هذا الجاهل لا يقصر عن سائر الجهال الذين قلنا بجواز ترك طريقي الاجتهاد والتقليد لهم وجواز الأخذ بالاحتياط ومن هنا يسقط ما سمعناه من بعض مشايخنا مذاكرة من التفصيل بينما لو قلنا بوجوب التقليد للأدلّة الخاصة وبينما لو قلنا بوجوبه من باب الاضطرار وعدم وجود طريق أقرب إلى الواقع منه للعامي كما قيل بجواز تقليد الأموات والمجتهد الفاسق مع عدم وجود المجتهد العادل الحيّ نظرا إلى إمكان منع وجوب التقليد على الثّاني في محلّ الفرض إذ الحاكم بجواز التقليد حينئذ هو العقل وهو حينئذ لا يحكم بوجوبه تعيينا نعم ظاهر الفقهاء هو تقديم التقليد على الاحتياط كما يظهر من فتواهم بوجوب تقليد الأموات والمجتهد الفاسق مع عدم وجود العادل الحيّ ووجه الضعف واضح ممّا ذكرناه ووجه عدم تجويز المشهور للعمل بالاحتياط إن ثبت إنّما هو لأجل بطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد عندهم هذا كلّه فيما أمكن التقليد لمجتهد حيّ عادل وإن تعذر فهل يجوز العمل بأصالة البراءة في موارد الشكّ في التكليف وبالاحتياط في موارد الشّك في المكلّف به لعموم أدلتها أو يجب عليه الاحتياط مطلقا لوجود المقتضي وهو العلم الإجمالي بالأحكام الواقعية وعدم المانع وهو أدلّة وجوب التقليد وجهان وقد يفصّل في المقام بأنّ القصور عن الفحص إن كان عن أغلب المسائل الفقهية بأن كان العمل بأصالة البراءة في تلك المسائل موجبا لإلغاء أحكام كثيرة في الواقع وجب عليه الاحتياط حينئذ لوجود المقتضي وعدم المانع كما عرفت وإن كان في بعض الموارد بحيث لا يحصل من ملاحظة اجتماع هذه الموارد علم إجمالي بالواقع مع قطع النظر عن العلم الإجمالي الحاصل في الموارد الشّخصية كما في مثال الظّهر والجمعة والقصر والإتمام جاز عليه العمل بالأصول الجارية في مواردها أما العمل بأصالة الاحتياط والاستصحاب في مواردهما فواضح وأمّا البراءة فلوجود المقتضي بالفرض وهو الشّكّ في التكليف وعدم المانع لأنّ المانع إمّا هو العلم الإجمالي وهو مفروض الانتفاء وإمّا وجوب دفع الضّرر المحتمل وهو إن كان موجبا لوجوب الاحتياط وجب ذلك بعد الفحص أيضا في موارد إمكانه ممّا كان الشّك فيه في التكليف لوضوح عدم اندفاع احتمال الضّرر بالفحص إذ غايته حصول الظنّ بعدم الدّليل وهو لا يرفع احتماله مع أنّ قبح التكليف بلا بيان يدفع احتماله كما قررناه في محلّه وفيه ما تقدّم من أنّ العقل إنّما يعذر الجاهل بعد الفحص وعدم وجدان الدّليل لا مطلقا وإلاّ لم يجب الفحص من رأس ومجرّد القصور عن الفحص لا يوجب حكم العقل بقبح التكليف بلا بيان كما هو واضح فالأظهر وجوب الاحتياط مطلقا إن لم يستلزم العسر والحرج المنفيين في الشّرع وإلاّ وجب تقليد الأموات من باب حجيّة مطلق الظنّ ومن هنا يمكن تقديم قول المشهور من الأموات على غيرهم إن كان هنا قول مشهور منهم وإلاّ ممن كان أوثق في الفتوى كالمحقق والشّهيد وأمثالهما على غيره وأمّا المقام الثاني فإنا إذا قلنا بوجوب الاحتياط أو التقليد على القاصر نأخذ في العمل بخلاف الطريقين كما إذا صلّى بدون السّورة من دون تقليد فالأقوى هو الحكم بفساد عباداته مطلقا طابقت الواقع أم لا لعدم تأتي قصد القربة من الشاك في صحّة عمله اللهمّ إلاّ أن تفرض الغفلة عن احتمال فساد عمله نعم ربّما يقال بتأتي ذلك من بعض المنغمرين في المعاصي من حكّام الجور وأمثالهم لأنّك إن نبّهتهم على غصبية لباسهم أو مكانهم وأن ذلك موجب لفساد العبادة لا يصغون إليك ويقصدون التقرب مع ذلك في عباداتهم وبالجملة أنّ مطابقة العمل للواقع إنما تجدي في صحّة العبادة مع تحقق قصد القربة لا مطلقا وأمّا المعاملات فالأقوى صحّتها مع انكشاف مطابقتها للواقع بعد تحقق قصد الإنشاء في العقود والإيقاعات منها لعدم اعتبار قصد القربة فيها ليسري الفساد إليها من جهته وأمّا في مثل الطهارة والنجاسة فالأمر أوضح ويظهر الكلام في كفاية المطابقة الاتفاقية في الحكم بالصحّة وكذا المراد من الواقع الّذي اعتبر مطابقة العمل له وكذلك في إمكان قصد الإنشاء من الجاهل ممّا ذكره المصنف رحمهالله في الجاهل المقصّر فتدبّر هذا كلّه في الجاهل القاصر عن الفحص المقصّر في العمل وأمّا الجاهل الّذي وظيفته التقليد من أوّل الأمر فالكلام في صحة عباداته ومعاملاته مع تركه لطريقي التقليد والاحتياط فكما ذكرناه (قوله) تارة في المعاملات إلخ بالمعنى الأعمّ أعني ما لا تحتاج صحّته إلى قصد القربة(قوله) ولا إشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة أدلة إلخ يظهر تحقيق الكلام فيه ممّا سيذكره المصنف رحمهالله من كون هذه الأسباب الشّرعيّة كالأمور الواقعيّة غير المجعولة في عدم توقف تأثيرها على قيام طريق علمي أو ظنّي عليها وسنشير إلى توضيحه إن شاء الله تعالى (قوله) إلاّ من بعض مشايخنا إلخ هو الفاضل النراقي في مناهجه (قوله) بعد مقدّمة إلخ قد ذكر في تحقيق ما بنى عليه مقدّمتين إحداهما ما ذكره المصنف رحمهالله والأخرى أنّه لا شكّ في أنّه لا تكليف فوق العلم والاعتقاد ويلزمه أن لو اعتقد أحد ترتب أثر على شيء بحيث لم يحتمل خلافه ترتب عليه في حقّه فمن اعتقد حلية الزّوجة بعقد باطل واقعا تحل عليه ما دام كذلك كما تحل الأجنبية باعتقاد أنّها زوجته ومن اعتقد بطلان عقد صحيح يحرم عليه المعقودة به ما دام كذلك كما تحرم الزوجة باعتقاد أنها أجنبية(قوله) ولا دليل على التقييد إلخ أي تقييد الحكم بترتب الأثر مع الموافقة بل يكفي فيه مجرد الموافقة الاتفاقية(قوله) لأنّه مأمور إلخ تعليل للمنفي (قوله) وإن لم يسأل إلخ وإن سأل وثبتت الحرمة بطريق أولى (قوله) عمّا هو التحقيق إلخ سيحقّقه في مبحث الاستصحاب (قوله) هي الأمور الواقعية المجعولة إلخ توضيح المقام أنّه غير خفي على ذوي الألباب أن سببية الأسباب الخارجة كتأثير الحرارة والبرودة في الحاسّة ونحوهما تابعة على كيفية وجوداتها التكوينيّة من حيث اقتضاؤها للتأثير مطلقا أو في حال دون أخرى على حسب استجماعها لشرائط التّأثير وعدم المانع منه وعدمهما وإذا ثبتت سببيّة شيء لشيء إمّا مطلقا أو في الجملة فكما أنّ تأثير هذا الشيء تابع على وجوده الواقع سواء كان معلوما أم مظنونا أم مشكوكا فيه كذلك الأسباب الشّرعيّة فإنّها وإن كانت قابلة لجعلها سببا في حال دون أخرى كتأثير عقد النّكاح في إحداث علاقة الزوجيّة مع كون الصّيغة عربيّة لا فارسيّة إلاّ أنّه إذا ثبتت السّببيّة مطلقا أو في الجملة لا تختلف الحال في تأثيرها بين كون وجود السّبب معلوما أو مظنونا أو مشكوكا فيه فلا يشترط تأثيره بقيام طريق عقلي أو شرعيّ عليه وإن كان قابلا لذلك وذلك لأنّ الطّريق المثبت له إمّا هو الطريق العقلي أعني القطع مطلقا والظنّ عند الانسداد الأغلبي بناء على اعتباره من باب الحكومة دون الكشف والطريق الشّرعي المخصوص كالظّنون الخاصّة أمّا الأوّل فواضح لعدم اعتبار شيء في حجيّة القطع وكذا الظنّ عند الانسداد وسوى الكشف عن الواقع فلا يفرق في اعتبار مؤداهما فيما تعلّقا بصحّة عقد مثلا بين مقارنتهما بوجوده في الخارج وبين تأخرهما عنه بأن كان بطلانه أوّلا مقطوعا به أو مظنونا أو مشكوكا فيه ثمّ حصل القطع بصحته و