يقبل الانقسام الوهمي والانفكاكي إلى ما لا يتناهى ووافقهم محمّد الشّهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل إلاّ أنّه اعتبر التّناهي في الانقسامات ثم اختلف الحكماء فذهب أفلاطون ومن تابعه إلى أنّ ذلك الجوهر المتّصل قائم بذاته غير حال في شيء آخر وهو الجسم المطلق فهو عندهم جوهر بسيط لا تركيب منه بحسب الخارج أصلا وقابل لطريان الاتّصال والانفصال عليه مع بقائه في الحالين في ذاته فهو من حيث هو جوهر وذاته يسمّى جسما ومن حيث قبوله للصور النّوعيّة الّتي لأنواع الأجسام يسمّى هيولى وذهب المحقّق الطّوسي أيضا إلى هذا المذهب وذهب أرسطو ومن تابعه إلى أنّ ذلك الجوهر المتّصل حال في جوهر آخر يسمّى بالهيولى وقال بعضهم إن زبدة ما احتجوا به على ذلك بعد تجريده عن الزّوائد والألفاظ المشتركة والمحازية الّتي يوجب صعوبة الفهم وورود الإشكالات أنّ ذلك الجوهر المتّصل في ذاته الذي كان بلا مفصل إذا طرأ عليه الانفصال انعدم وحدث هناك جوهران متّصلان في ذاتهما فلا بدّ هناك من شيء آخر مشترك بين المتّصل الأوّل وبين هذين المنفصلين ولا بدّ أن يكون ذلك الشّيء باقيا بعينه في الحالتين وإلاّ لكان تفريق الجسم إلى جسمين إعداما لجسم بالكليّة وإيجاد الجسمين آخرين من كتم العدم والضّرورة تقضي ببطلانه وأجيب عنه بمنع الملازمة لأنّ تفريق جسم إلى جسمين إعدام لصفة من صفات الجسم الأوّل بالضّرورة وهي صفة الاتصال لا أنّه إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين حتّى يتمّ المطلوب وإلى ذلك أشار المحدّث الأمين الأسترآبادي بما نقله عن المشاءين والإشراقيين من قضية تفريق ماء كوز إلى كوزين ثم إنّ المشاءين طائفة من الحكماء لم يعتبروا في تحصيل المعارف بالرّياضات والتصفية والمكاشفات فأخذوا مسلك الاستدلال والوقوف على حقيقة الأشياء بالبرهان وقيل في وجه تسميتهم إنّهم كانوا كثيري المشي والتردّد إلى أستاذهم المعلّم الأوّل لأخذ العلوم وتعلّمها أو كان بناء المعلّم على التّدريس حين مشيه ذهابا إلى الإسكندريّة وإيابا منها والإشراقيون طائفة من الحكماء أعرضوا عن طريق الاستدلال فاعتبروا في الوقوف على حقيقة الأشياء بالكشف والشّهود بمجاهدة النّفس وتصفية الباطن (قوله) السّيّد المحدّث إلخ خلاف هذا المحدّث مع المحدّث السّابق بعد اعتباره ما اعتبره في موضعين أحدهما اعتبار هذا المحدّث حكم العقل في البديهيّات وإن لم يكن ثبوتها من الشّرع ضروريّا بل كانت بديهيّة عند العقل وبالجملة أنّ النّسبة بينما كان بديهيّا عند العقل كما استثناه المحدّث السّابق عموم من وجه وثانيهما تقديمه الحكم العقلي المعاضد بالنّقلي على الحكم النّقلي المعارض له (قوله) أقول لم يحضرني شرح التّهذيب إلخ أقول لم يحضرني أيضا شرح التّهذيب إلاّ أنّ المحدّث البحراني قد نقل في مقدّمات الحدائق عنه كلاما في أنواره مشتملا على جملة من الفروع المتفرعة على هذه المسألة فلا بأس بنقله فإنّه بعد نقل كلام للمحقق في اعتبار حكم العقل قال وبالجملة فكلامهم تصريحا في مواضع وتلويحا في أخر متّفق الدّلالة على ما نقلناه ولم أر من ردّ ذلك وطعن فيه سوى المحقّق المدقّق السّيّد نعمة الله الجزائري طيّب الله مرقده في مواضع من مصنّفاته منها كتاب الأنوار النّعمانيّة وهو كتاب جليل يشهد بسعة دائرته وكثرة اطّلاعه على الأخبار وجودة تبحره في العلوم والآثار حيث قال فيه ونعم ما قال فإنّه الحقّ الّذي لا يعتريه غياهب الإشكال أنّ أكثر أصحابنا قد تبعوا المخالفين من أهل الرّأي والقياس وأهل الطّبيعة والفلاسفة وغيرهم من الّذين اعتمدوا على العقول في استدلالاتها وطرحوا ما جاءت به الأنبياء حيث لم يأت على وفق عقولهم حتّى نقل أنّ عيسى على نبيّنا وآله وعليهالسلام لمّا دعا أفلاطون إلى التّصديق بما جاء به أجاب بأنّ عيسى عليهالسلام رسول إلى ضعفة العقول وأمّا أنا وأمثالي فلسنا نحتاج في المعرفة إلى إرسال الأنبياء والحاصل أنّهم ما اعتمدوا في شيء من أمورهم إلاّ على العقل فتابعهم بعض أصحابنا وإن لم يعترفوا بالمتابعة فقالوا إنّه إذا تعارض الدّليل العقلي والنّقلي طرحنا النّقلي أو تأوّلناه بما يرجع إلى العقلي ومن هنا تراهم في مسائل الأصول يذهبون إلى أشياء كثيرة قد قامت الدّلائل النّقليّة على خلافها لوجود ما تخيّلوا أنّه دليل عقلي كقولهم بنفي الإحباط في العمل تعويلا على ما ذكروه في محلّه من مقدّمات لا تفيد ظنّا فضلا عن العلم وسنذكرها إن شاء الله تعالى في أنوار القيامة مع وجود الدّلائل من الكتاب والسّنّة على أنّ الإحباط الّذي هو الموازنة بين الأعمال وإسقاط المتقابلين وإبقاء الرجحان حقّ لا شكّ فيه ولا ريب يعتريه ومثل قولهم إنّ النّبي صلىاللهعليهوآله لم يحصل له الإسهاء من الله تعالى في صلاة قط تعويلا على ما قالوه من أنّه لو جاز السّهو عليه في الصّلاة لجاز عليه في الأحكام مع وجود الدّلائل الكثيرة من الأحاديث الصّحاح والحسان والموثقات والضّعاف والمجاهيل على حصول مثل هذا الإسهاء وعلّل في تلك الرّوايات بأنّه رحمة للأمّة لئلا يعيّر النّاس بعضهم بعضا بالسّهو وسنحقّق هذه المسألة في نور من هذا الكتاب إلى غير ذلك من مسائل الأصول وأمّا مسائل الفروع فمدارهم على طرح الدّلائل النّقليّة والقول بما أدّت إليه الاستحسانات العقليّة وإذا عملوا بالدلائل النقلية يذكرون أولا الدلائل العقلية ثمّ يجعلون دليل النّقل مؤيّدا لها ومعاضدا إيّاها فيكون المدار والأصل أنّما هو العقل وهذا منظور فيه لأنّا نسألهم عن معنى الدّليل العقلي الّذي جعلوه أصلا في الأصولين والفروع فنقول إن أردتم ما كان مقبولا عند عامّة العقول فلا يثبت ولا يبقى لكم دليل عقلي وذلك لمّا تحققت أنّ العقول مختلفة في مراتب الإدراك وليس لها حدّ نقف عنده فمن ثمّ ترى كلا من اللاّحقين يتكلّم على دلائل السّابقين وينقضه ويأتي بدلائل أخر على ما ذهب إليه ولذلك لا ترى دليلا واحدا مقبولا عند عامّة العقلاء والأفاضل وإن كان المطلوب متّحدا فإنّ جماعة من المحقّقين قد اعترفوا بأنّه لم يتم دليل من الدّلائل على إثبات الواجب وذلك