الشّكّ في عدد ركعات الصّلاة من باب الموضوعيّة دون الطّريقيّة قلت إنّ وجه كون ما ذكر قرينة لإرادة الاحتمال الثّاني أنّما هو باعتبار أن ذكره في سياق كثير الشّكّ يقتضي إرادة عدم اعتبار قطع القطاع في عدد ركعات الصّلاة ولا ريب أنّ القطع بالرّكعات أنّما هو من باب الطريقيّة دون الموضوعيّة ويؤيّده قوله فبلغوا اعتبارهما في حقّه فإنّه لو كان مراده القطع المأخوذ من باب الموضوعة دون الطّريقيّة كما في الشهادة والفتوى لا يبقى وجه لعدم اعتباره في حقّ القاطع إذ لا إشكال في أنّه إذا حصل القطع للشاهد أو المفتي من الأسباب غير المتعارفة كان معتبرا في حقّهما وإن لم يجز للغير قبول شهادة مثل هذا الشّاهد وتقليد مثل هذا المفتي ولذا لا يجوز للأوّل التّصرف في المال الّذي قطع بكونه لزيد وللثّاني تقليد غيره فإذا تعيّن إرادة الاحتمال الثّاني فقد ذكر المصنف فيه وجوها ثلاثة أقربها إلى الإرادة هو الأوّل وفيه أيضا وجوه أخر أحدها وهو ما فهمه صاحب الفصول من كلامه كما ستعرفه أن يريد بقوله فيلغو اعتبارهما في حقّه وجوب رجوعه إلى المتعارف بمعنى أنّ القطاع إذا قطع بشيء من سبب فإن كان السّبب من الأسباب المورثة للقطع للمتعارف من النّاس إذا حصلت عندهم على النّحو الّذي حصلت عنده يعمل حينئذ بقطعه وإن كان من الأسباب التي تورث الظّنّ للمتعارف منهم يبنى على حكم الظّنّ وإن كان ممّا لا يورث شيئا منهما يعمل بحكم الشّاك ممّا تقتضيه الأصول والقواعد وكذلك لو لم يكن هنا متعارف بأن كان ممّا يورث القطع لبعضهم والظّن لآخر والشّكّ لثالث وثانيها أن يريد إلغاء القطع وملاحظة السّبب في نفسه بأن يفرض نفسه جاهلا ثمّ يلاحظ السّبب في حدّ ذاته فإن كان ممّا يفيد القطع في نفسه أو الظّنّ أو لا يفيد شيئا منهما يعمل بمقتضاه والفرق بينه وبين سابقه واضح بالتّأمّل وثالثها أن يريد الجمع بين مقتضى قطعه ومقتضى الأصول والقواعد المقرّرة للشّاك ولعلّ الوجه الأوّل أقرب من الوجوه التي ذكرها المصنف رحمهالله وكيف كان فعلى تقدير إرادة أحد هذه الوجوه يرد عليه ما أورده المصنف ره على الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرها للاحتمال الثّاني إذ لا يعقل تكليف القاطع بخلاف قطعه إلا برفع اليد عن الواقع المقطوع به وإلاّ يؤدي إلى التّناقض مضافا إلى ما يرد على الثّالث من لزوم الجمع أحيانا بين الضّدّين أو النّقيضين في مقام العمل كما إذا قطع بحرمة شيء وكان مقتضى الأصول والقواعد وجوبه (قوله) فلأن أدلّة اعتبار الظّنّ إلخ لا فرق فيه بين كون المراد من الظّنّ هو المأخوذ من باب الموضوعيّة وبين المأخوذ من باب الطريقيّة على وجوهها الثّلاثة ولذا لم يردّد الأمر فيه بين هذه الوجوه (قوله) إنّه حين قطعه كالشّاك إلخ بأن يكون مقصوده من لغوية قطع القطّاع وجوب رجوعه إلى الأحكام المقرّرة للشّاك (قوله) بالبناء على أنّه إلخ متعلّق بقوله يحكم أي كيف يحكم على القاطع بأنّه صلّى ثلاثا بالبناء(قوله) ليرتدع بنفسه المراد ارتداعه عن العمل بقطعه (قوله) بل كل من قطع بما يقطع إلخ الفعل الأوّل مبنيّ للفاعل والثّاني للمفعول وفي قوله بخطائه فيه تنبيه على اختصاص لغويّة قطع القطّاع بمعنى وجوب ردعه عنه من باب الإرشاد بأحد الوجهين الّذين ذكرهما بصورة العلم بالمخالفة إذ لا وجه له مع العلم بالموافقة أو الشّكّ فيها(قوله) في الجملة إلخ قيد للأموال والمقصود منه الاحتراز عن المحقّرات ويحتمل كونه قيد الوجوب الرّدع في الأموال والمقصود منه حينئذ الاحتراز عن وجوبه لغير الحاكم الشّرعي والخلاف واقع في المقامين فليطلب من الفقه (قوله) ممّا يتعلّق بحقوق الله سبحانه إلخ كمن قطع بكون مائع ماء فأراد شربه وهو خمر في الواقع (قوله) وإن أريد بذلك أنّه بعد انكشاف الواقع إلخ يعني أنّه إن أريد بعدم اعتبار قطع القطّاع أنه بعد تبيّن مخالفة قطعه للواقع لا يجزي ما أتى به على طبقه عن الواقع فهو حقّ في الجملة لأنّ تكليفه حين العمل إن كان مجرّد الواقع من دون مدخليّة للاعتقاد في ثبوت الحكم فالمأتي به على طبق الاعتقاد المخالف للواقع لا يجزي عن الواقع إلاّ أن تخصيص الحكم حينئذ بالقطّاع لا وجه له إذ القطّاع وغيره سواء فيه وإن كان للاعتقاد مدخل في ثبوت الحكم كما في أمر الشّارع بالصّلاة إلى ما يعتقد كونه قبله فحينئذ يصحّ تخصيص الحكم بالقطّاع وذلك أنّهم قد ذكروا أنّ المصلّي إذا صلّى إلى جهة معتقدا بكونها قبلة ثمّ تبيّن خلاف ما اعتقده لم يعد ما وقع من صلاته بين المشرق والمغرب فغير القطّاع وإن لم يجب عليه الإعادة حينئذ إلا أن القطّاع يجب عليه الإعادة ولا يذهب عليك أنّ صورة مدخليّة الاعتقاد وإن كانت خارجة من محلّ الكلام إذ الكلام أنّما هو في بيان شقوق صورة اعتبار قطع القطّاع من باب الطّريقيّة دون الموضوعيّة إلاّ أن ذكرها أنّما هو لمجرّد تتميم موارد عدم إجزاء عمل قطع القطّاع مع انكشاف الواقع وإنّما قيد حقيّة ما ذكره بقوله في الجملة احتراز عن صورة مدخليّة الاعتقاد في ثبوت الحكم كما عرفت ثمّ إنّه قد ظهر ممّا حقّق المصنف رحمهالله به المقام أنّ الكلام في حكم القطّاع يقع في مقامات أحدها حكمه من حيث عمله بقطعه وثانيها معاملة الغير معه من حيث ردعه عن قطعه وتنبيهه على خطائه في قطعه من باب الإرشاد سواء تعلّق قطعه بحقوق الله تعالى أم بحقوق النّاس وعلى الثّاني بالنّفوس أو الأعراض أو الأموال أو غيرها وثالثها حكم عمله مع انكشاف مخالفة قطعه للواقع من حيث الصّحة والفساد في المعاملات ووجوب الإعادة والقضاء أو عدمهما في العبادات وقد ظهر أحكام الجميع ممّا ذكره في المقام فتدبّر قوله ثمّ إنّ بعض المعاصرين إلخ المراد من بعض المعاصرين هو صاحب الفصول ولا بأس بأن نذكر كلامه ثمّ نعقبه بما يناسب المقام فنقول إنّه قدسسره قد قرّر محلّ النّزاع في مسألة الملازمة بين حكم العقل والشّرع في مقامين أحدهما وهو المعروف أنّ العقل إذا أدرك جهات الفعل من حسن أو قبح وحكم بوجوبه أو حرمته أو غير ذلك فهل يكشف ذلك عن حكمه الشّرعي ويستلزم أن يكون قد حكم الشّارع أيضا على حسبه ومقتضاه