طريقة النّاس في جميع الأعصار والأصقاع والملل والأديان وإمضاء لطريقتهم وليس واردا في مقام إنشاء جواز تصرّف أرباب الأملاك فيها وقد تقدّم في بعض الحواشي السّابقة ورود قوله صلىاللهعليهوآله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام في مقام نفي الأحكام الضّرريّة فإذا فرض كون جواز تصرّف أرباب الأملاك فيها ثابتا من باب إمضاء الشّارع لطريقة النّاس فلا يشمله نفي الأحكام الضّرريّة فيثبت جواز التّصرّف وإن استلزم تضرّر الجار فإن قلت إنّ قوله صلىاللهعليهوآله لا ضرر ولا ضرار كما ينفي الأحكام الضررية كذلك ينفي إمضاء الشّارع لما فيه ضرر على العباد ولذا لو لم تكن أحكام الملل السّابقة منسوخة في شرعنا وكان بعضها متضمنا للضّرر على العباد ينفي بقاعدة نفي الضّرر مضافا إلى استقرار سيرة الأصحاب على خلاف ما ذكرت لأنّهم قد استندوا في خيار العيب والغبن وكذا في إثبات الشّفعة إلى قاعدة الضّرر مع مخالفتها لقاعدة السّلطنة لأنّ تسلّط ذي الخيار والشّفيع على فسخ العقد ونزع المال من يد صاحبه مناف لعموم السّلطنة الثّابتة بوقوع العقد صحيحا وقد تقدّم سابقا في أخبار نفي الضّرر استناد الصّادق عليهالسلام إلى القاعدة في إثبات الشفعة مع أن قصّة سمرة أيضا شاهد صدق للمدعى قلت أمّا ما ذكرته أولا ففيه أنّك قد عرفت أنّ قوله صلىاللهعليهوآله النّاس مسلّطون على أموالهم وارد في مقام إمضاء طريقة العقلاء وعموم قاعدة الضّرر حينئذ وإن صلح لتخصيص عموم السّلطنة إلاّ أنّ عموم الثانية من حيث نظره إلى إمضاء عموم تصرفات ذوي الأموال الّتي من جملة أفرادها المتداولة تضرر الجار بتصرفهم مبيّن للمراد بالأولى ومخصّص لها بغير موارد تصرّف ذوي الأموال في أموالهم وما يوضح ذلك أنّ قوله عليهالسلام النّاس مسلّطون على أموالهم وارد في مقام رفع الضّرر عن المالك بحجره عن التّصرف في ملكه لكون حجره عنه ضررا عليه فهو من حيث وروده في مقام رفع الضّرر عن المالك آب عن التخصيص وأمّا ما ذكرته ثانيا من استقرار طريقة الأصحاب على تقديم قاعدة الضّرر على قاعدة السّلطنة في جملة من الموارد ففيه أنّ حكمهم بالخيار أو الشّفعة لقاعدة الضّرر ليس لأجل حكومتها على عموم السّلطنة بل هي سليمة من معارضته هنا بالخصوص لأنّ الضّرر الحاصل في البيع المغبون فيه إنما نشأ من لزوم العقد الّذي هو سبب لسلطنة المشتري في المبيع وقاعدة نفي الضّرر إنما تحكم على وجوب الوفاء بالعقود فانتفاء سلطنة المشتري حينئذ إنّما هو لأجل انتفاء سببها الّذي هو لزوم العقد لا أنّ السّلطنة باقية وقاعدة الضّرر حاكمة على عمومها فالمعارضة والحكومة في الحقيقة إنما هما بين قاعدة الضّرر وقاعدة وجوب الوفاء لا قاعدة السّلطنة بل لا معارضة مع الحكومة ومنه يظهر الكلام في الشفعة أيضا وأمّا ما ذكرته ثالثا من قصة سمرة فالجواب عنه يظهر بعد بيان مقدّمة وهي أنّ عموم قاعدة السّلطنة إنّما هو بحسب أفراد التّصرف لا بحسب كيفياته أيضا فهي تدلّ على جواز جعل المال وجه مصالحة أو صداقا في النكاح وكذا على جواز بيعه أو هبته أو إتلافه وهكذا وأمّا دلالتها على جواز نقل المال بالعقد الفارسي أو المعاطاة فلا عموم لها من هذه الجهة وبالجملة أنها منساقة لبيان أنحاء التّصرفات لا لبيان كيفيّاتها من حيث كيفيّة السّبب النّاقل وغيره ولذا قلنا بعدم جواز التمسّك بها في مسألة المعاطاة لإثبات صحّتها فإذا وقع التّصرّف في المال على جهة الحرمة فقاعدة السّلطنة لا تعارض الدّليل الدّال على حرمة هذا التّصرف وكذا إذا وقع على جهة الإضرار بالغير فلا تعارض قاعدة نفي الضّرر لما عرفت من سكوتها عن جهات التّصرف وكيفيّاته وإذا عرفت هذا نقول إنّ تصرّف سمرة في عذقه ومروره به كان على جهة الإضرار بالأنصاري لدخوله عليه من دون استئذان منه واطلاعه عليه وعلى أهله على حالة لا يحبّ أن يطلع عليه على هذه الحالة كما يظهر من الرّوايات الواردة في قصّته لأن تصرّفه بنفسه كان مستلزما لتضرر الأنصاري نظير تضرّر الجار يجعل الدّار مدبغة أو مطبخة فأمر النّبي صلىاللهعليهوآله بقلع العذق إنّما كان لأجل كون تصرّف سمرة على كيفية مستلزمة لتضرّر الأنصاري لا لأجل استلزام تصرّفه بنفسه لتضرّره حتّى يقال إنّ تصرّفه كان ثابتا بعموم السّلطنة فتقديم عموم نفي الضّرر عليه يكشف عن حكومته عليه هذا ومع تسليم كون قوله صلىاللهعليهوآله النّاس مسلّطون على أموالهم واردا في مقام إنشاء جواز التّصرف لا إمضاء طريقة النّاس يمكن أن يقال إنّه وارد في مقام رفع تضرّر المالك بترك التّصرّف في ملكه بناء على كون حجر المالك عن التّصرف في ملكه ضررا عليه فيكون هذا الخبر حينئذ أخصّ مطلقا من عموم قوله صلىاللهعليهوآله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام فيخصّص به ولكن مع ذلك كلّه يمكن أن يقال بحكومة قاعدة الضّرر على عموم السّلطنة كما هو واضح في غير ما نحن فيه كما إذا أكل على التخمة إذ لا يمكن أن يقال بجواز الأكل حينئذ لعموم السّلطنة وليس هو إلا لحكومة قاعدة الضّرر عليه كذلك فيما نحن فيه أيضا فيما فرض عدم كون ترك المالك للتّصرّف ضررا عليه كما لو لم يتعلق به غرض ولم يكن محتاجا إليه ولم ينتفع بهذا التّصرف انتفاعا معتدا به فإذا فرض كون مثل هذا التصرف مستلزما للضّرر على الجار حكم بعدم جوازه كما سيجيء وليس هذا أيضا إلاّ لحكومة قاعدة الضّرر على عموم السّلطنة اللهمّ إلاّ أن يقال كما يظهر من المصنف رحمهالله هنا إن منع المالك عن التّصرف في محلّ الفرض ضرر عليه فإذا استلزم تصرّفه ضرر الجار تعارض ضررهما فيرجع بعد تساقطهما إلى عموم السّلطنة وقيل إلى عموم نفي الحرج لكون منع المالك من التّصرف في ملكه ضيقا عليه ولا أقل من الرّجوع إلى أصالة الإباحة ومع التّسليم نقول إنّه قد تقدّم في بعض الحواشي السّابقة أنّ عموم نفي الضّرر موهون بورود كثرة التخصيص عليه فلا يجوز العمل به في مورد إلاّ بعد انجبار وهنه بعمل العلماء فيه وقد تقدّم أنّ المشهور في المقام جواز تصرّف المالك وإن تضرر الجار به وأمّا عدم جواز الأكل على التخمة فهو لوجوب دفع الضّرر المظنون عقلا لا للحكومة المذكورة وأمّا الثّالثة فالأقوى فيها أيضا هو الجواز لعين ما تقدّم في الصّورة الثّانية بل هنا أولى لأنا وإن سلمنا عدم كون منع المالك من التصرّف إذا كان تصرّفه لمجرد جلب المنفعة ضررا وضيقا عليه إلاّ أنّ الفرض هنا كون ترك تصرّفه مستلزما لتضرّره زائدا على الضّرر الحاصل بمجرّد المنع منه مضافا إلى أن تضرّره بترك التصرّف هنا ربّما يبلغ حدّ الضّرورة فيشمله ما دلّ على تحليل الحرام لمن اضطرّ إليه مثل قوله عليهالسلام ما من شيء حرّمه الله إلاّ وقد حلّله لمن اضطرّ إليه وأمّا الرّابعة أعني صورة عدم تعلق غرض المالك في التّصرف بجلب منفعة أو دفع مضرّة بأن كان تصرّفه لغوا محضا مع عدم قصد الإضرار فيمكن أن يقال فيها بعدم جواز التّصرف لعموم نفي الضّرر وقد عرفت في الصّورة الثّانية حكومته على عموم السّلطنة إمّا مطلقا أو في خصوص هذه الصّورة ولا ريب في عدم صدق تضرّر المالك بترك التّصرف هنا حتّى يقال بتعارض ضرره مع ضرر الجار والرّجوع إلى عموم السّلطنة والجرح أو أصالة الإباحة