من وجوب أو حرمة أو غير ذلك أو لا يستلزم وعدم الاستلزام أيضا إمّا بتجويز حكم الشّارع بخلاف ما حكم به العقل أو بتجويز خلو الواقعة في الواقع عن الحكم رأسا بأن لا يحكم الشّارع فيها بشيء وثانيهما أنّ العقل إذا أدرك الحكم الشّرعي وجزم به فهل يجوز لنا اتباعه ويثبت بذلك الحكم في حقنا أو لا وقال وهذا النّزاع أنّما يتصوّر إذا لم يقطع العقل بالحكم الفعلي بل قطع بالحكم في الجملة بأن احتمل عنده اشتراط فعليّته باستفادته من طريق النّقل وأمّا لو قطع بالتّكليف الفعلي بأن ما أدركه مطلقا غير متوقّف على دلالة سمعيّة عليه فالشّكّ في ثبوته غير معقول ثمّ اختار في المقام الأوّل عدم الملازمة عقلا بين حسن الفعل وقبحه وبين وقوع التّكليف على حسبه ومقتضاه وقال وإنّما الملازمة بين حسن التّكليف بالفعل أو التّرك وبين وقوعه وبعد دعوى كون جهة الفعل من جهات التّكليف فقد يقتضي حسن الفعل أو قبحه حسن التّكليف به أو بتركه وقد لا يقتضي لمعارضة جهة أخرى في التكليف قال هذا إذا أريد بالملازمة الواقعيّة منها ولو أريد بها الملازمة ولو بحسب الظّاهر فالظّاهر ثبوتها وفي المقام الثّاني ثبوت الملازمة في الظّاهر وعدم ما يدلّ على عدمها في الواقع ثمّ بعد إقامة الأدلّة على مختاره في المقامين ذكر من جملة أدلة المنكرين للملازمة قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وبعد ما نقل عن المحقق القمي رحمهالله ما أجاب به عنه من أنّ الآية على تقدير تسليم دلالتها على ما ذكروه ظنيّة وهي لا تصلح لمعارضة ما ذكرناه من الدّليل القطعي فلا بدّ من تأويلها وصرفها عن ظاهرها ونقل عنه وجوه التّأويل قال وهذا الجواب غير مستقيم على إطلاقه وذلك لأنّ استلزام الحكم العقلي للحكم الشّرعي واقعيّا كان أو ظاهريّا مشروط في نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعي عنده من جواز تعويله عليه ولهذا يصحّ عقلا أن يقول المولى الحكيم لعبده لا تعوّل في معرفة أوامري وتكاليفي على ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدّي إليه حدسك بل اقتصر في ذلك على ما يصل منّي إليك بطريق المشافهة أو المراسلة أو نحو ذلك ومن هذا الباب ما أفتى به بعض المحقّقين من أن القطّاع الّذي يكثر قطعه من الأمارات الّتي لا توجب القطع عادة يرجع إلى المتعارف ولا يعوّل على قطعه الخارج منه فإن هذا أنّما يصحّ إذا علم القطاع أو احتمل أن تكون حجّية قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا فيرجع إلى ما ذكرناه من اشتراط حجيّة القطع بعدم المنع لكنّ العقل قد يستقل في بعض الموارد بعدم ورود منع شرعي لمنافاته لحكمة فعليّة قطعيّة وقد لا يستقل بذلك لكن حينئذ يستقل بحجيّة القطع في الظّاهر ما لم يثبت المنع والاحتجاج بالآية على تقدير دلالتها أنّما يقتضي منع حجّيّة القسم الثّاني والجواب المذكور أنّما يقتضي منع دلالتها على القسم الأوّل انتهى كلامه رفع مقامه وحاصل مقصوده من قوله ومن هذا الباب إلخ أن ما أفتى به بعض المحقّقين من عدم جواز تعويل القطّاع على قطعه ووجوب رجوعه إلى المتعارف مبنيّ على ما ذكره من جواز التّعليق في حكم العقل وذلك أنّه إذا كان القطع المتعارف قابلا للتّعليق ولم يمنع العقل من اشتراطه بعدم ثبوت مانع شرعي كما أوضحه بالمثال فالعقل في القطع المتعارف وإن كان حاكما باعتباره في الظّاهر ما لم يثبت المانع إلاّ أنّه في القطع غير المتعارف إذا احتمل المانع يقف عن الحكم باعتباره ولو في الظّاهر لكونه أنزل مرتبة من المتعارف فإذا حكم باعتباره في الظّاهر يقف في غيره لا محالة وأمّا إذا قلنا بعدم قابليّة حكم العقل للتّعليق أصلا وأنّه إذا قطع بشيء يحكم به جزما بحسب الواقع وأنّه لا يحتمل خلاف ما حكم به أصلا فلا معنى إذن لوقوفه في حكم قطع القطّاع لفرض عدم قابليّة حكمه للتّعليق فضلا عن وقوفه عن الحكم إذا قطع بشيء وممّا ذكرناه يظهر وجه ما ذكره المصنف رحمهالله من جعل ما ذكره صاحب الفصول من اشتراط حجيّة القطع المتعارف بعدم منع الشّارع عنه وأنّ العقل حين احتماله يحكم باعتباره في الظّاهر ما لم يثبت المانع توجيها لكلام كاشف الغطاء فإنّ مقصوده من توجيه صاحب الفصول كلامه بما ذكره هو ما ذكرناه من كون مبني كلامه على ما ذكره فلا يتوهّم حينئذ أنّ مقتضى ما نقله المصنف رحمهالله عنه هو حجية القطع ظاهرا ما لم يثبت المانع فكيف يكون ما ذكره توجيها لعدم اعتبار قطع القطاع ومن التّأمّل في كلام صاحب الفصول يظهر أيضا أنّ ما نقله المصنف رحمهالله عنه من المثال أنّما هو تمثيل لتقريب قابلية حكم العقل للتّعليق ولا دخل له في مسألة قطع القطّاع ونقل المصنف رحمهالله له في المقام لكونه تمثيلا لما بني عليه عدم حجيّة قطع القطاع ومقصوده أيضا بيان فساد مبني التّوجيه وذلك أنّه إذا حصل القطع بكون المائع الخارجي خمرا فحينئذ إذا لم نقل باعتبار هذا القطع وقلنا بعدم وجوب الاجتناب عنه فهذا لا يجتمع مع علمنا بكونه خمرا واجب الاجتناب عنه في الواقع إلاّ برفع اليد عن حكم الخمر الواقعي وإلاّ فلزوم التّناقض بين قوله الخمر حرام وبين قوله لا تعمل بمقتضى قطعك واضح لا يعتريه شك أصلا وهكذا الكلام في غيره من الموضوعات ونحوه الكلام في الأحكام الكلّيّة أيضا فإنّه إذا قطعنا بقول الشّارع اجتنب عن الخمر فهو لا يجتمع مع قوله لا تعمل في أوامري وتكاليفي بما تقطع به من قبل عقلك واقتصر فيها بما وصل إليك من طريق السّمع إلاّ بالتزام تقييد التّكاليف الواقعيّة بوصولها بطريق سمعيّ وإلاّ فلزوم التّناقض فيها أيضا واضح وأمّا ما ذكره من المثال فهو كما ذكره المصنف رحمهالله واضح الفساد يظهر وجهه ممّا قدّمناه نعم يصح منع المولى عبده من العمل بقطعه في مثل المثال بوجوه لا دخل لها فيما نحن فيه وذلك أنّ قول المولى لعبده لا تعوّل في أوامري إمّا أن يقول له ذلك قبل حصول القطع له أو بعده فعلى الأوّل يصحّ ذلك إما بأن يكون مقصوده بذلك بيان تقييد مراداته في الواقع بما وصل إليه بطريق المراسلة أو المشافهة فما قطع به ليس بداخل في مراده أصلا وإمّا بأن يكون المقصود بيان النّهي عن الدّخول في المقدّمات المحصلة للقطع لكثرة الخطاء في المقدّمات العقليّة لا أنه بعد عصيانه ودخوله