كونه مخالفة حكمية للواقع فهذا الوجه وإن لم يخالف الأدلّة بل يعاضده الاعتبار لأنّه نتيجة مقدمات أربع الأولى كون الفحص مطلوبا لأجل الوصول إلى الواقع وأنّه لا عقاب ولا ثواب على الواجبات الغيرية الثانية كون الالتفات والعلم إجمالا بأن في الواقع واجبات ومحرمات مطلوب منه فعل الأولى وترك الثانية منجّزين للتكليف بالواقع الثالثة قبح خطاب الغافل الرّابعة لغوية ترقب حصول زمان المخالفة إذا ارتفع خطاب الواقع قبله بالغفلة ونحوها كما هو الفرض لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك مقدمته إلاّ أنّه لا يبقى حينئذ مغايرة بين هذا الوجه ومذهب المشهور لاحتمال إرادتهم ذلك أيضا كما تقدّم مع أنّ فيه إشكالا من جهة أخرى وهو استلزامه لنفي كثير من الأحكام أو أكثرها من الفسّاق والكفار لكونها مشروطة بالعلم والقدرة أو زمان خاص أو حالة خاصّة وهكذا ولا ريب في عدم تنجز التكليف بالواجبات المشروطة قبل تحقق شروط وجوبها فإذا حصلت الغفلة عنها قبل تحققها أو حينه يرتفع التكليف عنها من رأس أمّا قبل تحقّق شروط وجوبها فواضح وأمّا بعده فلفرض عروض الغفلة ولا ريب في غفلة الكفّار في أغلب أوقاتهم عن إجماليات أحكامنا وكذا الفسّاق من الفرقة النّاجية في كثير من أوقاتهم فيلزم ارتفاع هذه الأحكام عنهم اللهمّ إلاّ أن يفضي عن هذا الإشكال بالتزام تنجز التكليف بجميع الأحكام الواقعية بالالتفات إليها لكن كل بحسبه فالواجبات المطلقة على وجه الإطلاق والمشروطة على وجه التعليق والاشتراط نظير ما لو قال الشارع يجب عليك هذا الفعل عند تحقّق الشّرط الفلان فمع توجّه الخطاب إليه فعلا بالإتيان بالواجب المشروط بعد تحقق شرطه تجب عليه بحكم العقل المحافظة على مقدمات هذا الفعل فلا يعذر مع ترك بعض مقدماته المفضي إلى تركه نظير ما لو قال أوجبت عليك الآن أن تزور الحسين عليهالسلام في القابل إذ تجب عليه حينئذ المحافظة على جميع ما تتوقف عليه الزّيارة في القابل فيجب عليه الآن تحصيل ما لا يمكن تحصيله من مقدماتها في القابل ويدل عليه أيضا بناء العقلاء لأنّ المولى إذا أمر عبده بخياطة ثوب في الغد وفرض عدم تمكّنه من تحصيل الخيوط والإبرة في غد فإذا لم يحصلهما اليوم واعتذر في غد بأنّ الخياطة لم تكن واجبة علي قبل الغد حتى يجب تحصيل مقدماتها كذلك وتحصيلها اليوم أيضا متعذّر لم يسمع منه ذلك واستحق اللّوم والذمّ عندهم وقد سمّى صاحب الفصول هذا القسم من الواجب واجبا معلقا لأنّه قد قسّمه إلى منجز ومعلّق قال في مبحث المقدّمة وينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلّف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة وليسمّ منجزا وإلى ما يتعلق وجوبه به ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له وليسمّ معلّقا كالحجّ فإنّ وجوبه يتعلق بالمكلف من أوّل زمن الاستطاعة أو خروج الرّفقة ويتوقّف فعله على مجيء وقته وهو غير مقدور له والفرق بين هذا النّوع وبين الواجب المشروط هو أنّ التوقف هناك للوجوب وهنا للفعل انتهى وممّا ذكرناه تظهر صحّة دعوى كون الكفار معاقبين على الفروع بمجرّد التفاتهم واحتمالهم لحقية دين الإسلام بل لحقية دين آخر سوى دينه في آن من الآنات وإن عرضت لهم الغفلة بعده في تمام عمرهم إذ بمجرّد هذا الاحتمال يستقل العقل بوجوب الفحص عن سائر الأديان وبمجرّد ترك الفحص وعروض الغفلة بعده يترتب عليه مؤاخذة جميع ما يترتب عليه من مخالفة أحكام الدّين الحق هذا كلّه مع أنّه يمكن منع غلبة الغفلة على الكفّار عن حقية دين الإسلام كما تقدّم في تقرير الإشكال لأنّهم لانغمارهم في المعاصي وكثرة متابعتهم لتسويلات الشيطان تعرض لهم كثيرا حالة شبيهة بحال الغفلة لا يقبح معها التكليف لا أنّه تحصل لهم الغفلة بالمرّة بحيث يقبح تكليفهم في هذه الحالة وتحقيق ما ينبغي أن يقال في المقام أنّه إذا ترك الفحص والسّؤال ثم تعذّر عليه ذلك فإن كان ملتفتا إلى الواقع ومتمكّنا من الاحتياط ولكنّه ترك الاحتياط وبنى في مقام العمل على مقتضى البراءة يعاقب على مخالفة الواقع وإن لم يكن متمكنا منه مع التفاته إلى الواقع كما في موارد دوران الأمر بين المحذورين أو كان غافلا عن الواقع بالمرة يترتب عليه عقاب مخالفة الواقع حين ترك الفحص المفضي إليها لقبح تفويت الخطابات الواقعية من المكلف باختياره ومن هنا يظهر وجه النّظر في إطلاق قول المشهور والجماعة على جميع احتمالاتهما إذ على كل تقدير لا بد من التفصيل بما عرفت (قوله) وهو توجّه النّهي إلى الجاهل إلخ حاصله أنّ شرطيّة شيء في عبادة إذا نشأت من النّهي كإباحة المكان النّاشئ شرطيته من عدم جواز اجتماع الأمر والنّهي فمقتضى قضيّة عدم توجّه النّهي حين الجهل به هو انتفاء الشّرطية أيضا والحكم بصحّة الصّلاة حين الجهل به والمشهور لا يحكمون بها فحكمهم بالفساد حينئذ دليل على بقاء النّهي عندهم حين الجهل كما يومي إليه قول العلاّمة على ما تقدّم في الحاشية السّابقة بأنّ الجاهل كالعامد وأنّ التحريم لا يتوقف على العلم به (قوله) والاعتذار عن ذلك إلخ اعلم أنّ في كلماتهم عناوين ثلاثة أحدها جواز اجتماع الأمر والنّهي وعدمه والآخر من توسّط دارا مغصوبة وقد نقلوا فيه أقوالا ثلاثة أحدها أنّه منهي عن الخروج ومأمور بالخروج إمّا مطلقا أو بقصد التخلّص من الغصب فهو عاص بالفعل والترك كليهما واشتهرت حكاية هذا القول عن أبي هاشم وعزاه المحقق القمي إلى أكثر أفاضل المتأخرين بل إلى ظاهر الفقهاء وفيه نظر وثانيها أنّه مأمور بالخروج مطلقا أو بقصد التخلّص وعاص به واختاره الفخر الرّازي وتبعه صاحب الفصول وثالثها أنّه مأمور بالخروج وليس منهيّا عنه ولا معصية فيه وهو المشهور والثالث ما لو نهى عنه الشّارع أوّلا ثمّ ارتفع هذا النّهي بسبب من المكلف وفي جواز أمره به في الزّمان الثاني أعني زمان ارتفاع النّهي وعدمه إشكال ومثاله أنّ الجنب في نهار شهر رمضان إذا كان على شاهق على ساحل البحر فهو منهي عن رمي نفسه عن الشاهق وعن الارتماس في الماء وإذا عصى ورمى نفسه عنه إليه فلا ريب في ارتفاع النّهي عنه حين الهبوط والنّزول إذا صار بحيث لا يتمكن من حفظ نفسه عن السّقوط وفي صحّة نية الغسل منه حينئذ ارتماسيا نظرا إلى ارتفاع النّهي وعدمه إشكال والفرق بين هذه المسألة ومسألة من توسّط أرضا مغصوبة كون المكلّف هنا مسبوقا بالنّهي عن رمي نفسه وعن الغسل ارتماسا بخلافه في تلك المسألة لكونه فيها على ما هو المشهور غير منهي عن الخروج سابقا ولاحقا كما قرّر في محلّه وهذه المسألة غير معنونة في كلماتهم فقها وأصولا نعم قال صاحب الفصول في تحرير عنوان من توسط أرضا مغصوبة بعد نقل الأقوال والحقّ أنّه مأمور بالخروج مطلقا أو بقصد التخلّص وليس منهيّا عنه حال كونه مأمورا به لكنّه عاص به بالنّظر إلى النّهي السّابق انتهى ومع فرض النّهي السّابق تتحد هذه المسألة مع ما ذكرناه ويظهر حكم ما نحن فيه منهم في الفقه في مواضع منها حكمهم ببطلان عبادة الجاهل المقصّر كما هو محلّ الكلام في المقام فإنّه بإطلاقه يشمل الغافل أيضا مع أنهم قد قرروا قبح خطاب الغافل فلا بد أن يكون البطلان حينئذ مستندا إلى اجتماع الأمر مع المبغوضية