبار تقدّم ثبوت المستصحب لموضوعه في جميع موارد الاستصحاب سواء كان المستصحب من الأحكام أو الموضوعات الخارجة فيقال في استصحاب الكرية مثلا إن هذا الماء كان كرّا وهكذا تقول في كل ما يرد عليك وإن كان هو الحكم الشرعي أعم من التكليفي والوضعي وحينئذ فإن كان المراد بالوصف معناه الحقيقي أعني العوارض الوجوديّة التي تسمّى في العرف أوصافا في مقابل الأفعال لا ينعكس الحد لعدم شموله لاستصحاب العدم واستصحاب الأفعال واستصحاب الحقائق عند الشكّ في تبدلها إلى حقيقة أخرى وإن كان المراد به مطلق الأعراض القائمة بالموضوع فمع كونه مجازا لا يرتكب مثله في الحدود من دون قرينة وعدم شموله لاستصحاب العدم أنه يلغو حينئذ قيد الحكم لشمول الأعراض للأحكام أيضا ورابعها عدم شموله لاستصحاب العدم مع تقسيمه للاستصحاب في مقام تعيين محلّ النّزاع إلى وجودي وعدمي ولعل السّر فيه اقتداؤه بالسّلف لعدم تعرضهم للعدمي منه ولعلّ الوجه فيه كون حجيّة العدمي منه مفروغا منها عندهم وإن وقع البحث عنه أيضا في كلام بعض المتأخرين كما سيجيء هذا ولكن الأولى تحديده بما يعم جميع أفراد المحدود ثمّ التعرّض لبيان ما وقع فيه النّزاع (قوله) كون حكم أو وصف إلخ الظاهر أنّ مراده بالحكم الأمور الشّرعية مطلقا وبالوصف الأمور الخارجة مثل رطوبة الثوب وكرية الماء وحياة زيد ونحوها ولذا عطفه بالترديد وقد تقدّم ما فيه ويظهر منه كون اعتبار الاستصحاب عند القوم من باب الظنّ بالبقاء لأنّه بعد تحديد الاستصحاب بما نقله عنه المصنف رحمهالله قال والمراد بالمشكوك أعم من المتساوي الطّرفين ليشمل المظنون البقاء وغيره وإن كان مراد القوم من الشكّ هنا هو الاحتمال المرجوح في الواقع لأنّ بناءهم في الحجيّة على حصول الظنّ ونحن إنما عممنا الشّك لأنا لا ننقض إلاّ بيقين بسبب الأخبار الآتية فلا يضرنا تساوي الطرفين بل كون البقاء مرجوحا أيضا انتهى (قوله) ويمكن توجيه التّعريف إلخ هنا وجه آخر وذلك بأن كان المعرف بالفتح وهو الاستصحاب مصدرا للمبني للمفعول أي كونه مستصحبا مثل العدل بمعنى كونه معدولا لا أن يكون مصدرا بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ليكون تعريضا لمصدر المبني للمفعول وكانت لفظة كون فيه تامّة بمعنى الثبوت والوجود وقوله يقيني الحصول في الآن السّابق مشكوك البقاء صفة للحكم والوصف وقوله في الآن اللاّحق متعلّقا بالكون ومحصّل المعنى أن كون الحال مستصحبا هو ثبوت الحكم أو الوصف متصفا بما ذكر في الآن اللاّحق ولا ريب أنّ ثبوت الحكم في الآن اللاّحق متّصفا بكونه يقيني الحصول في الآن السّابق مشكوك البقاء هو معنى كونه مستصحبا ولما كان المصدر باعتبار الوقوع والإيقاع مختلفا بحسب الاعتبار كالوجود والإيجاد أورد المحقق المذكور تعريفه بحسب الوقوع لينتقل الذّهن إلى تعريفه بحسب الإيقاع دلالة باللازم على الملزوم تشريحا للأذهان لأنّ الاستصحاب إذا اعتبر بحسب الوقوع يكون مصدرا من المبني للمفعول ويصير بمعنى كونه مستصحبا فيعرف حينئذ بما عرفه المحقق المذكور وإذا لوحظ بحسب الإيقاع يكون مصدرا من المبني للفاعل ويصير بمعنى الحكم بالبقاء ويعرف حينئذ بأنّه الحكم ببقاء ما كان يقيني الحصول في السّابق مشكوك البقاء في اللاحق ولكنك خبير بما في هذا التّوجيه من تكلف لا يرتكب مثله في الحدود وهنا توجيه ثالث بناء على كون مراده بالشّك في الحدّ هو الاحتمال المرجوح كما ادّعاه في كلام القوم على ما عرفته في الحاشية السّابقة وكذا مراد المشهور بتعريفه بإبقاء ما كان على ما كان هو الظنّ ببقاء ما كان يقيني الحصول وذلك بأن يقال إنّ التغاير بين كون شيء مظنونا وبين الظنّ به إنّما هو بالاعتبار كضرب زيد وكونه مضروبا وإيجاب فعل ووجوبه وإيجاد شيء وكونه موجودا ومرجع ما ذكره المحقّق القمي من التعريف إلى كون الشيء مظنونا بعد كونه متيقنا فيرجع إلى تعريف المشهور وفيه ما لا يخفى فإن مقتضى تعريف المشهور هو كون الاستصحاب عبارة عن الحكم بالبقاء على وجه الظنّ لا نفس الظنّ بالبقاء(قوله) ليس إلاّ كونه إلخ بخلاف تعريف القوم بأنّه إبقاء ما كان على ما كان لأن الإبقاء فعل المكلف وهو ليس موصلا إلى حكم في الآن اللاّحق بل الموصل إليه ظنا هو ما ذكره (قوله) لكن فيه أن الاستصحاب إلخ يرد عليه مضافا إلى ما ذكره أنّه مخالف للأصل من وجهين أحدهما أنّ الأصل في نقل لفظ من معنى إلى آخر أن يكون النقل من كلي إلى بعض أفراده لا من أحد المتباينين إلى الآخر لقلّته حتّى يكاد يلحق بالمعدومات ولا شك أن تعريف الاستصحاب بما عرفه المحقّق القمي رحمهالله مستلزم للنقل المرجوح للمباينة بينه وبين المعنى اللغوي والحمل على الرّاجح أولى لكن يدفعه اشتراك هذا الإيراد بينه وبين تعريف المشهور كما قدّمناه في بعض الحواشي المتقدّمة وثانيهما أن الأصل في المشتقات هو اشتراك المشتق مع المشتق منه في المعنى الأصلي مثل ضرب وضرب ويضرب وضارب