من العمل بأصالة البراءة في مواردها كذلك الدّخول في المقامات المفضية إلى خلاف الواقع كثيرا نعم لو فرض إمكان تحصيل القطع بمناطات الأحكام في كثير من موارد الفقه أمكن حينئذ دعوى غلبة مخالفته للواقع فيكون ذلك محذورا في نفسه مانعا من الاقتحام في المقدّمات العقليّة كما أن غلبة مخالفة الأصول للواقع مانعة من العمل بها كما سيجيء في مقدّمات دليل الانسداد ولكن قد عرفت منع إمكان تحصيل القطع بمناط الحكم من طريق العقل في أغلب الفقه وإن موارد إمكانه نادرة جدّا ومعه فالعلم بالمخالفة فضلا عن غلبتها غير حاصل كما أنّ العمل بالأصول في صورة الانسداد لأجل العلم بغلبة مخالفتها للواقع غير جائز بخلاف العمل بها في موارد فقد الظّنّ والعمل به في موارده فالبحث مع المصنف رحمهالله أنّما هو بحسب الصّغرى دون الكبرى وأمّا الأخبار فالمنساق منها كما اعترف به في أوّل كلامه هو الرّكون إلى العقول النّاقصة الظّنيّة على ما كان متعارفا في ذلك الزّمان من العمل بالأقيسة والاستحسانات من غير مراجعة حجج الله سبحانه بل في مقابلتهم وربّما كان في صحيحة أبان شهادة بذلك وذلك أنّ ما يصلح للتّوبيخ عليه في موردها أمور أحدها طرح أبان للرّواية الظّنيّة بمخالفة عقله كما يشهد به قوله مهلا يا أبان فهذا حكم رسول الله إلخ ولكن هذا أنّما يصحّ إمّا مع كون حكم عقله ظنيّا ليصحّ التّوبيخ على طرح الرّواية المعتبرة بمجرّد مخالفتها للظنّ غير المعتبر وإمّا مع كون الغرض من التوبيخ على طرح الرّواية المعتبرة هو التّوبيخ على الخوض في المقدّمات المؤدية إلى ذلك لأجل حصول القطع منها الموجب لطرح الرّواية المعتبرة إذ لا يصحّ التّوبيخ على العمل بنفس القطع والأوّل أظهر إذ مورد السّؤال في الرّواية ليس ممّا يحصل منه القطع بمناط الحكم لكلّ أحد أو لأغلب النّاس بأن يقطع بأن قطع كلّ إصبع علة لثبوت عشرة من الإبل مطلقا لجواز اشتراطه بعدم انضمانه إلى ما يوجب البلوغ إلى ثلث دية الرّجل كما ذكره الإمام عليهالسلام غاية الأمر حصول الظنّ بعدم الاشتراط مع أنّ عدم العلم بوجود الشّرط للحكم لا يستلزم العلم بالعدم لا يقال إن قوله فقلنا إنّ الّذي جاء به شيطان صريح في كون أبان قاطعا بمناط الحكم فلا بدّ حينئذ من حمل توبيخ الإمام عليهالسلام على الاقتحام في المقدّمات لأنّا نقول نمنع الصّراحة بل الظّهور أيضا إذ يصحّ أن يقال ذلك مع حصول الظنّ القويّ سيّما مع كون الطّباع مجبولة على العمل بالظنّ هذا كلّه مضافا إلى قوله يا أبان أخذتني بالقياس إلخ فإن الظّاهر منه الأخذ بالقياس الظنّي لأنّه الغالب المتداول في تلك الأزمنة مع أنّ ما ذكره من المحذور في العمل بالقياس من انمحاق الدّين منتف في العمل بالقطع بمناطات الأحكام لقلّة موارده كما عرفت وثانيها استبعاد أبان ممّا حكم به الإمام بمجرّد مخالفة عقله كما يشهد به قوله سبحان الله يقطع ثلاثا إلخ وهذا أيضا أنما يصحّ مع أحد الوجهين الّذين عرفت أظهرهما وثالثها كونه مع الإمام عليهالسلام في صدد التّكلم والجواب ولكنّه خلاف ظاهر الرّواية فقد تحصل ممّا ذكرناه أنّ الأظهر بالنّسبة إلى فقرات الرّواية وموردها كون التّوبيخ إما على ردّ الرّواية الظنّية أو على استبعاده ممّا حكم به الإمام بمجرّد مخالفتهما للقياس الظّنّي الّذي استنبط مناط الأصل فيه بحسب عقله واستشهاد الرّواية للمنع من الاقتحام في الدّخول في المقدّمات العقليّة لتحصيل القطع بمناطات الأحكام لا بدّ فيه من إرجاع التّوبيخ على أحد الأمرين إلى التوبيخ على الدّخول في المقدّمات بناء على استفادة كون أبان قاطعا بمناط الحكم كما أشرنا إلى وجهه ولعلّ هذا هو الوجه في إرجاع التّوبيخ على أحد الأمرين إلى المقدّمات (قوله) رواية أبان بن تغلب في الخلاصة بالتّاء المنقوطة فوقها نقطتين المفتوحة والغين المعجمة السّاكنة إلى أن قال وقال له الباقر عليهالسلام اجلس في مسجد المدينة وأفت النّاس فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك ومات في حياة أبي عبد الله عليهالسلام فقال الصّادق عليهالسلام لما أتاه نعيه أمّا والله لقد أوجع قلبي موت أبان انتهى (قوله) المرأة تعاقل الرّجل إلخ أي توازنه والعقل الدّية وأصله أنّ القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدّية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول أي شدّها في عقلها ليسلمها إليهم ويقبضونها منه فسمّيت الدّية عقلا بالمصدر عقل البعير يعقله عقلا والجمع عقول وكان أصل الدّية الإبل فقومت بعد ذلك بالذّهب والفضّة والبقر والغنم وغيرها وقيل سمّيت بذلك لأنّها تعقل لسان وليّ المقتول أو من العقل وهو المنع لأنّ العشيرة كانت تمنع القاتل بالسّيف في الجاهليّة ثمّ منع منه الإسلام بالمال ذكر ذلك كلّه الشّيخ الطّريحي (قوله) قد اشتهر في السّنة المعاصرين إلخ منهم صاحب الجواهر ولا يذهب عليك أنّ المراد بالقطاع ليس من كثر قطعه كما أنّ المراد من الشكّاك من كثر شكّه بل المراد منه من كان سريع القطع بأن يحصل له القطع من الأسباب الّتي لا تورث القطع لمتعارف النّاس لو وجدت عندهم على النّحو الّذي حصلت عند هذا الشّخص وقد أشار المصنف رحمهالله إلى هذا المعنى عند بيان عدم اعتبار ظنّ الظّنان فهو مقابل ذي الوسواس الّذي لا يحصل له القطع من الأسباب المتعارفة والوجه فيما ذكرناه من عدم كون المراد منه من كثر قطعه أنّ المناط في الخروج عن متعارف النّاس هو ما ذكرناه لا مجرّد كثرة القطع وإن كان التلازم بينهما غالبا ثمّ إنّ الاحتمالات التي احتملها المصنف في كلام كاشف الغطاء أنّما هي لمجرّد بيان شقوق المسألة وعدم السّرعة إلى تخطئة العلماء وإلاّ فالّذي ينبغي حمل كلامه عليه هو الاحتمال الثّاني على احتماله الأوّل ممّا احتمله فيه كما استظهره المصنف رحمهالله في الجملة بنفيه الاحتمال الأوّل بقوله لكنّ ظاهر كلام من ذكره في سياق كثير الشّكّ إرادة غير هذا القسم فإن قلت إن ذكره في سياق كثير الشّكّ يؤيّد إرادة الاحتمال الأوّل فإنّ