ونقل فيه أقوال وعن شيخ الأشاعرة التوقّف فيه بعد التّنزل عن أصله والثّالث هو محلّ الكلام بين الأخباريين والمجتهدين وقد عرفت من كلام شارح الوافية الّذي نقلناه عند بيان السّؤال الّذي أورده المصنف رحمهالله أنّه منكر لاعتبار إدراك العقل في هذا المقام وهو المنساق من مصبّ كلمات غيره أيضا سيّما من علل عدم جواز الاعتماد على حكم العقل بكثرة وقوع الخطإ في المقدّمات العقليّة كالمحدّث الأسترآبادي والمحدّث الجزائري حيث استحسن مقالته وهم لا ينكرون المقام الأوّل ولذا لم يعدّوهم من المخالفين في المقام الأوّل ويحتمل كلام المحدّث الأمين الأسترآبادي والجزائري والبحراني في نفي حكم العقل للخلاف في المقام الثّاني بأن ينكروا الملازمة بين حكم العقل والشّرع لا اعتبار حكم العقل بعد إدراكه لحكم الشّرع كما هو محلّ الكلام في المقام الثّالث ولكنّه على تقديره ضعفه مقرّر في محلّه وكلامنا في المقام مع الأخباريين أنّما هو في المقام الثّالث وإلاّ لم يحسن للمصنف رحمهالله تجديد عنوان للبحث في حجيّة القطع بل كان إيكال الأمر إلى ما ذكروه في مبحث الملازمة أولى لعدم كون المقام مناسبا للتّكلم فيها فعلى تقدير كون خلافهم في المقام الثّالث قد عرفت عند بيان السّؤال الّذي أورده المصنف رحمهالله أن في كلامهم وجوها ثلاثة بل أربعة أحدها إرادة تقيّد الأحكام الواقعيّة بالسّماع عن الصّادقين عليهماالسلام وثانيها تقيّد تنجزها بصدور الخطاب عن الحجج المعصومين عليهمالسلام وثالثها تقيّد تنجزها ببلوغ الخطاب الصّادر منهم إلى المكلّفين ورابعها إلغاء إدراك العقل لحكم الشّارع رأسا من دون التزام تقيّد نفس الأحكام الواقعيّة أو تنجزها بأحد الوجهين وكلام المصنف رحمهالله هنا في نفي الفائدة أنّما هو على الوجه الثّاني والثّالث من المقام الثّالث وحاصله أنّه بعد فرض حصول القطع بأنّ هذا الفعل ممّا هو مأمور به عند الشّارع وأن تاركه مستحقّ لسخطه وعقابه كيف يمكن تكليف هذا القاطع بخلاف قطعه ولو بتنبيهه على أنّ وجوب ما قطع بوجوبه فعلا معلّق بالسّماع عن الصّادقين عليهماالسلام إذ القاطع ما دام قاطعا لا يحتمل خلاف ما قطع به إذ المنافاة بين قطعه بأن هذا الفعل ممّا أراده الله سبحانه منه فعلا وأنّه ممّا يعاقبه على تركه ومخالفته وبين كون تنجز وجوبه معلّقا بالسّماع عن الصّادقين عليهماالسلام واضح كيف ولو احتمل التّعليق لم يكن باقيا على قطعه ولا فرق في ذلك بين الوجوه الأربعة المذكورة مضافا إلى ما يلزم على الأوّل منها من الدّور كما تقدم والحاصل أنّه بعد فرض حصول القطع بالتّكليف الفعلي لا مسرح لاحتمال أحد الوجوه المذكورة وإلا فلزوم التنافي والتّناقض واضح وليس الغرض من ذلك دعوى استحالة تقيّد تنجز الأحكام الواقعيّة بالسّماع عن الصّادقين عليهماالسلام حتّى تمنع لوضوح إمكان ذلك بل المقصود أنه بعد حصول القطع بالتّكليف الفعلي فما دام القطع باقيا يستحيل حصول القطع بالتّعليق المذكور بل الظنّ به واحتماله أيضا وحيث فرضنا الكلام فيما حصل القطع بما ذكر فيستحيل احتمال خلافه ما دام القطع باقيا فما دلّ على خلافه لا بد من تأويله أو طرحه وممّا يوضح ما ذكرناه أنّه لو جاز منع القاطع من العمل بقطعه وانحصر الطّريق في السّماع عن المعصوم عليهالسلام لزم إفحام الأنبياء إذ ليس وجوب النظر إلى معجزتهم في أوّل دعوتهم إلاّ من جهة حكم العقل بوجوب دفع الضّرر المحتمل أو المظنون لاحتمال صدقهم فيكون الأعراض عنه موجبا للهلاك الدّائم وحيث كان ذلك محتملا فيحكم العقل بوجوب النّظر إلى معجزتهم لدفع هذا الضّرر المحتمل فلو لم يكن حكم العقل متبعا وانحصر السّبيل في السّماع عن المعصوم يلزم إفحام مدّعي النّبوة وإن كان صادقا في الواقع إذ ليس هنا إخبار معصوم لفرض عدم ثبوت نبوّته بعد هذا مضافا إلى ما تقدّم من الآيات والأخبار المتكاثرة في حجيّة العقل وأنّه شرع من الباطن وأنّه حجّة من حجج الرّحمن (قوله) نعم الإنصاف إلخ حاصله التّفصيل بوجه آخر سوى ما يظهر من هؤلاء الجماعة بأن يقال بحرمة الرّكون إلى العقل في تحصيل مناط الحكم الشّرعي على سبيل القطع فيستدل به على غير مورد النّصّ بأن يستنبط على سبيل القطع من قول الشّارع الخمر حرام بواسطة المقدّمات العقليّة أنّ علّة حرمة الخمر هي الإسكار ليتعدى من مورد النّص إلى غيره نظير استنباط العلّة على سبيل الظّنّ في موارد الأقيسة وبالجواز في غيره ولكن المراد من النّهي عنه هو النّهي عن الخوض في المقدّمات العقليّة لتحصيل القطع بالمناط لعدم إمكان النّهي بعد حصول القطع كما عرفته غير مرة ويظهر أثر هذا النّهي في عدم معذوريّة القاطع لو تخلّف قطعه عن الواقع كما أشار إليه المصنف في أوّل التّنبيه ثمّ إنّه رحمهالله قد استدلّ عليه أوّلا بكثرة وقوع الخطاء في الرّكون إلى العقل في استنباط مناطات الأحكام وهو محذور عقلا لقبح تفويت المكلف للمصالح الواقعية باختياره كما أشرنا إليه عند شرح قول المصنف رحمهالله في أوّل التّنبيه فله وجه وثانيا بالأخبار هذا ولكنّ الإنصاف أنّ حصول القطع بمناطات الأحكام بالمقدّمات العقليّة نادر جدّا لبعدها عن العقول إذ لا مسرح للعقول غالبا في نفي مدخليّة خصوصيات موضوع الحكم وقيود محلّه نعم الغالب حصول الظنّ بذلك ويمكن في الموارد التي يمكن للعقل فيها الجزم بنفي مدخليّة هذه الخصوصيّات أن تمنع كثرة وقوع الخطإ فيها بالنّسبة إلى سائر موارد حكم العقل لأنّ هذه الموارد وإن ندرت إلا أن حصول القطع فيها بمناط الحكم أنّما هو لغاية وضوحه فيندر وقوع الاشتباه فيها فدعوى كثرته سيّما إذا كانت الكثرة بحيث صارت سببا لحكم العقل بالمنع غير معلومة ولا سيّما وإن أكثرية تخلّف القطع عن الواقع في الموارد المذكورة بالنّسبة إلى مخالفة أصالة البراءة وغيرها من الأصول للواقع غير متّضحة إن لم تكن مظنونة العدم فكما أن تلك لا تمنع