الشّرعيّة موكول إلى العقل وملاحظة كيفية سلوك العبيد مع الموالي في إطاعة تكاليفهم وممّا يؤكد ما ذكرناه من عدم تصرّف الشّارع في موضوع الإطاعة والمعصية وحكمهما أنّ مولى حكيما إذا أمر عبده بفعل ولم يأمر بإطاعته ولم ينه عن مخالفته ولم يبيّن له كيفيّة إطاعته لم يكن مقصّرا في بيان التّكليف عند العقل والعقلاء ولو لم يتعرض العبد لامتثال أمره لا يبقى له مجال للعذر بأنّه لم يأمرني بإطاعته أو أنّه لم يبيّن لي كيفيّة إطاعته وليس ذلك إلاّ لكون كيفيّة الإطاعة ووجوبها ثابتتين عند العقل بل لو نهاه المولى عن إطاعته مع عدم نسخه لأمره عدّ ذلك منه قبيحا ومناقضا لما أراده وممّا ذكرناه ظهر الوجه أيضا في الفرق بين الشّكّ في شرائط امتثال التّكاليف الشّرعيّة وبين الشّكّ في شرائط المأمور به وأجزائه حيث إنّ الأوّل مورد لقاعدة الاحتياط والثّاني لقاعدة البراءة ووجه الفرق أن مبني البراءة على قبح التّكليف بلا بيان وهو لا يتأتى فيما هو موكول إلى طريقة العقلاء على ما عرفت وهذا الّذي ذكرناه من كون كيفيّة الإطاعة وحكمها موكولتين إلى العقل وطريقة العقلاء الّذي هو مبني الفرق بين شرائط الامتثال وشرائط المأمور به قد جرينا فيه على مذاق المصنف حيث إنّ ظاهره هنا كون كيفيّة الإطاعة موكولة إلى العرف وقد صرّح بالفرق بين الشّرائط في أواخر مسألة البراءة عند التعرّض لبطلان عبارة تارك طريقي الاجتهاد والتّقليد والّذي يقتضيه النّظر القاصر أنّ حكم الإطاعة كما تقدّم عقلي غير تابع لجعل الشّارع بل غير قابل له وأمّا موضوع الإطاعة فهو وإن كان موكولا إلى طريقة العقلاء أيضا كما هو واضح ولا يلزم منه قبح على الشّارع كما يظهر من ملاحظة ما تقدّم من المثال إلاّ أنّه قابل للتّصرف فيه بازدياد بعض الشّرائط والقيود فيه وذلك أنّ الشّارع إذا أمر بالصّلاة مثلا فلا ريب أنّ امتثال هذا الأمر يحصل عرفا بالإتيان بها على ما بيّنه الشّارع من أجزائها وشرائطها ولكن للشّارع أن لا يقنع بهذا الامتثال بأن يشترط فيه قيدا زائدا كقصد وجه الفعل مثلا كما هو المشهور وهو من شرائط الامتثال دون الأمر أو المأمور به لتأخره عن الأمر بل هو متفرع عليه فلا يمكن أخذه قيدا له وما هو متأخّر عنه لا يعقل قيدا للمأمور به أيضا لتقدّم قيود المأمور به على الأمر كما هو واضح ولا يلزم منه قبح على الشّارع فالتحقيق حينئذ هو التّفصيل بين شرائط الامتثال بأنّ الشّرط إن كان ممّا يعتبر في الامتثال عرفا بأن كان من الشّرائط العرفيّة كاشتراط عدم تكرار العمل في الإطاعة الإجماليّة لعدم صدقها عرفا مع الاحتياط المحوج إلى تكرار العمل كثيرا بحيث يعدّ العبد معه لاعبا بأمر مولاه إذا تمكّن من تحصيل العلم بالإطاعة التّفصيليّة فالشّكّ في اعتبار مثل هذا الشّرط مورد لقاعدة الاحتياط لفرض كون إحراز مثل هذا الشّرط نفيا أو إثباتا موكولا إلى العرف ولا مسرح لقاعدة البراءة هنا كما أشرنا إليه ولا لإطلاق الأوامر فإنّه بإطلاق الأمر لا يمكن إحراز كيفيّة امتثاله بل حصول امتثاله تابع لصدقه عرفا بالنّسبة إلى ما يعتبر فيه عرفا وإن كان مما يعتبر في الامتثال شرعا كقصد الوجه على ما عرفت فإن اعتباره على تقديره شرعيّ لا عرفي لعدم توقّف صدق الامتثال عرفا عليه يقينا فمع الشكّ في اشتراط مثل ذلك شرعا في الاعتداد على الامتثال العرفي يمكن نفيه بأصالة البراءة إذ لا فرق في القيود التعبّديّة بين كونها قيدا للامتثال أو للمأمور به في حكم العقل بقبح التّكليف بها بلا بيان والحاصل أنّ الشّرائط على أقسام فبعضها شرط للأمر وبعض آخر لامتثاله وثالث للمأمور به والأصل في الأوّل هو الاشتراط في وجه يظهر من المصنف في بعض مباحث البراءة والإطلاق في وجه آخر قويّ كما تقرّر في محلّه وفي الثّاني هو التّفصيل بما عرفت وفي الثّالث هو الإطلاق بقول واحد من القائلين بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط وإذا تمهّد هذا فنقول إنّ الكلام في الاقتصار على الموافقة الإجماليّة في العبادات يقع في مقامين أحدهما أن لا يتمكن من تحصيل العلم التّفصيلي بالموافقة ولا الظن بها خاصا كان أو مطلقا ولا إشكال في كفايتها فإنّ ذلك أقصى ما يمكن من إطاعة التّكليف المعلوم تفصيلا أو إجمالا فإذا كان له ثوبان اشتبه طاهرهما بمتنجّسهما يجوز له الصّلاة فيهما مكرّرا لها وكذا لو اشتبهت عليه القبلة في الجهات الأربع أو الثّلاث مثلا يجوز له تكرار الصّلاة إلى جهات الاشتباه وهكذا خلافا لما حكاه المصنف رحمهالله عن الحلي في الثّوبين المشتبهين حيث حكم بوجوب الصّلاة حينئذ عريانا والّذي يمكن أن يستدل به عليه أمران أحدهما أنّ الواجب عليه صلاة واحدة فالاحتياط بتكريرها تشريع وفيه مع مخالفته لما يظهر منه من تمسّكه بقاعدة الاحتياط في إثبات الأحكام في كثير من الموارد أنّ الاحتياط مضادّ للتّشريع فإنّه إدخال ما ليس من الدين أو شكّ في كونه من الدّين في الدّين بقصد أنّه من الدّين والاحتياط هو الإتيان بما يحتمل كونه من الدّين بداعي احتمال كونه منه تحصيلا للواقع وثانيهما اعتبار نيّة الوجه في العبادات فقصد كون المأتي به واجبا معتبر في حصول امتثال الأمر بالصّلاة وهو غير حاصل مع الاحتياط بتكرير الصّلاة إذ حين العمل يحتمل كون المأتي به غير واجب لاحتمال كون الواجب ما أتى به سابقا أو يريد الإتيان به لاحقا وغاية ما يترتب على فعله بعد الفراغ منهما هو القطع بحصول الواجب في ضمنهما وهو أمر وراء نيّة الوجه حين العمل وفيه أولا المنع من اعتبار قصد الوجه لحصول الامتثال بدونه عرفا ولا دليل عليه شرعا إن لم يكن دليل على خلافه كما ستعرفه مع أنّ الأصل عدمه بالتّقريب الّذي تقدم فالّذي يعتبر في العبادة قصد القربة المتحقّق بالإتيان بها بقصد كونها مطلوبة وراجحة شرعا وإن لم يقصد خصوص وجهها من الوجوب أو الاستحباب ومع التّسليم فإنّما يسلم مع التّمكّن من تحصيل العلم التّفصيلي بالموافقة لا في مثل ما نحن فيه وثانيا أنّه قد يقال بإمكان قصد الوجه في المقام فإنه عبارة عن الإتيان بالفعل على طبق ما اقتضاه الدليل من وجوبه أو استحبابه ولا فرق في ذلك بين الأدلة الاجتهادية والأصول فحيث اقتضت قاعدة الاحتياط وجوب كل من الفعلين فأتى بهما المكلف مقارنين بقصد