أنّ الدلائل التي ذكروها مبنيّة على إبطال التّسلسل ولم يتم برهان على بطلانه فإذا لم يتمّ دليل على هذا المطلب الجليل الّذي توجّهت إلى الاستدلال عليه كافة الخلائق فكيف يتمّ على غيره ممّا توجّهت إليه آحاد المحقّقين وإن كان المراد به ما كان مقبولا بزعم المستدلّ به واعتقاده فلا يجوز لنا تكفير الحكماء والزّنادقة ولا تفسيق المعتزلة والأشاعرة ولا الطّعن على من ذهب إلى مذهب يخالف ما نحن عليه وذلك أنّ أهل كلّ مذهب استندوا في تقوية ذلك المذهب إلى دلائل كثيرة من العقل وكانت مقبولة في عقولهم معلومة لهم ولم يعارضها سوى دلائل العقل لأهل القول الآخر أو دلائل النّقل وكلاهما لا يصلح للمعارضة لما قلتم لأنّ دليل النّقل يجب تأويله ودليل العقل لهذا الشّخص لا يكون حجّة على غيره لأنّ عنده مثله ويجب عليه العمل بذلك مع أنّ الأصحاب رضي الله عنهم ذهبوا إلى تكفير الفلاسفة ومن يحذوا حذوهم وتفسيق أكثر طوائف المسلمين وما ذاك إلا لأنّهم لم يقبلوا منهم تلك الدّلائل ولم يعدّوها من دلائل العقل انتهى كلامه زيد في الخلد إكرامه ثمّ نقل عن الإمام الرّازي كلاما منسوجا بهذا المنوال أقول مواضع التّعجّب من كلامه غير خفيّة على ذوي العقول أمّا أوّلا فإنّه إن أراد من متابعة أصحابنا لأهل الطّبيعة والفلاسفة متابعتهم لهم في مخالفة الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام وما جاء منهم بالضّرورة والبديهة في كلّ زمان لمجرّد متابعة عقولهم القاصرة كما يشهد به نقل حكاية أفلاطون مع عيسى على نبيّنا وآله وعليهالسلام فهي خطاء بالضّرورة من طريقة أصحابنا ولا ينسب ذلك إليهم صبيّ فضلا عن لبيب خبير بطريقتهم في الأصولين والفروع فمع القطع بصدق الأنبياء والأوصياء كيف يجزم العقل أو يظنّ أو يحتمل خلاف قولهم حتى يتبع حكم العقل وإن أراد متابعتهم في اتباع العقل في الجملة بمعنى تقديم الحكم العقلي القطعي على الدّليل الشّرعيّ الظّنّي فهو حقّ لا يعتريه شكّ إذ مع القطع بمراد الشّارع من طريق العقل كيف يكلّف بخلاف قطعه وإلا لزم التّناقض وتكليف الغافل كما أوضحناه في غير موضع وإن أراد متابعة الحكم العقلي الظنّي الّذي لا مدرك له بل الدّليل على خلافه كما يشهد به قوله فمدارهم على طرح الدّلائل النّقليّة والقول بما أدت إليه الاستحسانات العقليّة إلخ فنسبة ذلك إليهم أيضا خطاء سيّما في الأصولين ولا سيّما في أصول الدّين وقد نسب المحقّق وغيره عدم جواز العمل بالظّنّ في أصول الفقه إلى المشهور فكيف ظنّك بعملهم بالقياس والاستحسان في الفروع فضلا عن الأصول مع أنّ محمّد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي مع جلالة شأنه وجودة تصنيفه وكونه شيخا في الإماميّة قد ترك الأصحاب كتبه ولم يعوّلوا عليها لأجل قوله بالقياس نعم ربّما يومئ كلمات بعضهم إلى العمل بمطلق الظنّ في الفقه كما يظهر من الشّهيد في مقدّمات الذّكرى في إلحاق المشهور بالجمع عليه في الحجيّة وفي مسألة استحباب التّياسر في القبلة حيث تمسّك بالشّهرة على ما نقل عنه في الرّياض ولكنّه خلاف طريقة الأكثر بل خلاف طريقة من يظهر منه ذلك مع أنّه لم يظهر منهم تقديم مطلق الظنّ على الخبر الثّابت اعتباره بالخصوص وأمّا ثانيا فإنّه مع عزل العقل عن الاعتبار بالكليّة فما الدّاعي إلى النّظر إلى معجزة الأنبياء ومع النّظر وحصول القطع بنبوّته فما الباعث للالتزام بأحكامهم ومتابعة شرائعهم فما وجه ذمّ الكفّار وتوبيخهم والحكم بخلودهم في النّار واستحقاقهم سخط الملك الجبّار فإن قلت إنّ هذا المحذور مقلوب عليك على تقدير اعتبار القطع على القاطع كما ذكره المحدّث المذكور قلت استحقاق الكفّار للعقاب مع فرض قطعهم بصحّة مذهبهم أنّما هو لتقصيرهم في مقدّمات قطعهم لما تقرّر في محلّ آخر من عدم وجود الجاهل القاصر في أصول الدّين سيّما في المعارف الخمسة وأمّا ثالثا فإنّ ما ذكره مخالف لما استفاضت الآيات القرآنيّة والأخبار المعصوميّة بالاعتماد على مقتضي العقول وبأنّ العقل حجّة من حجج الرّحمن قال سبحانه في غير موضع من كتابه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي يعملون بمقتضى عقولهم وقال (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقال (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) وقال (لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) وقال (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) وقال (لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) وذم قوما لم يعملوا بمقتضى عقولهم فقال عزّ ذكره (أَفَلا يَعْقِلُونَ) وقال (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ). (لا يَعْقِلُونَ) وقال (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) وقال (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) إلى غير ذلك وفي الحديث عن الكاظم عليهالسلام يا هشام إنّ لله على النّاس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظّاهرة فالأنبياء والرّسل والأئمّة وأمّا الباطنة فالعقول إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة في هذا المعنى ولأجل هذه الآيات والأخبار المتكاثرة قد التجأ المحدّث البحراني إلى تسليم حجية العقل الفطري كما نقله المصنف ره عنه وأمّا رابعا فإن ما نسبه إلى الأصحاب من نفي الإحباط فسنشير في مسألة زيادة الجزء عمدا من مسائل أصالة البراءة إلى موازنة الأقوال في ذلك فانتظره وأمّا خامسا فإنّ نفي السّهو عن النبي صلىاللهعليهوآله هو الحقّ الّذي لا محيص عنه فإنّه عيب ونقص في النّفس مناف المنصب النّبوّة موجب لتنفّر الطّبائع عنه سيّما إذا أدّى إلى ارتكاب القبائح وترك أهم الفرائض وربّما يكون عن تقصير وتهاون في المحافظة على المقدّمات مع أنّه مناف لمفردات ما ورد في كمالاتهم وعدم صدور القبائح عنهم فعلا وتركا في الصّغر والكبر عمدا وخطاء هذا ولكن قد سبقه في ذلك الصّدوق تبعا لشيخه ابن الوليد وقال إنه كان يقول أوّل درجة في الغلوّ نفي السّهو عن النّبي صلىاللهعليهوآله ثمّ قال وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النّبي صلىاللهعليهوآله والردّ على منكريه إن شاء الله تعالى انتهى وعن ظاهر الطّبرسي في تفسير