شرط لتنجز التّكليف لا لتعلق التكليف الواقعي في الجملة فيرجع الحاصل إلى أن من جميع الشّرائط العامة من البلوغ والقدرة والعقل إذا التفت إلى حكم شرعي إلى آخر ما ذكره ومقابله من لم يجمعها فيخرج منه التفات الصّبي والمجنون والعاجز لعدم ترتب أثر شرعا وعقلا على التفات هؤلاء ويحتمل أن يريد به المكلّف العالم بالأحكام إجمالا الجاهل بتفاصيلها فيكون المراد بالحكم الّذي هو متعلّق الالتفات هي الأحكام الخاصّة من وجوب الصّلاة وحرمة شرب الخمر أو نحوهما ويحتمل أن يكون الشّرط واردا لبيان الموضوع لما عرفت من كون الالتفات شرطا لتنجّز التّكليف فيكون مأخوذا في موضوعه (قوله) فيحصل له إمّا الشّك فيه إلخ لم يتعرض في التّقسيم للوهم لتعيّن الغاية ووجهه واضح ثمّ إنّ الظّاهر من العبارة أنّ المراد بالشّك هو الشّك بمعنى تساوي الطّرفين مقابل الظنّ الفعلي وحينئذ يقع الإشكال في جعل الأقسام الثّلاثة موضوعا لمقاصد الكتاب لوضوح أنّ الموضوع في المقصد الثّاني ليس خصوص الظّنّ الفعلي بل الظنّ النّوعي أو الأعمّ منهما وكذا الموضوع في المقصد الثّالث ليس الشّكّ بمعنى تساوي الطّرفين بل الأعمّ منه ومن الظن غير المعتبر اللهمّ إلا أن يقال إنّ الموضوع في المقصد الثّاني هو الظنّ الفعلي ولكن النّوعي داخل في هذا المقصد حكما لا موضوعا وكذلك الموضوع في المقصد الثّالث هو الشّك بمعنى تساوي الطّرفين ولكن الظّنّ غير المعتبر داخل فيه حكما أيضا لا موضوعا فتأمّل فإنّه لا يخلو عن تكلّف لأنّ عمدة الكلام في المقصد الثّاني في الظن النوعي كما لا يخفى (قوله) ويسمّى بالأصول العمليّة إلخ صريح العبارة أنّ القواعد الشّرعيّة الثّابتة للشّاك في مقام العمل منحصرة في الأصول العمليّة الأربعة وليس كذلك لأن للشّاكّ أصولا أخر كثيرة الدّوران بينهم مثل أن عدم الدّليل دليل العدم والبناء على الأخف عند دوران الأمر بينه وبين غيره وأصالة الإباحة والأصول اللّفظيّة وغير ذلك ولكن يمكن دفع ذلك بأنّ هذه الأصول بينما هو غير معتبر وما هو راجع إلى أحد الأربعة وتفصيل القول في ذلك مقرّر في محلّ أخر وإمّا على القول باعتبارها من باب الظّنّ كما هو ظاهر الأكثر حتّى أصالة الإباحة فهي داخلة في الأدلّة الاجتهاديّة نعم يبقى الإشكال بالنّسبة إلى القواعد المعتبرة في موضوع الشّكّ مثل قاعدة الطّهارة ونحوها بل سائر القواعد المختصّة بالموضوعات الخارجيّة المشتبهة مثل قاعدة القرعة وأصالة حمل فعل المسلم على الصّحة بناء على كون المراد من الحكم الشّرعي في المقام أعمّ من الكلّي والجزئي اللهمّ إلاّ أن يقال باعتبار هذه القواعد أيضا من باب الظّنّ النّوعي فتدخل في الأدلّة إلاّ أن دعوى ذلك بالنّسبة إلى الجميع مشكلة بل ممنوعة ثمّ إنّ الظّاهر أنّ المراد من الأصول العمليّة الأربعة الّتي وقع الكلام فيها في مباحث المقصد الثّالث هي الأصول الجارية في نفس الأحكام الكليّة وأنّ البحث عن جريانها في الموضوعات استطرادي لكون الأوّل داخلا في الأصول والثّاني في الفروع كما يظهر من المصنف في أوائل مبحث الاستصحاب ثمّ إنّ مجمل الكلام في ضابط الأدلّة والأصول أن ما اعتبره الشّارع سواء كان من باب التّأسيس أو الإمضاء والتّقرير إمّا أن يكون اعتباره في نفس الأحكام الكلّيّة أو في الموضوعات الخارجيّة أو في الأعمّ منهما وعلى التّقادير إمّا أن يكون اعتباره من باب الكشف والإصابة سواء كان له جهة كشف عند العرف واعتبره الشّارع من هذه الجهة أم لا ولكن علم من دليل اعتباره أنّ الشّارع إنّما اعتبره من حيث الكشف والإصابة فيكون كشفه حينئذ تعبديّا وإمّا أن يكون اعتباره من باب التّعبّد من دون اعتبار جهة كشف فيه سواء كانت له جهة كشف عند العقلاء أم لا فما اعتبره الشّارع في الأحكام الكليّة من حيث الكشف يسمّى دليلا وربّما يوصف بالاجتهادي وفي الموضوعات يسمّى أمارة وما اعتبره من باب التّعبّد المحض لبيان كيفيّة عمل الجاهل والشّاك في الأحكام يسمىّ أصلا عمليّا وربّما يسمّى بالدّليل الفقاهتي وفي لسان بعض أخر بالدّليل الفقهائي وهو الأنسب وفي الموضوعات أصلا عمليّا(قوله) وهي منحصرة في أربعة إلخ هذا الحصر كما صرّح به في أوّل المقصد الثّالث عقلي ولا ينتقض بالقول بالبراءة عند الشّكّ في الأجزاء والشّرائط وفي الشّبهة غير المحصورة والمحصورة الّتي خرج أحد طرفيه عن محلّ الابتلاء نظرا إلى كون الشّكّ فيها في المكلّف به دون التّكليف لأنّ من قال بالبراءة فيها أرجع الشّكّ فيها إلى الشّكّ في نفس التكليف كما سيجيء في محلّه نعم ينتقض الحصر بموارد العلم الإجمالي بالتّكليف إذا لم تكن مخالفته مستلزمة للمخالفة القطعيّة العمليّة كما لو دار الأمر بين وجوب فعل وحركته على ما اختاره المصنف رحمهالله في هذا المقصد من عدم كون المخالفة الالتزاميّة القطعيّة مانعة من جريان أصالة البراءة اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ هذا الحصر بالنّسبة إلى مذاق المشهور حيث قالوا في مثله بالتّخيير وحينئذ لا يقدح في الحصر عدم استقامته أيضا بالنّسبة إلى الأحكام الوضعيّة بناء على كونها مجعولة نظرا إلى عدم جريان البراءة والتّخيير فيها فإنّها عند المشهور وواقفهم المصنف منتزعة من الأحكام الطّلبيّة وإن نسب خلافه أيضا إليهم كما سيجيء في مسألة الاستصحاب ولكن يخدش فيه قول المصنف رحمهالله وما ذكرنا هو المختار في مجاري الأصول الأربعة وحينئذ يتضح عدم استقامة الحصر على ما اختاره المصنف في مسألة البراءة عند دوران الأمر بين الوجوب والحرمة من عدم الحكم فيه بشيء من وجوب الأخذ بأحدهما تعيينا أو تخييرا ولا الإباحة الواقعيّة ولا الظّاهريّة حيث حكم ثمة بوجوب التّوقّف وعدم الالتزام إلاّ بالحكم الواقعي على ما هو عليه في الواقع وقال ولا دليل على عدم جواز خلوّ الواقعة عن حكم ظاهري إذا لم يحتج إليه في العمل نظير ما لو دار الأمر بين الوجوب والاستحباب انتهى ووجهه عدم شمول التّقسيم بحكم مثل هذا الشّكّ لفرض عدم كونه موردا لشيء من الأصول الأربعة وممّا أشار إليه من التنظير يظهر عدم اختصاص النّقض بما لا يمكن الاحتياط فيه كما لا يخفى اللهمّ إلا أن يمنع اختصاص مؤدّى قاعدة البراءة بما يفيد الإباحة الظاهريّة بل هو كذلك