إطلاق اسم الحجّة عليه حقيقة والكلام فيه تارة فيما تعلّق القطع بنفس الحكم وأخرى بموضوعه ولا بدّ قبل الأخذ في بيانهما من تمهيد مقدّمة وهي أنّ الحجّة والدّليل على اصطلاح علماء الميزان يراد والقياس وعرّفوه بأنّه قول مؤلف من قضايا يلزمه لذاته قول آخر أو يكون عند العلم به العلم بقول آخر ليدخل العلم بالنتيجة على مذهب الأشاعرة القائلين بكون العلم بها من باب إجراء الله عادته على خلق شيء عقيب آخر لا لأجل كون العلم بالقول المؤلّف علّة تامّة للعلم بها كما هو مذهب الآخرين وعليه مبنى الحد الأول إذ لا علية ولا ترتب عندهم بإسقاط قيد العلم وعلى اصطلاح الأصوليّين ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري أو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب خبري بإسقاط قيد العلم كما فعله المحقق البهائي ليدخل الدّلائل الشرعيّة فيه بأجمعها كما ذكره في الحاشية وحيث عرّف الدّليل على اصطلاح المنطقيّين قال في حاشية أخرى فالعالم عند الأصوليّين دليل على إثبات الصّانع وعند غيرهم العالم حادث وكلّ حادث له صانع وظاهر كلام بعض المحقّقين أنّ الأصوليّين لا يطلقون الدّليل على القضايا بل على المفردات فقط ولم نظفر بتصريحهم بذلك بل كلامهم عامّ انتهى وغير خفي أن ما جعله المصنف الحجّة حقيقة فيه مغاير للاصطلاحين ومباين لهما ولعله أخذه من إطلاق الحجّة في السنة الفقهاء والأصوليّين على الأدلّة الشّرعيّة وكذا الأمارات الشّرعية فإن كونها حجّة أنّما هو باعتبار المعنى الّذي ذكره من كونها وسطا يحتجّ به لثبوت الأكبر للأصغر وواسطة للقطع بثبوته له ولكن لم يظهر منهم كون إطلاق الحجّة بهذا المعنى على وجه الحقيقة كيف وإطلاقهم الحجّة على القطع في حدّ إطلاقهم لها على الكتاب والسنة والإجماع وسائر الأمارات ولعلّ مراد المصنف أيضا ليس دعوى الحقيقة بل مجرّد بيان أن إطلاقهم الحجّة على القطع ليس كإطلاقهم لها على الأمارات المعتبرة ثمّ إنّ ما ذكره من أن المراد بالحجّة في باب الأدلّة ما كان وسطا لثبوت أحكام متعلّقه شرعا لا لحكم آخر غير واضح ولا مصرّح به نعم إنّ الأحكام الشرعيّة لما كانت غالبا متعلّقة بذات المعلومات لا يوصف كونها معلومة لم يوجد مورد يكون العلم فيه جزء موضوع للحكم ليكون الوسط هو الموضوع المعلوم الّذي تضمّنه الخطاب المأخوذ منه الكبرى الكليّة حتّى يطلق عليه اسم الحجّة وإن وجد نفي غاية النّدرة ولعلّه الوجه في توهّم عدم إطلاقهم الحجّة على ما ذكر فتدبر وكيف كان فالوسط الّذي يحتج به لثبوت الأكبر للأصغر هو الّذي يستحق إطلاق اسم الحجّة والدّليل عليه لأنّه الواسطة في الإثبات أو الثّبوت وإن سلم عدم استقرار الاصطلاح على ذلك ولعلّ هذا هو الوجه في إطلاق الحجّة في باب الأدلّة على الأدلّة الشّرعيّة وكذا الأمارات الشّرعيّة ولعلّ عدم تعرّض المصنف لعدم إطلاق الحجّة على القطع على اصطلاح علماء الميزان لوضوحه بعد الإحاطة بما ذكره وإذا تمهد هذا فتقول إمّا عدم إطلاق اسم الحجّة على القطع فيما تعلّق بنفس الحكم فلمّا صرّح به المصنف رحمهالله من أنّ الحجة في باب الأدلّة هي الّتي تكون وسطا يحتجّ به لثبوت الأكبر للأصغر ويكون واسطة للقطع بثبوته له فالحجّة حينئذ هو سبب القطع فكيف يكون نفسه وتوضيح ذلك أنّ الشّارع إذا قال الخمر حرام أو الصّلاة واجبة فالحكم بالحرمة أو الوجوب ثابت قبل علم المكلّف والعلم طار عليه وحينئذ إن وقع العلم وسطا لإثبات متعلّقه فإمّا أن يلتزم بوجوبين أحدهما ما تعلق به العلم والآخر ما تفرّع على العلم كما لو ظنّ الوجوب بأمارة معتبرة فإنّه حينئذ يتحقق وجوبان أحدهما متعلّق الظنّ وهو الوجوب الواقعي والآخر ما تفرّع على الظنّ وهو الوجوب الظاهري الثّابت بضميمة دليل اعتبار الظّنّ وهذا وإن كان صحيحا لصحّة وقوع الوجوب الواقعي المعلوم واسطة في إثبات الوجوب المرتّب على هذا العلم إلاّ أنّه خلاف الإجماع إذ مقتضاه التزام ثوابين على موافقتهما وعقابين على مخالفتهما لتنجّز الوجوب الواقعي حينئذ إذ الكلام هنا بعد الفراغ من اعتبار القطع بالمعنى المتقدم في الحاشية السّابقة ولا يرد النقض بصورة الظّنّ بتقريب ما عرفت من أنّه مع الظّن بالوجوب الواقعي يتحقق هنا وجوبان واقعي وظاهري فيلزم فيه ما ذكرت من المحذور فإنّ الوجوب الواقعي المظنون لا ينتجز بالظّنّ حتّى يكون هو أيضا مخلاّ للثّواب والعقاب بل هو باق على شأنيّته والمتنجز هو الوجوب الظّاهري المتفرّع على الظن بضميمة دليل اعتباره بخلاف صورة العلم كما لا يخفى وما ورد من أن للمصيب أجرين أنّما هو من باب التّفضّل دون الاستحقاق وإمّا أن يلتزم بوجوب واحد فنقول بناء عليه إنّ هذا الوجوب إمّا أن يكون منوطا بنفس الواقع وثابتا مع العلم والجهل به وإمّا أن يكون منوطا بالعلم ومتفرعا عليه فعلى الأوّل لا يصحّ جعله وسطا حتّى يصح إطلاق اسم الحجّة عليه إذ الوسط كما عرفت هي الواسطة للقطع بثبوت الأكبر للأصغر كما عرفت فكيف يكون نفسه وعلى الثّاني يلزم تقدّم الشّيء على نفسه لأن العلم لا بدّ له من معلوم سابق عليه وهو الوجوب هنا بالفرض فلو كان الوجوب متفرّعا عليه ولاحقا له يلزم ما ذكر وإن شئت قلت إنّه مستلزم للتّصويب الّذي لا يقول به المصوّبة أيضا لاستلزامه دوران الأحكام الواقعيّة مداد العلم مع أنّ أهل التّصويب لا يقولون به في المعلومات بل في موارد الكتاب والسنة أيضا فإنّهم إنّما يقولون بذلك في الموارد الّتي يجوز فيها الاجتهاد بالقياس والمصالح المرسلة ثمّ إنّ هذا كلّه فيما تعلّق القطع بالحكم وكان المقصود من جعله وسطا إثبات هذا الحكم المقطوع به وإن أريد به إثبات حكم آخر مرتب على هذا الحكم المقطوع به كما إذا حصل القطع بوجوب فعل وأريد إثبات حرمة ضده أو وجوب مقدّمته فعدم صحّة جعله وسطا حينئذ أنّما هو لاستلزامه تقدم الشّيء على نفسه كما يظهر وجهه من التدبّر فيما يأتي من وجه عدم صحّة إطلاق اسم الحجّة عليه فيما تعلّق بالموضوع وما ذكره المصنف من الأمثلة للقطع بالحكم أنّما هو من هذا القبيل بل مطمح نظره في المقام أنما هو هذا القسم مع القسم الآتي دون القسم الأوّل وأمّا عدم إطلاق اسم الحجّة على القطع فيما كان متعلّقا بالموضوع مع ترتب الحكم الواقعي