بمن بلغه الثّواب إلاّ أنّ هذا ممّا لا يترتب عليه مفسدة عملية ولا يوجب وقوع المقلد في خلاف الواقع إذ المقلّد حين العمل يعتمد على فتوى المجتهد فهذه الفتوى محققة لموضوع حكم العقل والنقل فيه باستحقاق الثواب حيث إن المقلّد إنّما يأتي بالفعل رجاء الثّواب وفي هذا الجواب نظر لا يخفى للمتأمل هل يجوز للمقلد أن يعمل بقاعدة التسامح إذا أخذها تقليدا من المجتهد أو حكم عقله بها بناء على الاستناد فيه إلى الاحتياط أم لا الظاهر من بعض الأوّل والتحقيق أنّ قاعدة التسامح كما عرفت سابقا مسألة أصولية يرجع إليها المجتهد في إثبات الاستحباب ودعوى جواز رجوع المقلد إليها إذا أمكنه تشخيص الموضوع بأن يفهم دلالة الرّواية الضّعيفة وسلامتها عن المعارضة ببلوغ الحرمة أو ثبوتها بدليل معتبر ويفهم على تقدير المعارضة ترجيح مدلول أحدهما مع الآخر من حيث قوة الدّلالة أو وجود الجابر إلى غير ذلك معارضة بجواز ذلك في سائر القواعد الأصولية مثل العمل بالأصول في الأحكام الشّرعيّة بل العمل بالأدلّة الشّرعية مثل الكتاب بأن يفهم دلالتها وسلامتها عن المعارض كما لا يخفى فالأقوى عدم جواز رجوع المقلّد إليها إلاّ في طائفة من الموارد الّتي يعلم المجتهد بعدم ثبوت الحرمة فيها وثبوت الأخبار الضعيفة الواضحة الدّلالة بحيث يأمن المجتهد وقوع المقلد في خلاف الواقع لكنّ العمل بالقاعدة حينئذ أيضا جائز بعد تقليد المجتهد في تحقق شروطها وانتفاء موانعها التّاسع إذا وردت رواية ضعيفة بالوجوب أو الحرمة فقد عرفت في أصل المسألة جواز الحكم بالاستحباب والكراهة للأخبار وإن قلنا بدلالتها على العمل بالرّوايات الضعيفة في السّنن لأنّ التبعيض في مدلولات الحجج الظّاهرية أخذا وطرحا ليس يندفع فيحكم في الفعل المذكور بأن فيه أو في تركه رجحانا للأخبار ولا يحكم بثبوت العقاب على خلافه لأصالة البراءة وعدم حجيّة الضعاف في الوجوب والحرمة وكأنّ هذا مقصود الفقهاء وإن أبت عنه ظاهر عباراتهم حيث يقولون بعد ذكر الرّواية الضعيفة الدّالة على الوجوب إن الرّواية ضعيفة تحمل على الاستحباب وحيث إن ظاهر هذا الكلام تفرع الحمل على الاستحباب على ضعف الرّواية طعن عليهم بأن ضعف الرّواية كيف يصير قرينة للحمل على الاستحباب وأنت خبير بأن هذا شيء غير معقول لا يصدر عن غافل فضلا عن الفحول فمرادهم كما عن صريح شارح الدّروس هو أن الحكم بالنسبة إلى الاستحباب وأمّا معنى حمل الرّواية على الاستحباب فهو أن يؤخذ بمضمونه من حيث الثواب دون العقاب فكأن قد ألغيت دلالتها على اللّزوم وعدم جواز التّرك تنزيلا لغير المعتبر منزلة المعدوم العاشر إذا وردت رواية ضعيفة بالاستحباب وورد دليل معتبر على عدم استحبابه ففي جواز الحكم بالاستحباب من جهة الرّواية الضّعيفة وعدمه وجهان بل قولان صرّح بعض مشايخنا بالثّاني لأن الدّليل المعتبر بمنزلة القطعي فلا بد من التزام عدم استحبابه وترتب آثار عدم الاستحباب عليه كما لو قطع بعدم الاستحباب وفيه أن الالتزام بعدم استحبابه ليس إلاّ من جهة ما دل على حجيّة ذلك الدليل المعتبر وهو معارض بالأخبار المتقدّمة وإن سلمنا أنها لا تثبت حجيّة الخبر الضعيف بل مجرّد استحباب فعل ما بلغ عليه الثواب إذ لا مدخل لهذا التعبير في المعارضة فإن معنى حجيّة الخبر الصّحيح تنزيله منزلة الواقع ولا معنى لذلك إلا جعل مضمونه أعني عدم الاستحباب حكما للمكلّف في مرحلة الظّاهر ومضمون تلك الأخبار جعل الاستحباب حكما له في الظاهر وأمّا تنزيل هذا الدّليل المعتبر بمنزلة القطع في عدم جواز العمل بتلك الأخبار في مقابلة فهو ضعيف جدّا لأن الأخبار المتقدّمة من جهة اختصاصها كالفتاوى بغير صورة القطع لا تجري في صورة القطع فكأنّ الشّارع قال إن من بلغه الثّواب على عمل ولم يقطع بكذبه يستحب له ذلك العمل والدّليل المعتبر إنما هو بمنزلة القطع بالنّسبة إلى الأحكام الشرعية المجعولة المتعلقة للقطع لا بالنّسبة إلى الأحكام المترتبة على نفس صفة القطع كيف ولو كان كذلك لم يحسن الاحتياط مع وجود الدّليل المعتبر لأنّه بمنزلة القطعي الذي لا احتياط معه وكذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام قاطعا بحياة ولده فزال قطعه بها مع دلالة الدّليل المعتبر كالاستصحاب أو البينة عليها فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الصّوم والسّرّ في ذلك كلّه أنّ الشارع نزّل المظنون بالأدلّة المعتبرة منزلة الواقع المقطوع به فيترتب عليه آثار الواقع المحتمل المقابل للمظنون منزلة غير الواقع المقطوع بعدمه لا أنّه نزل صفة الظنّ منزلة صفة القطع ونزل نفس الاحتمال المرجوع منزلة القطع بالعدم فالتنزيلات الشّرعيّة في الأدلة الغير العلمية بالنسبة إلى المدرك لا الإدراك فالتّسامح والاحتياط وعدم وجوب الصّوم في الأمثلة المذكورة تابعة لنفس الاحتمال وعدم القطع لا يرتفع بما دلّ على اعتبار الأدلة الظّنيّة ولذا لا ينكر الاحتياط مع قيام الأدلة المعتبرة والعجب ممّن أنكر التّسامح في المقام مع أنّه تمسّك لإثباته بقاعدة الاحتياط فالتحقيق أنّه لا إشكال في التسامح في المقام من باب الاحتياط بل هو إجماعي ظاهرا وأمّا من باب الأخبار فمقتضى إطلاقها ذلك أيضا إلاّ أن يدّعى انصرافها إلى غير ذلك ولا شاهد عليه فيقع التعارض بين هذه الأخبار وأدلة ذلك الدّليل المعتبر لا نفسه لاختلاف الموضوع ومقتضى القاعدة وإن كان هو التساقط إلاّ أنّ الأمر لما دار بين الاستحباب وغيره وصدق بلوغ الثواب ولو من جهة أخبار بلوغ الثّواب حكم بالاستحباب تسامحا فإن قلت أخبار بلوغ الثّواب لا تعم نفسها قلنا نعم غير معقول إلاّ أنّ المناط فيها منقح فلا يقدح عدم العموم اللّفظي لعدم تعقّله فافهم فالقول بالتسامح قويّ جدّا الحادي عشر إذا ورد رواية ضعيفة بالاستحباب وأخرى بعدمه فلا إشكال في التسامح لأنّ الخبر الضعيف ليس حجّة في عدم الاستحباب فوجوده كعدمه ومنه يعلم أنّه لو كان الدّال على عدم الاستحباب أخصّ مطلقا من الدّال على الاستحباب فلا يحمل هنا المطلق على المقيّد ولا العام على الخاص لأن دلالة الخبر الضّعيف على عدم الاستحباب مطلقا أو في بعض الأفراد كالعدم لا يمنع من التّسامح الثّاني عشر لو ورد رواية ضعيفة بالوجوب أو بالاستحباب وأخرى بالحرمة أو الكراهة فلا إشكال في عدم جريان التسامح من باب الاحتياط كما لا يخفى إلاّ إذا بنينا على ترجيح احتمال الخطر كراهة أو تحريما على احتمال المحبوبيّة وجوبا أو استحبابا وتقديم احتمال اللّزوم فعلا أو تركا على غيره وأمّا من جهة الأخبار فالظّاهر أيضا عدم التسامح لأنّ كلاّ من الفعل والترك قد بلغ الثّواب عليها وظاهر الرّوايات استحباب كلّ من الفعل والترك