علة تامّة لحكم العقل بعدم وجوبه أنه لا حاجة معه إلى إحراز كون المكلّف به هو الأقل كما أوضحناه عند شرح قوله ترك الجزء عين ترك الكلّ ثم قال هذا تحقيق ما أدى إليه نظري سابقا والّذي أدّى إليه نظري لاحقا فساد هذا الوجه واستدلّ عليه بوجوه يرجع بعضها إلى منع شمول الأخبار المذكورة لأحكام الوضع مطلقا وبعضها إلى منع شمولها لنفي الجزئية والشّرطية وما يجري مجراهما أحدها أن الظّاهر من أخبار الوضع والرّفع وما في معناهما إنّما هو وضع المؤاخذة والعقوبة ورفعهما فيدلّ على رفع الوجوب والتّحريم الفعليين في حقّ الجاهل خاصّة دون غيرهما وحملهما على رفع نفس الحكم وتعميمه إلى حكم الوضع بعيد عن سياقها أقول وأظهر من حديث الرّفع والوضع في عدم الشّمول لحكم الوضع قوله عليهالسلام كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي وثانيها إطباق الأصحاب على عدم دوران أحكام الوضع من الأحداث والطّهارة والنجاسة والملكية والضمان والخيارات ونحوها مدار العلم والبلوغ وعمومها للجاهل والصّبي والمجنون ودعوى كون العموم ثابتا بالإجماع في الموارد الخاصّة فلا يصلح ذلك ضابطة في المقام فاسدة جدّا وثالثها أنّ مرجع وضع جزئية الجزء وشرطية الشرط إلى وضع المركّب منه ومن غيره وإلى وضع المقيد به ولا يتغايران إلاّ بالمفهوم فمرجع أصالة عدم الجزئيّة والشّرطية في المشكوك فيهما إلى أصالة عدم وضع الكلّ والمشروط وهي غير جارية في المقام لأنّ أصالة عدم وضعهما بمرتبة أصالة عدم وضع الأقلّ والمطلق مع العلم بوضع أحد الأمرين من الأكثر والأقل وكذا المقيّد والمطلق فيتعارضان ويتساقطان ويوضحه ما تقدم من المصنف رحمهالله من كون الكلّ عين أجزائه لأنّ مقتضاه كون وضعه أيضا عين وضعها ورابعها مع تسليم مغايرتهما بغير المفهوم أيضا أنّ الجزئية والشرطية اعتباران عقليان منتزعان من وضع الكلّ والمقيّد وعدّهما من الحكم الشرعي مبني على مراعاة هذا الاعتبار فلا ينصرف الوضع والرفع في الأخبار إليهما ومرجع هذا الوجه إلى منع كون الجزئيّة والشّرطيّة من الأحكام الوضعيّة المجعولة وعدّهما منها من باب المسامحة وثالثها مع تسليم كون المنتزع عقلا من الوضعي وضعيا أنه لا ريب أنّ الجزئيّة كما تنتزع من اعتبار الجزء في الكلّ والشرطية من اعتبار الشرط في المشروط كذلك عدم الجزئية والشّرطية يمكن انتزاعهما من عدم اعتبار شيء شطرا أو شرطا فلا بدّ أن يكون عدمهما من أحكام الوضع أيضا فيتعارض أصالة عدم الوضعين حينئذ في مشكوك الجزئيّة والشرطية للعلم بأحدهما إجمالا وهذا كلّه على القول بكون الأحكام الوضعيّة مجعولة للشارع كما اختاره جماعة ومنهم صاحب الفصول وأمّا على القول بكونها منتزعة من الأحكام الطلبيّة كما هو المشهور واختاره المصنف رحمهالله فالأمر أوضح ثم إنّ مراد المصنف رحمهالله بمنع العموم في المقام يحتمل أن يكون هو الوجه الأوّل ويحتمل أن يكون يريد به منع اشتمال أخبار البراءة على أداة العموم على وجه تشمل نفي حكم الوضع أيضا لأنّ ما يمكن أن يستدلّ به عليه مثل خبر الوضع والحجب لا عموم فيه بناء على عدم وضع الموصول له فغايته الإطلاق غير المنصرف إليه وما فيه أداة العموم مثل قوله عليهالسلام كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي غير شامل له أصلا لصراحته في الشبهة التّكليفية (قوله) لم يستندوا في الأصلين المذكورين إلخ لا يخفى أنّ ظاهر كلام صاحب الفصول كون أصل العدم وعدم الدّليل أصلا واحدا يعبّر عنه تارة بهذا وأخرى بذلك بل كلامه في الفصول كالصّريح في ذلك وصريح المصنف ره كونهما أصلين مختلفي السّند وهو كذلك فلاحظ نهاية العلامة لأنه قدسسره عقد مبحثا في الاستدلال بعدم الوجدان على عدم الوجود وقال وهذه الطريقة عوّل عليها بعض الفقهاء وتقريره أنّ الحكم الشّرعي لا بدّ له من دليل وهو إمّا نصّ أو إجماع أو قياس ولم يوجد واحد من هذه الثلاثة فلا يكون الحكم ثابتا ثم عقد مبحثا آخر في تقرير أدلة يمكن التّمسك بها في الأحكام الشرعية وقال الحكم المطلوب إثباته إن كان عدميّا أمكن أن تذكر فيه عبارات ثم ذكر له ثمان عبارات مختلفة المبنى والجامع بين هذه العبارات أصالة العدم وفي الوافية بعد أن ذكر أصالة النفي أعني أصالة البراءة قال اعلم أنّ هنا قسما من الأصل كثيرا ما يستعمله الفقهاء وهو أصالة عدم الشيء وأصالة عدم تقدم الحادث بل هما قسمان ثم ذكر بعد ذلك التمسّك بعدم الدّليل وقال فيقال عدم الدّليل على كذا فيجب انتفاؤه ثم اختار فيه التّفصيل بينما يعمّ به البلوى وغيره ثم إنّ المستند لقاعدة عدم الدّليل هو قضاء العادة بعد الفحص عن الدليل من مظانه بوجوده لو كان موجودا في الواقع كما صرّح به كلّ من تعرّض لها وأمّا أصالة العدم فلم أر من صرّح بمستندها إلاّ العلاّمة لأنه قد قرّرها بوجوه وأظهر لكل وجه وجها ضعيفا ويمكن أن يكون المستند فيها استصحاب العدم أو بناء العقلاء على العدم عند الشّكّ في وجود شيء ويؤيّده تمسّكهم بها في مباحث الألفاظ عند الشك في وجود القرينة الصارفة أو حصول النقل أو الاشتراك لأنّ مبنى أصالة عدم هذه الأمور أحد الوجهين المذكورين ثم إن الفرق بين مؤدّاهما أن مؤدى الأولى نفي الحكم الواقعي بخلاف الثّانية قال في الوافية والظاهر أنّ الفقهاء يستدلون بهذه الطّريقة يعني طريقة معنى عدم الدّليل على نفي الحكم الواقعي والظاهر أن مراده بنفي الحكم الواقعي تقية على سبيل القطع وحينئذ يحتمل أن يراد بأصالة العدم نفي المشكوك فيه في الواقع ظنّا أو في الظاهر قطعا أو الظاهر أن المراد هو الأوّل ويحتمل أن يكون أصل العدم أعمّ لجريانه في الأحكام والموضوعات الخارجة ولذا يتمسّك به كثيرا في مقام الشّكّ في وجود القرينة ونحوها بخلاف قاعدة عدم الدليل لعدم جريانها في الموضوعات الخارجة كما صرّح به صاحب الفصول عند بيان الفرق بينها وبين أصالة البراءة كما ستعرفه ثم إن كلماتهم في رجوع هذه القاعدة إلى أصالة البراءة أو كونها قاعدة مستقلة مختلفة قال الشّهيد في الذّكرى لا دليل على كذا فينتفي وكثيرا ما يستعمله الأصحاب وهو تام عند التتبع التّام ومرجعه إلى أصل البراءة وفي الفصول أن النّسبة بينهما عموم من وجه وقد تقدّم ذلك عند شرح قول المصنف رحمهالله فلو لا عدوله عنه إلى آخره وفي الوافية والظاهر أنّ الفقهاء يستدلون بهذه الطّريقة يعني طريقة عدم الدليل على نفى الحكم الواقعي وبأصالة البراءة على عدم تعلق التّكليف وإن كان هنا حكم في نفس الأمر واستدل الشيخ بهذه القاعدة على عدم انتقاض التيمّم بوجدان الماء في أثناء الصّلاة وهو دليل على مغايرتها لكلّ من أصالة البراءة والاستصحاب لعدم كون مثال التيمم موردا لشيء منها لأنّ الشّكّ فيه إنما هو في الحكم الوضعي أعني انتقاض التّيمم بوجدان الماء فالمتعيّن حينئذ استصحاب بقاء التيمم وعدم انتقاضه بوجدان الماء إلاّ أنّ الشيخ لا يقول بحجيته فلا بد أن تكون هذه القاعدة عنده مغايرة لهما