التكليف بالأكثر إن كان هو الواجب في الواقع لانحلال العلم الإجمالي فيه إلى شك بدوي في الأكثر وعلم تفصيلي في الأقلّ كما قرّره المصنف رحمهالله وبالجملة أنّ المكلّف به مع فقدان النّص فيما نحن فيه مردّد بين أمرين أعني الأكثر والأقل والعلم الإجمالي بوجوب أحدهما منحل إلى شكّ بدوي وعلم تفصيلي ومع إجمال النصّ متعلّق بعنوان واقعي وهو تحصيل مراد الشّارع من الخطاب الصّادر عنه ومصداق المراد مردّد بين الأقل والأكثر والقول بالبراءة في الأوّل لا يستلزمها في الثّاني نظير ما عرفته من الشبهة المصداقية وحاصل الجواب منع كون التّكليف متعلقا بمفهوم لفظ المراد من الخطاب حتى يكون من قبيل التكليف بالمفهوم المبيّن المشتبه المصداق لأن الألفاظ إنّما وضعت للمعاني الواقعيّة من حيث هي لا من حيث كونها مرادة للشّارع كيف لا وهو غير معقول لتأخر القصد والإرادة عن مقام الوضع فلا يعقل أخذه فيه فمداليل الألفاظ هي المعاني الواقعية من حيث هي والألفاظ كاشفة عنها فقول الشّارع أقيموا الصّلاة يفيد إرادة وجوب الصّلاة الواقعيّة من المكلّفين لا وجوب ما هو مراد للشّارع بوصف كونه مرادا حتّى يقال بتردد مصداق المراد فيجب فيه الاحتياط وإن كان تردده بين الأقل والأكثر فالإرادة إنّما عرضت على ما تنجز التكليف به في الواقع لا أنّ المكلّف به هو المراد الواقعي والفرق بين كون المكلف به الواقعي مرادا وكون المراد مكلفا به واضح وما نحن فيه من قبيل الأوّل دون الثّاني والسّؤال إنّما يتجه على الثاني دون الأوّل وبالجملة أنّ المكلّف به وما أراده الشّارع من المكلّف هو نفس الواقع من حيث هو والألفاظ كاشفة عنه ولا ريب أنّه لا فرق في إثبات هذا المعنى بين كون الكاشف عنه هو الخطاب اللّفظي كما فيما نحن فيه أو الإجماع مثلا كما في مسألة فقدان النّص فالقول بالبراءة أو الاحتياط في إحداهما يستلزم القول به في الأخرى وهو واضح وما ذكرناه يظهر منشأ التوهّم الّذي نقله المصنف رحمهالله واندفاعه أمّا الأوّل فإنّه قد توهم بعضهم عدم جواز التّمسك بأصالة البراءة على القول بوضع أسامي العبادات على الماهيات الصّحيحة بل وعلى القول باستعمالها فيها أيضا وإن قلنا ببقائها على المعاني اللغوية لما أشرنا إليه سابقا من تأتي النّزاع بحسب الاستعمال أيضا لأنّه إذا كان الموضوع له أو المستعمل فيه هي الماهية الصّحيحة يكون المكلّف به هي العبادة الصّحيحة في الواقع ومفهوم الخطاب من هذه الجهة مبيّن فإذا ترددت العبادة المأمور بها بين الأقل والأكثر لأجل الشكّ في بعض أجزائها أو شرائطها يقع الشّكّ في مصداق هذا المفهوم المبيّن وأنّه هو الأكثر أو الأقلّ فيجب الإتيان حينئذ بما يقطع بكونه صحيحا في الواقع وهو الأكثر كما سيجيء في المسألة الرّابعة وأمّا الثّاني فإن المكلّف به ليس هو مفهوم الصّحيحة بل مصداقه الخارجي وما ذكرت إنّما يتم على الأوّل دون الثّاني لأن الموضوع له لفظ الصّلاة هو الأجزاء الخارجة المرددة بين التّسعة والعشرة مثلا لا مفهوم الصّحيحة فإن قلت كيف يفرض وضع اللّفظ لمصداق الصّحيحة والصّحة متأخرة عن الوضع والأمر والامتثال لأنّها بمعنى موافقة الأمر أو إسقاط القضاء فلا يعقل أخذها في مفهوم اللّفظ وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه قلت تحقيق الكلام في ذلك محرّر في مبحث الصّحيح والأعمّ ومحصّله أن المقصود من الصّحة في قولهم أسامي العبادات موضوعة للصّحيحة أو الأعمّ ليس هو المعنى المذكور لعدم تعقله كما عرفت بل المقصود منها هناك كون الماهية على النّحو الّذي قرّرها الشّارع عليه من الترتيب بين أجزائها واشتمالها على كيفيّاتها الحاصلة من الشّرائط وهذه الماهيات إذا تعلق الأمر بها وأتي بها على ترتيبها وكيفياتها تتّصف بالصّحة بالمعنى المصطلح عليه (قوله) وأمّا الثاني إلخ لا يذهب عليك أنّ الملازمة الثانية في كلام المصنف رحمهالله هو عدم وجوب الاحتياط على القول بالأعمّ وهو أعمّ من أن يكون ذلك لأجل أصالة البراءة عن المشكوك فيه من الأجزاء والشرائط أو لأجل إطلاق أسامي العبادات على هذا القول وقد حمله المصنف رحمهالله على الثّاني ولذا اقتصر في الإيراد على هذه الملازمة بالمنع من جواز التمسّك بإطلاقات العبادات ولعلّه مبني على حمل أصالة البراءة في كلام من جعل ثمرة القول بالأعم جواز التمسّك بها كما حكي عن الوحيد البهبهاني على المسامحة بإرادة ما يوافقها وهو الإطلاق لغاية بعد إرادة ظاهرها لوضوح توقف جريان الأصول العملية في مورد على عدم دليل اجتهادي فيه لحكومته أو وروده عليها وإطلاق الألفاظ أو عمومها معدود في الأدلّة الاجتهاديّة وقد أوضحه المصنف رحمهالله في أوّل هذا المقصد من مقاصد الكتاب (قوله) وأمّا القدر الذي إلخ هذا القدر على ما زعمه المحقّق القمي هو الأركان وعند الفاضل الأصبهاني معظم الأجزاء(قوله) لأن الفاسد ما خالف إلخ لا يخفى أن الفاسد بهذا المعنى لا يعقل أن يكون مأمورا به لأن الفساد بهذا المعنى مترتب على مخالفة الأمر فهو متأخر عنه فكيف يعقل تعلق الأمر به وإلاّ لزم تقدّم الشيء على نفسه وحينئذ لا معنى لدعوى الإجماع والضرورة على عدم كون الفاسد مأمورا به لأن مقتضاه دعوى الإجماع والضرورة على كون المأمور به صحيحا أعني الصّحّة بمعنى موافقة الأمر وهو غير معقول كما يظهر بمقايسته على ما ذكرناه ونبهنا عليه سابقا والأولى أن يدعى الإجماع على كون المأمور به محبوبا عند الشّارع أو على كون المراد به هو الجامع لجميع الأجزاء والشرائط المعتبرة عنده وهذا أيضا مراد من ادعى عدم كون الفاسد مأمورا به بل ما ذكره من الجواب أيضا يبتني على ما ذكرناه لعدم تماميته على تقدير دعوى كون المراد بالمأمور به مصاديق الصّحيح بمعنى موافق الأمر كما يظهر بالتدبّر فيما قدمناه (قوله) فقد ثبت إلخ يعني ثبت تقييد الصّلاة بقيد عام جامع لجميع القيود التي لها مدخل في تحقق المأمور به فتكون ألفاظ العبادات مجملة بالعرض نظير القول بالصّحيح إلا أنّ الإجمال على الأوّل يكون عرضيا كما عرفت وعلى هذا القول ذاتيا وهذا المقدار غير مجد إذ المأمور به على التقديرين هو عنوان الصّحيحة فمع الشكّ في بعض الأجزاء أو الشرائط تقع الشبهة في مصداق الصّحيحة وأنّه هو الأكثر أو الأقلّ ويظهر اندفاع هذا التوهم ممّا تقدّم في دفع التوهم السّابق في كلام المصنف رحمهالله وحاصله كما أشار إليه هنا منع اقتضاء تقييد المراد بالصّحة لكون المأمور به هو عنوان الصّحيحة بل غايته كون المأمور به مصاديقها الخارجة لأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية فإذا قال الشّارع أقيموا الصّلاة وثبت كون المراد هي الصّحيحة يعني الجامعة للأجزاء والشّرائط فمقتضى هاتين القضيتين كون المأمور به هي الصلاة الجامعة للأجزاء والشرائط فإذا شك في اعتبار جزء أو شرط فيها فمع صدق عنوان الصّلاة على الخالية من هذا المشكوك فيه أعني الأجزاء والشرائط الثابتة من الأدلّة كما هو مقتضى القول بالأعمّ ثبت بمقتضى صدق الإطلاق بضميمة أصالة عدم قيد آخر كون الخالية منه صلاة صحيحة بالمعنى المتقدّم فإن قلت إنّه لا ريب