دون ذيها وإلى هذا الوجه أشار المصنف رحمهالله في آخر كلامه أيضا بقوله ومن هنا قد يلتجئ إلى آخره وسيأتي الكلام فيه وثانيهما كون العقاب مرتبا على ترك ذي المقدمة لكن حين ترك المقدّمة المفضي تركها إلى تركه مع ارتفاع خطابه أيضا حين تركها وهذا الوجه محكي عن صاحب الذخيرة في رسالته الّتي أفردها في مقدّمة الواجب وعليه لا بد من ارتكاب نوع مسامحة في كلماتهم لأنّ قول الأردبيلي وإن كان معاقبا بالتّقصير وكذا قول صاحب المدارك فيأثم تركها لا بترك ذلك المجهول لا بد أن يحمل على إرادة تحقّق العقاب حين ترك المقدّمة لا على ترتبه على تركها وكذلك قول صاحب الذخيرة إنّ التكليف متعلّق بمقدمات الفعل كالنظر والسّعي لا بد أن يحمل على إرادة بقاء التّكليف ما دامت المقدمة غير متروكة وارتفاعه حين تركها المفضي إلى ترك ذيها لا كون المقدّمة متعلّقا للطلب النّفسي وهنا وجه ثالث وهو ترتب العقاب على ترك المقدّمة نفسيا لا من جهة كون تركها المفضي إلى ترك ذيها علّة تامّة لتركه مع الالتزام بارتفاع خطابه حين تركها والأوّل بعيد عن ظاهر كلماتهم لأنّ التعبير بلفظ المقدّمة ربّما يأبى عن إرادة الوجوب النفسي لأنّ جهة الغير مأخوذة في مفهوم المقدّمة والمستفاد من كلامه أيضا في بيان مراد المشهور وجوه أحدها أن يكون العقاب مرتبا على ترك ذي المقدّمة المغفول عنه حين الغفلة عنه مع الالتزام ببقاء خطابه حينئذ أيضا وثانيها الصّورة بحالها إلاّ في الالتزام بارتفاع خطابه حين ترك المقدّمة وثالثها أن يكون العقاب مرتبا على ترك ذيها حين تركها مع الالتزام بارتفاع خطابه حين تركها كما تقدّم ثمّ استظهر كون مرادهم هو الوجه الأوّل بوجهين وسنشير إلى توضيحهما وتوضيح ما يتعلق بسائر كلمات المصنف رحمهالله بعد الفراغ من أدلّة القولين فنقول قد استدل على المشهور بوجوه أحدها أنّ مقتضى الخطابات الواردة في الكتاب والسّنة المتعلقة بالعناوين الواقعية مثل الصّلاة والصّوم والزكاة والخمس وكذا في باب المعاملات مثل الخمر والنجس ونحوهما كون العقاب مرتبا على مخالفة هذه العناوين لا على ترك مقدماتها وإن كان مفضيا إلى تركها وثانيها أن المكلّف إذا التفت إلى وجود واجبات ومحرّمات في الشّرع مطلوب منه فعلها أو تركها في آن من الآنات وعلم بذلك إجمالا وترك الفحص والسّؤال عن تفاصيلها لا يعذر بمجرّد غفلته عنها في وقت العمل لأنّ المسلم من قبح تكليف الجاهل هو الجاهل المحض لا الملتفت العالم بها إجمالا ولو عرضت له الغفلة بعده ولذا نفي العلامة فيما حكاه صاحب المدارك في عبارته المتقدمة كون العلم شرطا في التكليف لأنّ مراده لا بدّ أن يكون ما ذكرناه لا الجاهل المحض وحاصله نفي كون العلم التفصيلي شرطا في التكليف وثالثها إجماعهم على تكليف الكفار بالفروع وكونهم معاقبين بها مع جهلهم بها ولذا قد عرفت أنّ صاحب الذّخيرة مع ميله إلى كون التكليف متعلّقا بالمقدمات قد استشكل فيه لأجل هذا الإجماع المقتضي لتعلق التكليف بنفس الأحكام المجهولة وأنت خبير بأن الظّاهر أن فتوى الأصحاب بكون الكفّار مكلّفين بالفروع إنّما هو في قبال فتوى أبي حنيفة بكونهم مكلفين بالأصول دون الفروع وحينئذ لا يمكن أن يستفاد من إطلاقهم لكونهم مكلفين بالفروع كون العقاب مرتبا على مخالفة نفس الأحكام المجهولة حين مخالفتها أو حين ترك مقدّماتها المفضي إلى تركها أو على نفس ترك المقدّمات أو غير ذلك مما تقدّم فلا وجه حينئذ لاستشكال صاحب الذخيرة فيما جنح إليه أوّلا لأجل هذا الإجماع ورابعها قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) والتقريب فيه واضح لأنّ اعتذارهم عن كونهم معذّبين في السّقر بترك الصّلاة والإطعام دليل واضح على كون العقاب مرتبا على مخالفة نفس الواجبات والمحرّمات دون مقدماتها وخامسها ما تقدّم في الدّليل الثالث من أدلّة وجوب الفحص عن الأخبار الظاهرة في كون وجوب الفحص والسّؤال المجرّد للوصول إلى الواقع وأن مدار الثّواب والعقاب على نفس إطاعة الواجبات والمحرّمات ومخالفتها لا على مقدماتها وهذه جملة أدلتهم وأنت خبير بأن مطلوبهم في المقام أعني صورة ترك المكلف الفحص والسّؤال مع إفضاء تركهما إلى مخالفة الواقع من الواجبات والمحرّمات مركب من أمرين أحدهما بقاء خطاب التكليف الواقعي إلى زمان تحقق المخالفة والآخر ترتب العقاب حين تحقق المخالفة والأدلّة المذكورة لا تثبت شيئا منهما لأن غايتها ترتب العقاب على مخالفة نفس التّكاليف الواقعية لا على ترك مقدّماتها وأمّا دلالتها على بقاء خطاباتها إلى زمان تحقق المخالفة وكذا كون ترتب العقاب حين تحققها فلا لعدم منافاتها لترتب العقاب وكذا ارتفاع خطاباتها حين ترك مقدّماتها المفضي إلى مخالفتها وإن أرادوا من ترتب العقاب على مخالفتها هذا المعنى كما أسلفناه وعند بيان الوجوه المحتملة في كلماتهم يرد عليه أولا عدم دلالة الأدلّة المذكورة على خصوص هذا المعنى أيضا وثانيا أنّه مناف لكلماتهم في الفروع من الوجهين اللّذين أشار إليهما المصنف رحمهالله قدسسره هذا وأمّا ما ذهب إليه الجماعة فقد عرفت أنّ صاحب المدارك استدل عليه بقبح تكليف الجاهل بما هو جاهل به وأنّه تكليف بما لا يطاق فلا بدّ أن يكون مكلّفا بالفحص والسّؤال ومعاقبا على تركها إلا على ترك الفعل المجهول الحكم وهو إن أراد بذلك كون الفحص والسّؤال واجبين بالوجوب النفسي كما هو ظاهرهم ففيه منع قبح تكليف الجاهل مطلقا لأنّ المسلم منه تكليف الجاهل محضا لا مع الالتفات إلى الأحكام الواقعية والعلم بها إجمالا وكونها مطلوبة منه وإن عرضت الغفلة بعده لأنّه مع هذا الالتفات والعلم يصح من الشّارع الحكيم تكليفه بما في الواقع من الأحكام وإن لم يعرف تفصيلها ولا قبح فيه أصلا وحينئذ يجب عليه بحكم العقل والنقل الفحص والسّؤال عن مفصّلاتها فإذا ترك ذلك وعرضت له الغفلة عنها بالكليّة وخالف الأحكام الواقعيّة بعضا أو كلاّ لا يقبح من الشّارع مؤاخذته على هذه المخالفة وإن أراد أنّه مع الالتفات يتنجز التكليف بالواقع ويبقى هذا التكليف ما دام الالتفات باقيا ويرتفع خطاب الواقع حين عروض الغفلة ويستحق العقاب لأجل ترك الفحص والسّؤال وإن لم يجبا بالوجوب النفسي لا لأجل مخالفة الواقع ففيه أوّلا أنّه مع الاعتراف بتنجز التكليف بالواقع بالالتفات لا وجه لدعوى كون العقاب على ترك الفحص إذ لا مانع من ترتب العقاب على مخالفة الواقع حين ترك الفحص المفضي إلى تركه نظرا إلى كونه مخالفة حكمية للواقع كما ستعرفه بل لا معنى لما ذكر أصلا كما لا يخفى وثانيا أن مقتضى ترتب العقاب على ترك المقدّمة هو ترتب الثّواب عليها أيضا لا على الواجبات النفسية وهو خلاف المعهود من الشّرع الأنور فيلزم حينئذ إهمال التكاليف الواقعية وجعل المدار في الثواب والعقاب على مقدّماتها وثالثا أنّه خلاف ظاهر الأدلّة كتابا وسنّة كما تقدّم عند بيان أدلّة المشهور وإن أراد ترتب عقاب مخالفة الواقع حين ترك الفحص المفضي إلى مخالفته نظرا إلى