عند المصنف فإن مؤدّيها ليس إلاّ مجرّد نفي العقاب في محتمل الحرمة أو الوجوب لا إثبات الإباحة الظّاهريّة أيضا ولذا لا يجري في محتمل الاستحباب والكراهة كما لا يخفى ثمّ إنّ الحدّ ينتقض أيضا بما يظهر منه في هذا المقصد عند بيان أقسام العلم الإجمالي من عدم جواز المخالفة القطعيّة فيما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحرمة أخر كما إذا فرض العلم إجمالا بأن شرب التّتن حرام أو دعاء رؤية الهلال واجب فإنّ المصنف وإن لم يصرّح هنا بوجوب الاحتياط إلاّ أنّ ذلك معلوم من مذهبه في نظائر المقام مع كون الشّكّ في مثل ذلك في التّكليف دون المكلّف به بناء على ما صرّح به المصنف ره في أوّل المقصد الثّالث من أن المراد من الشّكّ في التّكليف هو الشّكّ في النوع الخاصّ من الإلزام وإن علم جنسه ومثل لذلك بالتّكليف المردّد بين الوجوب والحرمة نعم لا ينتقض الحصر بالحكم بالتّخيير في موارد تكافؤ النّصين سواء أمكن الاحتياط فيها مثل ما لو دار الأمر بين فيه الوجوب وغير الحرمة أو بين الحرمة وغير الوجوب أم لا فإنّ الحكم بالتّخيير فيها للنّص وإلاّ فمقتضى القاعدة هو الحكم بإجمال النّصين والرّجوع إلى مقتضى الأصل الموافق لأحدهما بناء على ما هو التّحقيق من كون اعتبار ظواهر الأدلّة من باب الطّريقية دون السّببيّة المحضة وبعبارة أخرى أن المقصود في المقام حصر الأصول الأوليّة في الأربعة لا ما يعم الأصول الثانويّة أيضا ثمّ إن حاصل ما يستفاد ممّا ذكره من الحصر والتّقسيم أنّ الشّكّ إن لوحظت فيه الحالة السّابقة فهو مجرى الاستصحاب سواء كان الشّكّ في التّكليف أو المكلّف به وعلى الثّاني أمكن فيه الاحتياط أم لا وإن لم تلاحظ فيه الحالة السّابقة فإن كان الشّكّ في التّكليف فهو مجرى البراءة سواء أمكن الاحتياط فيه كما في الشّبهات البدويّة أم لا كما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحرمته بناء على ما عرفت من معنى الشّكّ في التّكليف ومن هنا يندفع النقض الذي أوردناه على الحصر من صورة دوران الأمر بين وجوب فعل وحرمته فإنّ هذه الصّورة على ما عرفت من موارد الشّكّ في التّكليف وإن لم يمكن الاحتياط فيها إذ كل مورد لا يمكن فيه الاحتياط ليس من موارد التّخيير بل ذلك مع فرض كون الشّكّ في المكلف به وإن كان الشّكّ في المكلف به فإن لم يمكن فيه الاحتياط فهو مورد للتخيير وإلاّ فمورد للاحتياط فتلخّص ممّا ذكرناه أن للاستصحاب شرطا واحدا وهو ملاحظة الحالة السّابقة فيه وللبراءة شرطين وهما عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيها وكون الشّكّ فيها في التّكليف وللتّخيير شروطا ثلاثة أحدها عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيه وثانيها كون الشّكّ فيه في المكلف به وثالثها عدم إمكان الاحتياط فيه وللاحتياط أيضا شروطا ثلاثة أحدها عدم ملاحظة الحالة السّابقة فيه وثانيها كون الشّكّ فيه في المكلّف به وثالثها إمكان الاحتياط فيه وهذه الشّروط شروط لتمييز موارد الأصول إجمالا وإلاّ فلها شروط أخر مقرّرة في محلّها ومن ملاحظة جميع ما قدّمناه يظهر عدم ورود نقض على الحصر أصلا إلاّ بما لو دار الأمر فيه بين وجوب فعل وحرمته أخر ولكن الأمر فيه سهل حيث كان المقصود هنا معرفة موارد الأصول في الجملة نعم يرد عليه أن الحصر إن كان استقرائيا بأن يدعى أن استقراء كلمات الشّارع يقضي بانحصار موارد الأصول في الأربعة الّتي ذكرها فهو خلاف ما صرّح به في أوّل مقصد الثّالث كما تقدّم وإن كان عقليّا يرد عليه منع انحصارها عقلا في الأربعة لإمكان أن يعتبر الشّارع هنا أصلا خامسا بأن يحكم باستصحاب الحالة اللاّحقة المتيقّنة إلى السّابقة المشكوك فيها كما في استصحاب القهقرائي وأصلا سادسا بأن يعتبر في الاستصحاب أربع حالات بأن يقول إذا تيقّنت بشيء ثمّ شككت فيه ثمّ تيقّنت به وشككت لا تنقض اليقين الأوّل بالشّكّ الثّاني وهكذا إذ لا ريب في عدم انحصار صور الإمكان في الأربعة الّتي ذكرها (قوله) لا إشكال في وجوب متابعة القطع إلخ بمعنى لزوم اتباعه عند العقل وعدم جواز تركه لا الوجوب الشّرعي الذي يثاب على إطاعته ويعاقب على مخالفته لعدم كون القطع قابلا لجعل الشّارع ليكون موردا لهما بل هما مرتّبان على متابعة نفس الحكم المقطوع به ومخالفته ويدلّ عليه أمور أحدها أنّه لو لم يكن حجّة بنفسه بالمعنى الّذي ذكرناه وكانت حجّيته تعبّدا شرعيّا لتسلسل إذ اعتبار كلّ شيء منوط بالعلم ومتوقف عليه فالقطع لو لم يكن حجّته بنفسه فلا بدّ أن يتوقف على شيء وهكذا فيلزم التّسلسل وهذا أولى ممّا يقال إنّه لو لم يكن معتبرا لانسد باب الاستدلال إذ اعتبار كلّ دليل منوط بالعلم فإن هذا إنّما يستلزم اعتباره في الجملة لا بخصوص المعنى المقصود ومن هنا يظهر ضعف الاستدلال عليه بمفهوم آية سؤال أهل الذّكر كما لا يخفى وثانيها أنّه لو كان اعتباره بجعل الشّارع فلا بدّ حينئذ أن يكون القطع قابلا لحكم الشّارع نفيا وإثباتا فلو كان كذلك لزم التّناقض فإنّ الشّارع إذا قال الخمر حرام فمعناه وجوب الاجتناب عنه فإذا قطعنا بمؤدّى خطاب الشّارع ولم يكن قطعنا معتبرا شرعا يلزم أن لا يجب علينا الاجتناب عنه مع قطعنا به ولا يندفع ذلك إلاّ بتقييد الأحكام الواقعيّة بأن تكون حرمة الخمر مجعولة على تقدير إخبار المعصوم مثلا عنها وهو مع أنّه لا دليل عليه بل خلاف الفرض خروج عن محلّ النّزاع إذ لا حكم في الواقع حينئذ قبل إخبار المعصوم حتّى يتعلّق به القطع كما هو محلّ الكلام وثالثها عدم معقوليّة تكليف القاطع بخلاف قطعه لعدم احتماله خلاف ما قطع به فتكليفه به تكليف بما لا يطاق (قوله) ومن هنا يعلم أن إطلاق الحجّة إلخ يعني ممّا ذكره من عدم كون القطع كالظن في كون اعتباره بجعل الشّارع يعلم أن إطلاق الحجّة عليه ليس كإطلاقها على سائر الأمارات الشّرعية كالبيّنة وفتوى المفتي ونحوهما بل إطلاق الحجّة عليه من باب المسامحة إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب وتوضيح ذلك أنّ القطع تارة يؤخذ من باب الطّريقيّة وأخرى جزء موضوع من الحكم والثّاني سيجيء الكلام فيه والكلام هنا أنّما هو في القسم الأوّل وهو الذي لا يصحّ