والسنة ومساقه عند التأمّل مساق حكم العقل من الدّلالة على كون المكلّف مرخى العنان غير ملزم بفعل ما يحتمل الوجوب وترك ما يحتمل الحرمة نعم يمكن أن يستدل عليه بوجهين أحدهما أن يقال إن عدم الدّليل دليل العدم وفيه أنّك قد عرفت في الحواشي السّابقة أن ذلك إنّما يجدي في صدر الإسلام وقبل انتشار الأحكام لأنّه مع الفحص عن دليل الحكم وإن كان هو الاستحباب أو الكراهة بما لا يعدّ معه مسامحا في الدّين ومساهلا في الأخذ والطلب مع ملاحظة بناء النّبي صلىاللهعليهوآله وخلفائه المعصومين عليهمالسلام على إبلاغ الأحكام إلى المكلفين وإعلامهم بها مع عدم حدوث موانع الإبلاغ وعدم عروض سوانح الانطماس في ذلك الزّمان يحصل القطع بأنّه لو كان هنا دليل على الحكم لوصل إلينا ومرجعه إلى قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة مع عدم المانع منه بخلاف زماننا هذا وما ضاهاه ممّا انطمس فيه كثير من الأحكام ومنعت الوسائط من إبلاغها إذ لا ريب في عدم كون عدم الدليل حينئذ مورثا للظن بالعدم فضلا عن القطع به وثانيهما استصحاب عدم الاستحباب لا يقال إنه تعارضه أصالة عدم الإباحة لكونها أيضا من الخمسة التّكليفيّة المسبوقة بالعدم لأنا نقول ليس المقصود منه إثبات الإباحة ولا هو ملازم بالذات لإثباتها حتى يعارض بالمثل بل المقصود مجرّد نفي الاستحباب مع قطع النّظر عن كون الباقي بعده هي الإباحة أو غيرها نعم لو ترتب عليها أثر خاص ينفي أيضا بالأصل فتأمل وأمّا الثّاني فالكلام فيه كالأوّل وأمّا الثّالث فالكلام فيه يحذو حذو الكلام فيما دار الأمر فيه بين الحرمة والوجوب إلاّ أنّه لا بدّ هنا من تبديل دفع المضرّة بدفع المنقصة وأما الرّابع فالكلام فيه يظهر من التأمّل في الأوّلين وأمّا الخامس والسّادس فظاهر بعضهم الحكم بالاستحباب في الأوّل وبالكراهة في الثّاني تمسكا بأن احتمال الوجوب في الأوّل والحرمة في الثّاني وإن كان مندفعا بأصالة البراءة إلاّ أنّ الأخذ بمحتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة حسن عند العقلاء فيثبت به استحباب الأوّل وكراهة الثّاني وإن كان كلّ منهما خارجا من طرفي الشبهة والتحقيق هو نفي احتمال الوجوب والحرمة بالأصل والحكم بحسن الإتيان بالفعل في الأوّل بداعي احتمال محبوبيّته وتركه في الثّاني بداعي احتمال مبغوضيته ويثاب على ذلك لكونه شبه انقياد وإطاعة حكميّة وأمّا الحكم بالاستحباب في الأوّل والكراهة في الثّاني فلا دليل عليه اللهمّ إلاّ أن يلتزم بذلك في موارد حسن الاحتياط عقلا وقد تقدّم تحقيقه في بعض الحواشي السّابقة والله العالم بحقائق أحكامه (قوله) ومطالبه أيضا ثلاثة إلخ قد أشار المصنف رحمهالله في طيّ المطالب الآتية إلى خروج بعض الصّور من محلّ النّزاع مثل دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر الارتباطيين من الشبهة التّحريميّة والاستقلاليين من الشّبهة الوجوبيّة لانحلال العلم الإجمالي فيهما إلى شك بدوي وعلم تفصيلي فيدخلان في أقسام الشك في التكليف كما سيجيء في محلّه (قوله) أمّا مشتبه في أمور محصورة إلخ اعلم أن الاشتباه تارة يحصل بامتزاج الحرام بغيره وأخرى باختلاطه واشتباهه بغيره أمّا الأوّل فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز ارتكابه كلا أو بعضا كامتزاج الدّهن الحلال بالمغصوب منه ونحوه ولا فرق فيه بين كون الامتزاج موجبا للشّركة كامتزاج مثليين كالحبوب ونحوها وبين غيره إذ الحرمة على الأوّل واضحة وكذا على الثّاني لالتزام تناول الممتزج بالحرام تناوله لا محالة ولكن ذلك يختص بما إذا لم يعرض للحرام الممتزج عنوان محلّل كاستهلاكه في الحلال كقطرة من عصير العنب إذا وقعت في الماء بناء على طهارته وحرمته لتبدّل عنوان الحرام بالاستهلاك والظاهر أيضا عدم شمول ما ذكروه من حلية المختلط بالحرام بالتخميس لصورة الامتزاج فلا يمكن الحكم بها في امتزاج المثليين بعد التخميس وأمّا الثّاني فكاشتباه الدّرهم الحلال بالحرام والإناء النجس بالطّاهر وكذا الثوبين ونحوهما ومحلّ النّزاع في المقام مختصّ بهذه الصّورة لما عرفت من عدم الإشكال والخلاف في الحرمة في الأوّل وأيضا الخلاف مختص بما لم يقصد بارتكاب أطراف الشّبهة التوصل إلى ارتكاب الحرام الواقعي وإلاّ فهو حرام بلا خلاف كما أشار إليه المصنف رحمهالله في آخر المسألة وكذا بما إذا لم تقم على أحدها أمارة شرعية من يد أو بينة أو نحوهما لخروج ما قامت عليه الأمارة من أطراف الشّبهة وصيرورة الشبهة في الباقي بدوية على إشكال فيه في الجملة تقدمت الإشارة إليه في حواشي المقام الأوّل ولعلّه سيجيء التنبيه عليه أيضا في الحواشي الآتية فانتظره وأيضا محلّ النّزاع في المقام مختص بما كان مقتضى الأصل في المشتبهين هي الإباحة دون ما كان مقتضاه هي الحرمة كالمذكى المشتبه بالميتة لأنّ مقتضى أصالة عدم التذكية في كل واحد منهما هي حرمة بيع كل واحد منهما منفردا ومجتمعا ووجه خروجه من محلّ النّزاع هو عدم استلزام المخالفة القطعيّة فيه للمخالفة العمليّة وسيأتي التصريح بذلك من المصنف رحمهالله فيما سننقله عنه فيما علقناه على التنبيه الأوّل من تنبيهات هذا المقام ولكنّه سيصرح في التنبيه الثّامن بعموم كلمات بعضهم وكذا بتصريح بعضهم باختصاص النّزاع بالمحرّمات المالية ونحوها كالنجس دون النفوس والإعراض مع تنظره فيه (قوله) فالحقّ فيه عدم الجواز إلخ اعلم أنّ الأقوال في المقامين أربعة أحدها ما اختاره المصنف رحمهالله وهو المشهور بين الأصحاب وثانيها جواز ارتكاب الكل نقله المحقق القمي رحمهالله عن العلامّة المجلسي في أربعينه وثالثها التخيير وإبقاء ما يتحقق به ارتكاب الحرام ومال إليه المقدّس الأردبيلي واختاره جماعة ممّن تأخر عنه كصاحب المدارك والذخيرة والرّياض والقوانين والمناهج ونسب أيضا إلى الوحيد البهبهاني قدّس الله أسرارهم ورابعها القرعة واختاره ابن طاوس (قوله) لنا على ذلك يدل عليه أيضا وجوه أحدها الإجماع محكيا ومحصّلا ظاهر العدم المخالف فيه سوى ما عزاه المجلسي إلى بعضهم وهو مجهول القائل وأمّا المجلسي فعبارته المحكيّة غير صريحة في ذلك لأنّه قال وقيل يحلّ له الجميع لما ورد في الأخبار الصّحيحة إذا اشتبه عليك الحلال والحرام فأنت على حلّ حتى تعرف الحرام بعينه وهذا أقوى عقلا ونقلا انتهى موضع الحاجة لأنّه يحتمل أن يريد به تقوية هذا القول بحسب الدّليل دون الفتوى والفرق بينهما واضح وثانيها كون تجويز ارتكاب الجميع نقضا لغرض الشّارع لكونه وسيلة إلى إمكان ارتكاب المحرّمات الواقعيّة بخلطتها بالمحلّلات بحيث يقع الاشتباه بينهما وهو موجب لاختلال نظم الأموال والفروج وغيرهما فإن قلت إن خلط المكلّف باختياره حرام فهو مانع من اختلال النظم قلت إن كان سبب الحرمة حرمة ارتكاب الحرام