تفصيلا وبإكرام شخصين أحدهما زيد فليس المقصود منه دوران الأمر بينهما في صورة اجتماعهما لعدم معقوليّتها إذ العلم بأنّ هذا الشّخص زيد وأنّه واجب الإكرام لا يجتمع مع العلم الإجمالي بأنّ أحد هذين الشّخصين زيد وأنه واجب الإكرام لارتفاع الإجمال بالتّفصيل بخلاف صورة دوران الأمر بين الظنّ التّفصيلي بالموافقة خاصّا كان أو مطلقا وبين العلم الإجمالي لإمكان اجتماعهما إذ يمكن حصول العلم إجمالا بأنّ أحد هذين الشّخصين زيد مع الظّنّ الحاصل من البيّنة أو غيرها بأنّ أحدهما بالخصوص زيد والحاصل أنّ المقصود من جواز الاجتزاء بالموافقة الإجماليّة في الصّورة الأولى جواز ترك تحصيل العلم التّفصيلي بها ابتداء وفي الصّورة الثّانية أعمّ من ذلك أعني جواز ترك تحصيل الظنّ التّفصيلي خاصّا أو مطلقا بها ومن جواز ترك الظّنّ الفعلي بها وإذا عرفت ذلك فاعلم أنّك قد عرفت أنّ الكلام في المقام الثّاني أيضا يقع في مقامين فتارة في المعاملات بالمعنى الأعمّ وأخرى في العبادات بالمعنى الأخصّ والمصنف رحمهالله قد حكم بأنّ مقتضى القاعدة في المقامين جواز الاقتصار في الامتثال على العلم الإجمالي بإتيان المكلّف به وأنّ ذلك في المقام الأوّل في غاية الوضوح من دون فرق بين أقسامه والوجه فيه أنّ غرض الشّارع في الواجبات التوصّلية هو مجرّد مطابقة العمل للواقع والفرض حصول هذا الغرض مع الاحتياط وترك تحصيل العلم التّفصيلي بالموافقة وكذلك مع ترك الظنّ التّفصيلي خاصّا كان أو مطلقا بل بطريق أولى كما تقدّم والشّبهات الّتي يمكن توهّم كونها مانعة من جواز الاحتياط في العبادات كما ستجيء في كلام المصنف رحمهالله وسنشير إلى ما يتعلّق بها غير جارية هنا ولذا حكم المصنف رحمهالله بكون الأمر هنا في غاية الوضوح فإذا علم إجمالا أنّ صيغة النّكاح شيء واحد وهو إمّا لفظ التّزويج متعدّيا إلى المفعول الثّاني بنفسه أو بالباء وإمّا لفظ النّكاح متعدّيا إلى المفعول الثّاني أيضا بنفسه أو بمن يجوز له الاحتياط بالإتيان بجميع محتملاتها وإن تمكّن من تحصيل العلم تفصيلا بما هو المعتبر منها في الواقع وكذلك الظن بقسميه وكذلك إذا علم بكون أحد الإناءين ماء مطلقا والآخر مضافا يجوز له الاحتياط بغسل ثوبه بكلّ منهما بحيث يحصل له القطع بطهارة ثوبه وإن تمكن من غسله بماء آخر مطلق يقينا وهكذا ولا خلاف ولا إشكال في ذلك في المعاملات كما عرفت بل فيما لو أتى بعض المحتملات أيضا ثمّ انكشفت مطابقته للواقع على سبيل القطع لحصول الغرض حينئذ أيضا نعم ربّما يمكن الحكم بحرمة ترتيب الآثار قبل انكشاف الواقع بناء على حرمة مخالفة الأصول مع مخالفتها للواقع وإلاّ يجري عليها حكم التجرّي بناء على جريانه في مخالفة الطّرق الظّاهريّة نعم قد استشكل بعضهم فيما لو أتى ببعض المحتملات ثمّ انكشفت مطابقته للطّرق الظّاهريّة كما إذا اجتهد بعده فطابق عمله السّابق لاجتهاده أو قلّد مجتهدا فظهرت مطابقته لرأيه استنادا إلى أنّ الطّرق الظّاهريّة أنّما تصير طرقا في حقّ المجتهد بعد الأخذ بها والبناء على العمل بها وكذلك ظنّ المجتهد أنّما يصير طريقا لمقلّده بعد أخذ المقلّد له وبنائه عليه والمفروض أنّه حين العمل لم يكن مجتهدا ولا مقلّدا حتّى تجدي مطابقة عمله لأحدهما وبعد الاجتهاد أو التّقليد قد مضى وقت العمل وخرج من محلّ ابتلائه ولكنّ الحق خلافه إذ الطّرق الظّاهريّة منزّلة منزلة نفس الواقع في ترتيب أحكام الواقع عليها فلا فرق في انكشاف الواقع بين انكشافه بالقطع وانكشافه بالطّرق الشّرعيّة وإمّا دعوى انقضاء العمل السّابق وخروجه من محلّ الابتلاء ففاسدة إذ الغرض من اعتبار مطابقته للطّرق الظّاهريّة أنّما هو تصحيح ترتيب الآثار الآتية وإلاّ فما مضى قد مضى وهذا هو الكلام في المعاملات على أقسامها المتقدّمة وأمّا العبادات فبيان حكمها يتوقّف على بيان مقدمة وهي أنّ الأحكام العقليّة على قسمين قسم يمكن حكم الشّارع بخلافه لو لا المانع الخارجي ومن هذا القبيل حكم العقل بوجوب ردّ الوديعة وقبح الظّلم وحسن الإحسان فإن هذه الموضوعات لو لا ما فيها من الجهات المحسنة والمقبحة لأمكن حكم الشّارع بخلاف مقتضياتها فاستحالة حكم الشّارع بخلافها أنّما هي بواسطة مقدّمة خارجة من استحالة أمره بالقبيح ونهيه عن الحسن فاستحالة ذلك عرضيّة غير منافية للإمكان الذّاتي ولذا ترى أنّ غير الشّارع ممّن لا يراعى في أوامره ونواهيه المصالح والمفاسد لا يبالي الأمر بما فيه مفسدة للمأمور والنّهي عمّا فيه مصلحة له فلو ثبت أحيانا أمر الشّارع أو نهيه فبما استقلّ العقل به بخلافه فلا بدّ من تخطئة العقل والحكم بعدم إصابته الواقع فيما حكم به وقسم آخر يستحيل بالذّات حكم الشّارع بخلافه ومن هذا القبيل الصّحّة والفساد من أحكام الوضع فإنّ مطابقة الفعل للمأمور به وعدمها من الأمور الوجدانيّة الّتي يستحيل عقلا تصرّف الشّارع فيهما ومن هذا القبيل أيضا اعتبار القطع ولزوم متابعته بناء على ما تقدّم من أنّ الحكم بخلافه يؤدّي إلى التّكليف بالنّقيضين والتّكليف بهما على الحقيقة محال في نفسه وكذا الإطاعة والمعصية فإنّهما أيضا من الأمور غير القابلة لتصرّف الشّارع فيها فإنّ الأولى هي الإتيان بالمأمور به على ما هو عليه بقصد أنّه مأمور به وترك المنهي عنه كذلك والثّانية بخلافها وكذلك حكمهما من الوجوب والحرمة العقليين فإنّهما أيضا غير قابلين لجعل الشّارع وتصرّفه فيهما نفيا وإثباتا إذ لو كانا مجعولين للشّارع لزم التّسلسل كما لا يخفى ولذا قد حملت أوامر الإطاعة ونواهي المعصية على مجرّد الإرشاد فما دامت الإطاعة والمعصية متحقّقين يتبعهما حكمهما ولا يجوز للشّارع التّصرف في موضوعهما بأن يحكم فيما هو إطاعة عند العقل بعدم كونه إطاعة وفيما هو معصية عقلا بعدم كونه معصية ولا في حكمهما بأن يحكم بعدم وجوب الإطاعة وبعدم حرمة المعصية وممّا ذكرناه ظهر وجه ما اشتهر في الألسنة من أن طريق الإطاعة والمعصية في التّكاليف