بتعذر فرد آخر فيما ثبت حكمها بالعموم الأصولي فلا بد من حملها على المركبات العقلية أو الخارجيّة لأنها هي الّتي ربّما يتوهّم سقوط حكم الباقي بعد تعذر الكلّ قلت إن مجرد موافقة ظاهر كلام الشّارع لحكم العقل وكونه مؤكدا له لا يوجب صرفه عن ظاهره وإلا لوجب إخراج قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وأمثاله ممّا خرج مخرج حكم العقل من ظاهره وهو كما ترى وما تقدّم من عدم حملها على بيان حكم الواجبات التي لا يجمعها رابطة أصلا إنّما هو لأجل كونها حينئذ من قبيل بيان البديهيات الأولية وهو بعيد في الغاية بخلاف حملها على بيان حكم ما تجمع بين أفراده رابطة كما لا يخفى فمقتضى القاعدة حمل كلام الشّارع على حقيقته الخاصّة أو العامة إن لم تكن هنا قرينة على خلافها وإن كانت حقيقته موافقة لحكم العقل وإلاّ فيعمل بمقتضى القرائن اللفظية أو الحالية نعم ربّما يحمل كلام الشّارع على خلاف ظاهره إذا كان ظاهره بيان ما لم يكن بيانه من وظيفة الشّارع كما إذا دار الأمر في كلامه بين حمله على أمر عرفي ليس بيانه من شأنه وحمله على بيان حكم شرعي وكان الأول موافقا لظاهره كلامه وكان اختصاص شأنه ببيان الوظائف الشرعيّة دون الأمور العرفية بنفسه قرينة لصرف كلامه عن ظاهره وما نحن فيه ليس كذلك لأن حمل كلامه مع ما يوافق حكم العقل لا ينافي شأن الشّارع كيف وفي أكثر موارد حكم العقل قد ورد فيه خطاب شرعيّ أيضا مع أنّ منافاة بيان الأمور العرفيّة لوظيفة الشّارع في خبر المنع إذ المقام ربّما يقتضي بيانها أيضا كما هو واضح (قوله) وفيه أولا أنّ السّقوط إلخ حاصله أنّ اللاّزم في كلام الشّارع بل كلام كلّ متكلم أن يؤخذ بظاهر كلامه على ما تساعده حقائق ألفاظه مجردة عن القرائن وعلى ما تقتضيه القرائن إن كانت مكتنفة بها ومبنى المناقشة المتقدّمة حمل الرّواية على بيان عدم سقوط حكم موضوع ميسور بسبب سقوط حكم موضوع معسور وهو من حيث احتياجه إلى التقدير خلاف الظّاهر لأن السّقوط وعدمه في ظاهر الرّواية محمولان على نفس المعسور والميسور لا على حكمهما ولا حاجة إلى التقدير المذكور إذ بدونه يتم الاستدلال بها على المقام وذلك لأنه إذا ثبت وجوب فعل على المكلّف يمكن حينئذ دعوى ثبوت هذا الفعل في ذمّته مع تمكنه منه ولو بنوع من المسامحة العرفية والمقصود من الرّواية أنّ سقوط فعل ثابت في الذّمة بسبب تعذره لا يصير سببا لسقوط الفعل الميسور يعني أن فعل الميسور إذا لم يسقط عند عدم تعسّر شيء فلا يسقط أيضا بسبب تعسّره ولا شك أن هذا الكلام إنّما يقال فيما كان ارتباط وجوب فعل الميسور بالتمكن من فعل المعسور متحققا ثابتا كما فيما نحن فيه أو متوهما كما فيما ذكره المورد من مثال العموم الأصولي لارتباط وجوب الأجزاء الباقية فيما نحن فيه بوجوب الكلّ لانتفاء وجوب المقدمة بانتفاء وجوب ذيها وحيث كان لمتوهم أن يتوهّم سقوط فعل الباقي بتعسّر الكلّ ومثله الكلام في المثال المذكور أراد الإمام عليهالسلام دفع هذا التوهّم بأن فعل الباقي الميسور إذا لم يسقط عند التمكن من الكلّ فلا يسقط عند تعذّر بعض أجزائه لا أنّ حكم الباقي عند التّمكن من الكلّ إذا لم يسقط فلا يسقط عند تعسّر بعض أجزائه حتّى يقال إن حكم الباقي عند التمكن من الكل كان هو الوجوب الغيري من باب المقدّمة وقد ارتفع هذا الحكم بتعسّر الكلّ يقينا والوجوب النّفسي لم يكن ثابتا له عند التمكن من الكلّ حتّى لا يسقط بتعذره كما كان هو مبنى المناقشة على ما تقدّم توضيحه وممّا ذكرناه يندفع توهّم كون سقوط الفعل عبارة عن سقوط حكمه نعم هما متلازمان فتأمّل في المقام فإنّه لا يخلو من دقة بل إشكال نعم يمكن أن يقال في تقريب المقام أن المتبع في مباحث الألفاظ هو الظهور العرفي واعتبار الحقيقة أو قرائن المجاز إنّما هو لأجل مراعاة ذلك لعدم كون حمل الألفاظ على معانيها الحقيقية عند التجرّد عن القرائن وعلى معانيها المجازيّة عند اكتنافها بها أمرا تعبّديا ورد به الشّرع بل قد أنكر بعضهم وجود المجاز من رأس فالمتبع ظهور الكلام في المعنى المقصود بحسب العرف وإن استلزم ذلك ارتكاب نوع مجاز أو مسامحة كما في نسبة السّقوط إلى المعسور فيما نحن فيه ولا ريب أنا لو عرضنا قوله عليهالسلام الميسور لا يسقط إلاّ بالمعسور على أهل العرف لا يفهمون منه إلاّ عدم سقوط الباقي من أجزاء المركب بعد تعسّر الكلّ فلا ينظر بعد ذلك إلى استلزام هذا المعنى للمجازية في بعض مفردات هذا الكلام أو المسامحة في النسبة فتدبّر(قوله) وثانيا أن ما ذكره إلخ حاصله بعد تسليم كون المراد من الرّواية نفي الملازمة بين سقوط حكم موضوع معسور وسقوط حكم موضوع ميسور أن هذا المعنى كاف في إثبات المطلوب لأن أهل العرف لا يفرقون بين الوجوب النفسي والغيري كما تقدّم في توجيه الاستصحاب فنقول إن الأجزاء الباقية حين التمكن من الكلّ وإن كانت واجبة بالوجوب الغيري مقدّمة لوجوب الكلّ إلاّ أن أهل العرف بعد تعسّر بعض أجزائه يقولون إنّ هذه الأجزاء الباقية كانت واجبة حين التمكن من الكلّ ويزعمون بقاء هذا الوجوب بعد تعسّر بعض أجزائه من دون التفات منهم إلى أن الموجود حين التمكن من الكلّ هو الوجوب الغيري والمقصود بالإثبات بعد تعذر بعض أجزائه هو الوجوب النّفسي ولذا يعبّرون عن وجوب الباقي بعد تعسّر بعض أجزائه بالبقاء وعن عدمه بالسّقوط والارتفاع مع أنّ الأوّل عند الدّقة موقوف على كون الثّابت في الزّمان الثّاني عين الموجود في الزمان الأوّل والثاني على كون المرتفع في الزّمان الثاني هو الموجود في الزمان الأوّل وليس كذلك لأنّ الموجود في الزّمان الأوّل هو الوجوب الغيري وفي الزّمان الثّاني هو الوجوب النّفسي وكذلك المرتفع في الزمان الثاني هو الوجوب النّفسي والموجود في الزّمان الأوّل هو الوجوب الغيري وبعد هذه المسامحة يندفع ما تقدم في توضيح المناقشة المتقدّمة من أن صدق السّقوط وعدمه فرع كون السّاقط هو الوجود أوّلا وهو غير صادق فيما نحن فيه لأن ما حكم بثبوته للأجزاء الباقية بعد تعسّر الكلّ هو الوجوب النفسي وما كان ثابتا له حين التّمكن من الكل هو الوجوب الغيري ووجه الاندفاع واضح ممّا ذكرناه هذا كلّه فيما كان المتسامح فيه هو الوجوب وأمّا إذا كان موضوعة بأخذه أعمّ من الواجد لجميع الأجزاء والفاقد لبعضها حتى يكون الباقي بعد تعسّر الكلّ هو الوجوب النّفسي للأجزاء الباقية فالأمر أظهر كما يظهر ممّا ذكرناه هنا وما تقدم في توجيه الاستصحاب (قوله) في دفع دعوى جريان إلخ تقريب هذه الدّعوى أنّه كما لو حملت الرّواية على ما ذكره المورد من بيان نفي الملازمة بين سقوط حكم موضوع معسور وسقوط حكم موضوع ميسور كان معناها لغوا وتوضيحا للواضحات حيث لا يتوهّم أحد الملازمة بينهما فلا بد من حملها على دفع توهم السّقوط في الأحكام المستقلة الّتي يجمعها دليل واحد كما هو مبنى الإيراد المذكور كذلك تلزم اللغوية لو حملت على بيان