وهو غير ممكن لأن طلب الفعل والترك قبيح لعدم القدرة على الامتثال وصرف الأخبار إلى استحباب أحدهما على وجه التخيير موجب لاستعمال الكلام في الاستحباب العيني والتخييري مع أنّ التخيير بين الفعل والترك في الاستحباب لا محصّل له فتعيّن خروج هذا الفرض عن عموم الأخبار مضافا إلى انصرافها بشهادة العرف إلى غير هذه الصّورة الثالث عشر لو علم استحباب شيء وتردّد بين شيئين فلا إشكال في استحباب المتيقن إذا كان بينهما قدر متيقن ولا فيما إذا جمع بينهما إذا كانا متباينين ولم يكن قدر متيقن وإنما الكلام في استحباب غير المتيقن إذا ورد به رواية ضعيفة أو فتوى فقيه وفي استحباب أحد المتباينين مثال الأوّل ما إذا ورد رواية أو فتوى باستحباب الزّيارة الجامعة ولو مع عدم الغسل وباستحباب النّافلة ولو إلى غير القبلة وزيارة عاشوراء مع فقد بعض الخصوصيات مثال الثّاني ما إذا تردّد المسح المستحبّ بثلاث أصابع بين أن يكون طولا وأن يكون عرضا وكان على كلّ منهما رواية أو فتوى فهل يستحبّ في الاقتصار على أحدهما ثواب من باب التّسامح والكلام قد يقع من باب الاحتياط وقد يقع من باب الأخبار أمّا من باب الاحتياط فالظاهر أن الإتيان بالمتيقّن في الأوّل والجمع بين المحتملين في الثّاني لاستقلال العقل بالفرق بين من لم يتعرض للامتثال رأسا وبين من تعرض له بإتيان المحتمل كما أنّ الإقدام على محتمل المبغوضيّة لا يخلو عن مرجوحيّة وإن لم يجمع بين محتملاته نعم لا يسمّى هذا الاحتياط لأن الاحتياط لغة وعرفا هو إحراز المقصود الواقعي سواء كان دفع ضرر أو جلب منفعة ويعبّر عنه بالأخذ بالأوثق وهو لا يتحقق إلاّ إذا انحصر المحتمل في المأتي بأن لا يكون للواقع محتمل سواه كما في محتمل المطلوبيّة والمبغوضيّة مع عدم العلم الإجمالي ويسمّى بالشك في التكليف أو إذا جمع بين المحتملات كما في الشّكّ في المكلف به مع العلم بالتّكليف وهذان القسمان مشتركان في استحقاق الفاعل ثواب الامتثال القطعي أمّا الثّاني فلأنّه حصل القطع بالامتثال وأمّا الأوّل فلأنّه أيضا حصّل القطع به على فرض ثبوته واقعا وأمّا الاقتصار في القسم الثّاني على أحد المحتملات فهو دون القسمين في الرّجحان ومنع رجحانه لكون اقتصاره على أحد المحتملات كاشفا عن عدم كون الدّاعي له هو تحصيل رضا المولى إذ لو كان هو الدّاعي لدعاه إلى تحصيل اليقين بالجمع بين المحتملات مكابرة للوجدان الحاكم بحسن التعريض للامتثال عكس التعريض للمخالفة وأمّا الكلام في استحباب هذا المحتمل من جهة الأخبار فالتحقيق فيه التفصيل بينما كان من القسم الأوّل وهو الفرد المشكوك وما كان من الثّاني أعني المتباينين فيشمل الأخبار الأوّل دون الثّاني لأنّه إذا وردت رواية بأن مطلق الزّيارة الجامعة فيها كذا فيصدق بلوغ الثّواب على هذا المطلق ومجرّد ورود رواية أخرى على التقييد لا يمنع استحباب المطلق لما عرفت في الأمر الحادي عشر من أنّ المطلق في الأخبار الضعيفة لا يحمل على المقيّد فيها لعدم حجيّة الخبر الضّعيف في نفي الاستحباب بل لو فرض رواية معتبرة على التقييد المستلزم للدّلالة على نفي استحباب ما عدا محلّ القيد فقد عرفت في الأمر العاشر قوة جريان التسامح فيه أيضا وأمّا أحد محتملي المتباينين فهو وإن صدق عليه بعد ورود رواية باستحبابه أنّه ممّا بلغ عليه الثواب إلاّ أنّ المحتمل الآخر أيضا كذلك فإن حكم ثبوت استحبابهما معا فهو خلاف الإجماع وإن حكم باستحباب أحدهما دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجّح والتخيير ممّا لا يدل عليه الكلام هذا مع وضوح أنّ الأخبار منصرفة بشهادة فهم العرف إلى الشبهة الابتدائية دون النّاشئة من العلم الإجمالي وأمّا في القسم الأوّل فالمعلوم الإجمالي حيث دار بين المطلق والمقيد فيكون استحباب المقيد قطعيّا ونشك في استحباب المطلق بما هو فيتسامح فيما ورد في استحبابه فتأمّل بقي هنا شيء وهو أنا إنّما حكمنا في القسم الأوّل بمجرّد استحباب الفرد المشكوك وأمّا إثبات كونه امتثالا للكلّي المأمور به المردّد بين المطلق والمقيد بحيث يترتب عليه أحكام ذلك الكلي فلا مثلا إذا ورد الأمر بنوافل الظهر أو صلاة جعفر فشككنا في أنّه يشترط فيهما القبلة أم لا وورد رواية ضعيفة أو فتوى فقيه في عدم اشتراطهما بالقبلة فالفرد المأتي به على خلاف القبلة لا يحكم عليها بأنها صلاة جعفر ولا أن الذي يترتب على نوافل الظهر بل ولا من الأوامر القطعية المتعلقة بمطلق الصّلاة فإنّ استحباب مطلق فعل تلك الأجزاء ولو على خلاف القبلة لا يستلزم الخروج عن عمومات الصّلاة أو خصوصاتها ومنه يظهر أن نية امتثال تلك الأوامر القطعيّة بهذا الفرد المشكوك تشريع محرّم وهذا هو السّرّ في أنهم لا يتسامحون في شروط الماهيات المستحبّة وإجرائها بل يلتزمون فيها بالمتيقن متمسكين بأن العبادات توقيفية كما ذكروا ذلك في جواز النافلة إلى غير القبلة وفي جواز النافلة مضطجعا ومستلقيا في حال الاختيار ونحو ذلك فحاصل معنى التسامح الّذي ذكرنا في هذا المقام أنّه إذا ورد استحباب مطلق وورد استحباب مقيّد فحيث يلزم منه نفي استحباب المطلق فيحكم باستحباب المطلق ولو في ضمن غير المقيد لكن لا يحكم بكونه امتثالا لأمر قطعي ثبت في المقام مردّدا بين المطلق والمقيّد فافهم واغتنم الرّابع عشر قد يجري على لسان بعض المعاصرين التسامح في الدّلالة نظير التّسامح في السّند بأن يكون في الدّليل المعتبر من حيث السّند دلالة ضعيفة فيثبت بها الاستحباب تسامحا وفيه نظر فإنّ الأخبار مختصّة بصورة بلوغ الثّواب وسماعه فلا بد أن يكون البلوغ والسّماع ومع ضعف الدّلالة لا بلوغ ولا سماع نعم قاعدة الاحتياط جارية لكنّها لا تختص بالدّلالة الضعيفة بل تجري في صورة احتمال الدّليل واحتماله للمطلوبيّة الخامس عشر إذا ثبت استحباب شيء بهذه الأخبار فيصير مستحبّا كالمستحبّات الواقعيّة يترتّب عليه من الأحكام التكليفيّة والوضعيّة والمحكي عن الذخيرة أنّه بعد ذكر أنّه يمكن أن يتسامح في أدلة السّنن بالأخبار المذكورة قال لكن لا يخفى أنّ هذا الوجه إنّما يفيد مجرّد ترتب الثواب على ذلك الفعل لا أنّه أمر شرعيّ يترتب عليه الأحكام الوضعيّة المترتبة على الأحكام الواقعيّة انتهى أقول وكأنه حمل الأخبار على عنوان الاحتياط حتّى لا يكون الفعل المحتمل في ذاته محبوبا بل المحبوب هو الفعل مع كون الدّاعي عليه هو احتمال المحبوبية لا الاستحباب القطعي الحاصل من تلك الأخبار فحينئذ فالحق ما ذكره لأنّ الفعل مع قطع النظر عن كون الدّاعي عليه هو رجاء إدراك مطلوب المولى