أن يكون المقصود منها بيان مدخلية توسّط تبليغ الحجّة في وجوب إطاعة حكم الله سبحانه بأن كانت الأحكام الواقعيّة باقية على إطلاقها إلا أن تنجز التّكليف بها موقوف على تبليغ الحجّة فلا تجب إطاعتها قبله وإن قطع العقل بها بنفسه وثالثها أن يكون المقصود بيان مدخليّة بلوغ ما بلّغه الحجّة إلينا في تنجز التّكليف بالواقع سواء كان بلوغه بطريق القطع أو الظّنّ وأثر الفرق بينه وبين سابقه يظهر بالتّأمّل في الجواب الثّاني للمصنف رحمهالله والوجهان محتملان أيضا في كلام شارح الوافية وما أجاب به المصنف رحمهالله عن السّؤال أوّلا وثانيا ناظران إلى الوجه الثّاني وقوله في ذيل جوابه الثّاني إلا أنّ يدّعى إلخ ناظر إلى الوجه الثّالث ولعلّ تركه التّعرض للوجه الأوّل إمّا لبعده عن ظاهر كلام الأخباريّين فإنّ ظاهره نفي حجّية العقل وعدم تنجز الواقع بإدراكه القطعي لا بيان تقيّد الواقع ببيان أهل العصمة وإمّا لوضوح بطلانه لاستلزامه الدّور الباطل لتوقّف وجود الحكم الواقعي على بيان أهل العصمة عليهمالسلام لفرض عدم وجود إن شاء لله سبحانه في الواقع قبل بيانهم وتبليغهم ولا ريب أنّ بيانهم وتبليغهم موقوف على سبق وجود الحكم الواقعي لفرض كونهم مبلّغين عن الله تعالى لا منشئين للأحكام الواقعيّة كما هو مقتضي الآيات والأخبار وهنا وجه رابع في الأخبار المذكورة وهو أن يكون المقصود بيان عدم حجّية العقل من دون التزام تقيّد في الأحكام الواقعيّة ولا في تنجزها وهذا هو الّذي قد تقدّم من المصنف رحمهالله سابقا وأوضحناه في غير موضع أنّه مؤدّ إلى التّناقض ثمّ إنّه برد على التّمسّك بالأخبار المذكورة مضافا إلى ما ذكره المصنف رحمهالله معارضتها بالآيات المتكاثرة القرآنيّة والأخبار المتواترة المعصوميّة الدّالّة على كون العقل حجّة من حجج الرّحمن وأنّه مطابق للشّرع والشّرع مطابق له كما تقدم إلى شطر منها الإشارة في الجواب عمّا ذكره المحدّث الجزائري وأشار المصنف رحمهالله أيضا إليها في الجملة في السّؤال ولا ريب أنّها أقوى دلالة واعتضادا بالعقل وموافقة للكتاب وحملها على العقل الفطري كما فعله المحدّث البحراني ممّا لا شاهد له بل الأولى في الجمع حمل الأخبار المانعة على العقول النّاقصة الظّنيّة لظهور أكثرها فيها كما أشار إليه المصنف رحمهالله وغاية الأمر وقوع التّعارض بين تلك الأخبار مع تأيّد أحد الصّنفين بالعقل إذ لا ريب في حكم العقل باعتبار حكمه الجزمي فلا بدّ حينئذ من تقديم الأخبار المرخّصة إلزاما للمحدّث البحراني بمقتضى مذهبه اللهمّ إلاّ أن يقال بعدم كون حكم العقل هنا من قبيل ما ذكره من بلوغ وضوح حكمه إلى حدّ البديهة فتدبّر(قوله) كيف والعقل بعد ما عرف إلخ ظاهره دعوى كفاية إدراك العقل مجرّد حكم الله تعالى وخطاباته الواقعيّة في وجوب إطاعة ما أدركه وإن لم يكن هنا تبليغ من الحجّة أصلا وهو كما ذكره بتقريب ما ذكره بل نقول لو أدرك العقل مجرّد عدم رضا الله تعالى بترك فعل فهو كاف في وجوب إطاعته وإن لم يكن هنا خطاب واقعي أيضا فضلا عن تبليغ الحجّة لاستقلال العقل بذلك ولا ريب أنّ كيفيّة الإطاعة والمعصية موكولة إلى العقلاء ولذا ترى أنّ ولد المولى لو كان واقفا على جانب بئر بحيث يشرف على الوقوع فيها واطلع العبد على ذلك وكان متمكّنا من تخليصه من ذلك فتركه على حاله فوقع في البئر لذمّه العقلاء وإن لم يكن المولى أمرا له بذلك بل كان غير مطّلع على حال ولده فلو اعتذر العبد بعدم أمر المولى لم يسمع منه واستحقّ المذمّة والتّوبيخ منهم وليس ذلك إلاّ من جهة كفاية ما قطع به العبد من أنّ المولى لو اطّلع على حال ولده لأمره بإنجائه ولم يرض منه بترك ولده على ما هو عليه (قوله) في غاية النّدرة لا يخفى أنّ النّدرة يمنع من الاختصاص دون العموم وهو واضح (قوله) وأمّا نفي الثّواب إلخ هذا الخبر حيث كان غير قابل للحمل على ما استظهره من الأخبار المتقدّمة من المنع من العمل بالعقول النّاقصة الظنّيّة لكون مورده ممّا يستقل به العقل من حسن التصدّق أفرده من تلك الأخبار وأجاب عنه بجواب آخر(قوله) مثل التّصدّق إلخ لا ريب أنّ التّصدّق على المخالفين لأجل تديّنهم بذلك الدّين الفاسد لا حسن فيه في الواقع أصلا بل هو قبيح هذا ولكن ظاهره تسليم استحقاق المخالف للثّواب بالتّصدّق على أهل نحلته من حيث كونهم مخلوقين لله أو مسلمين وبالتّصدّق على الشّيعة وهو غير بعيد لحسن التّصدّق ذاتا ما لم يطرأ له عنوان مقبح فلا مانع من تأثيره في المجازات ولو بتخفيف عقابه ومن هنا يظهر أنّه يمكن حمل قوله عليهالسلام ما كان له على الله ثواب على الثّواب الّذي يستحقّ به الجنّة ويبعد به عن سخط الله ويحتمل كون قبح عدم معرفة وليّ الله مانعا من ترتّب أثر على حسن التّصدّق بأيّ وجه اتّفق ولعلّه إلى الوجهين أشار بقوله أو على غير ذلك (قوله) ولذلك لا فائدة مهمّة إلخ يعني ولأجل أن غاية ما يفيده دليل الخصم هو الظنّ فلا فائدة مهمة في النّزاع في هذه المسألة إذ بعد ما قطع العقل يحكم كالوجوب والحرمة مثلا وقطع بعدم رضي الله جل ذكره بمخالفته وكون العبد مستحقّا للعقاب عنده بالمخالفة فلا يعقل ترك العمل بذلك ما دام هذا القطع باقيا فكلّ ما دلّ على خلافه مؤوّل أو مطروح بل لا يعقل حصول الظّنّ من دليل الخصم حينئذ كما لا يخفى وتوضيح المقام أنّ للعقل من حيث إدراكه وحكمه مقامات أحدها إدراكه حسن الأشياء وقبحها والآخر إدراكه حكم الشّارع على طبق ما حكم به من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما على اختلاف مراتب ما أدركه من الحسن والقبح والثّالث حكمه باعتبار هذا الإدراك أعني إدراكه حكم الشّارع على طبق ما حكم به والأوّل هو محلّ النّزاع المعروف بين الأشاعرة والعدليّة من المعتزلة والإماميّة حيث ذهبت الأشاعرة إلى أنّ الحسن ما أمر الله به والقبح ما نهى عنه والثّاني هو محلّ النّزاع المعروف في ثبوت الملازمة بين حكم العقل والشّرع بعد تسليم إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها