كما تقدّم في الصّورة الثّانية وهذا أيضا مراد المصنف رحمهالله بمنع التّعارض في هذه الصّورة لأنّ مجرّد منعه لا يقتضي تقديم جانب الجار إلاّ بتحكيم عموم نفي الضرر على عموم السّلطنة اللهمّ إلاّ أن يكون المستند فيه رواية سمرة لأنّ ظاهرها عدم الجواز مع قصد الإضرار وإن قلنا بتحكيم عموم السّلطنة على عموم نفي الضّرر لكن يرد عليه أن ظاهرها وإن كان ذلك إلاّ أنّ إطلاقها سيّما بملاحظة موردها يشمل صورة ترتب منفعة على تصرّف المالك أيضا فلا وجه حينئذ لتخصيص الحكم بعدم الجواز بصورة عدم ترتبها عليه وكيف كان يدلّ على المدّعى أيضا ظاهر الإجماع لأنّ الفقهاء وإن لم يعنونوا الكلام في المقام بحسب الحكم التكليفي لأنّهم إنّما تعرضوا لحكمه الوضعي إلاّ أنّه يمكن استظهاره من إجماعهم على حكمه الوضعي أعني الضّمان بواسطة ما ستعرفه من الملازمة بين الحكمين ولعلّه من هنا قد ادعى المحقق القمي فيما حكي عنه في الفقه الإجماع على الحرمة هنا وحاصل ما حكي عنه هو نفي الخلاف عن جواز تصرّف المالك وعدم ضمانه فيما لم يكن تصرّفه زائدا على قدر الحاجة مع عدم العلم والظنّ بتضرّر الجار به وكذا عن الحرمة والضّمان فيما كان تصرّفه زائدا على قدر الحاجة مع العلم أو الظن بتضرر الجار به ويحتمل الحكم بالجواز هنا أيضا بعد منع القطع بتحقق الإجماع المذكور لما عرفت من ابتنائه على دعوى الملازمة المذكورة لا على إفتائهم بالحرمة بخصوصها إمّا لدعوى حكومة قاعدة السلطنة على قاعدة الضّرر وإمّا لدعوى أخصية الأولى من الثانية كما تقدّم في الصّورة الثانية إلاّ أن الأقوى هو عدم الجواز لظاهر الإجماع وما تقدّم في الصّورة الثّانية من حكومة قاعدة الضّرر على عموم السّلطنة ولكنّا حيثما قلنا بالجواز مع تضرّر الجار به فهو مشروط بأمور أحدها أن لا يكون تضرّر الجار بالنفس والعرض أو بمال لا يتحمّل به ويستأصل به وهذا مستفاد من الشّرع لأنّ الشّارع أمر بحفظ نفوس النّاس وأعراضهم وأموالهم في الجملة ورفع عنهم الأحكام الضّرورية والعسر والحرج منة فكيف يرضى بإدخال هذا الضّرر على الجار لأجل مراعاة حال المالك وعدم منعه من التّصرف لأجل جلب منفعة أو دفع مضرّة يسيرة وثانيها أن لا يكون تضرّر الجار بمباشرة من المالك بأن يصدق عليه كونه متلفا لشيء من أموال الجار ويسند إليه الفعل حقيقة بحسب العرف كما إذا أرسل الماء الكثير إلى ملكه دفعة واحدة فتعدى إلى ملك الغير بحيث لم يقدر على دفعه فخرب ملك الغير به إذ لا ريب أنّ التخريب حينئذ إنّما يسند إلى المالك عرفا وإن كان هو في الحقيقة موجدا للسّبب لا مباشرا للفعل ومع صدق الإتلاف يحرم التّصرف ويضمن ما أضرّ بالجار لأدلة الإتلاف المصرحة بالحكمين وثالثها أن لا يكون المالك قاصدا بتصرّفه إضرار الجار وإلاّ حرم تصرّفه مطلقا سواء كان مع قصده الإضرار قاصدا لجلب منفعة أو دفع مضرة أم لا وسواء كان ضرر الجار كثيرا أم يسيرا وربّما يستدلّ عليه بقوله صلىاللهعليهوآله في قصّة سمرة إنّك رجل مضارّ والأولى أن يستدلّ عليه بقول النبي صلىاللهعليهوآله المروي عن دعائم الإسلام ليس لأحد أن يفتح كوة في جداره لينظر إلى شيء من داخل جاره فإن فتح للضّياء فوقع يرى له منه لم يمنع من ذلك فإنّه بإطلاقه يدل على حرمة الإضرار مع القصد إليه ولو مع تضمن جلب منفعة أو دفع مضرة أيضا بخلاف قصّة سمرة لعدم تعلّق غرضه إلاّ بالإضرار بالأنصاري وأمّا المقام الثاني فاعلم أنّك قد عرفت في المقام الأوّل أنّ الأقوى هو جواز التّصرف فيما عدا الصّورة الأخيرة من الصور الأربع والأقوى فيما عداها أيضا عدم الضّمان لوجوه أحدها الإجماع على عدم ضمان المالك على ضرر الجار إذا كان مأذونا في التّصرف وما حكي عن الشّهيد من القول بالضّمان في باب الغصب لعلّه مبني على القول بعدم الجواز وثانيها أنّ الرّخصة المطلقة من الشّارع في فعل بمعنى عدم حكمه فيه بالضّمان لا يتعقبها ضمان ويستفاد من كلمات الأصحاب كون هذه الملازمة مسلمة عندهم ومفروغا منها بينهم منها ما حكي عن المحقق في نكت النّهاية من ضمان الزّوج دية الزوجة إذا دخل بها عنفا فماتت بعده ثم قال إنه كان مأذونا فيه من قبل الشّارع فلا يتعقبه الضمان وأجاب بعدم ثبوت الإذن من الشّارع في الدّخول بها بهذا النّحو ودلالة كلامه على المدّعى واضحة ومنها إفتاء جمع من الأصحاب بأن ولي الدّم إذا ضرب الجاني الّذي أراد الاقتصاص منه وتركه ظانّا بموته واتفق أنّه لم يمت به وبريء من الجناية فإن كان قد ضربه بما يسوغ الاقتصاص به شرعا من الأسلحة وآلات الضّرب يجوز له قتله ثانيا وليس للجاني أن يقتص من الجاني بما جنى به بقصد القصاص واتفق عدم موته به وإن ضربه بغير ما يسوغ الاقتصاص به شرعا بأن ضربه بالحجارة أو الخشب مثلا فللجاني المضروب أن يقتص من ولي الدّم أولا بمثل ما جنى به أولا ثمّ يقتله ولي الدّم وعلّل ذلك بالإذن من الشّارع في الاقتصاص بما سوّغ الشّارع الاقتصاص به فلا يتعقبه ضمان بخلاف الثّاني ومنها ما عن المفيد وسلاّر والعلاّمة والشهيدين والفاضل المقداد والمقدس الأردبيلي قدس الله أسرارهم من أنّ رجلا لو أحدث في الطّريق ما أباحه الله تعالى له فوقع فيه غيره فتلف لا يضمن معلّلين بما تقدّم ومنها ما في الشّرائع من أنّه لو حفر بئرا في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين بأن يشربوا من مائه فيما لم يكن في قربه ماء فوقع فيه غيره فمات قيل لا يضمن وهو حسن لأن الحفر كان سائغا فلا يتعقبه الضّمان وهو محسن ولا سبيل عليه ومنها ما ذكره غير واحد من أنّه لو أخرج أحد الشركاء ميزابه إلى الطريق المرفوع فإن أصابت الغير به جناية فإن كان قد أخرجه بإذن من الشركاء لم يضمن وإلاّ ضمن لأنّ الإخراج إذا كان بإذنهم فهو مأذون فيه من قبل الشّارع فلا يتعقبه ضمان بخلاف ما لو لم يكن بإذنهم والمستفاد من هذه الكلمات التسالم على الملازمة المذكورة فتجعل هذه أصلا في كل مقام إلاّ ما أخرجه الدّليل فلا ينافيها ثبوت الضمان في بعض الموارد مع ثبوت الإذن فيه كالطّبيب والبيطار ومعلّم الأطفال لثبوت الضّمان فيما حدث بخطائهم مع كونهم مأذونين من قبل الشّارع بل علاج الأمراض وتعليم الأطفال واجبان كفاية مع أن لنا أن نقول بخروج هذه الموارد من محل الكلام لأنّ محلّ البحث كما تقدّم عند بيان شروط الحكم بجواز تصرّف المالك إنّما هو ما لم يصدق فيه الإتلاف والمباشرة عرفا وإلاّ فأدلة الإتلاف كافية في إثبات الضّمان ولا ريب في صدق الإتلاف على ما يحدث بخطإ من ذكر لأنّ ذلك في المعلّم والبيطار واضح وأمّا الطّبيب فالمسلم من ضمانه إنّما هي في صورة مباشرة المعالج لا مع تعليم طريق العلاج للمرضى وترتيب الأدوية وما يناسب المزاج من الأغذية من دون مباشرة أصلا كما هو المتعارف بين الأطبّاء في أمثال هذا الزّمان وثالثها أنا قد استظهرنا فيما أسلفناه ورود قوله صلىاللهعليهوآله النّاس مسلّطون على أموالهم في مقام رفع الضّرر والضيق عن أرباب الأملاك بمنع التّصرف في أملاكهم ولا ريب أن ترتب الضّمان على تصرّفاتهم ضيق وضرر عليهم فإثبات الضمان عليهم مناف للغرض ورابعها أن الظاهر من عموم السّلطنة هي السّلطنة