بترتب الثواب على العمل المذكور لا يستلزم الاستحباب وأجيب بأن الثواب لا يكون إلاّ فيما يترجّح فعله على تركه وليس المستحب إلاّ ما كان كذلك وجاز تركه وفيه أنّ الثّواب قد يكون على إتيان الشيء لاحتمال كونه محبوبا راجحا وهذا لا يحتاج في ترتب الثّواب إلى رجحان آخر غير الرّجحان المحتمل وقد ذكرنا سابقا أنّ هناك شيئين أحدهما فعل محتمل المطلوبية لداعي احتمال كونه مطلوبا وهو معنى الاحتياط وهذا لا يحتاج في ثبوت الثواب عليه إلى صدور طلبه من الشّارع بل يكفى احتمال كون الفعل مطلوبا مع كون داعي الفاعل هو هذا الاحتمال والثّاني مجرّد إتيان محتمل المطلوبيّة من دون ملاحظة كون الداعي هو الاحتمال وهذا لا يترتب الثواب إلاّ إذا ورد الأمر به شرعا لأن ترتب الثواب لا يكون في فعل إلاّ إذا كان الدّاعي عليه طلبا محقّقا أو محتملا واحتمال الأمر موجود لكنه لم يصر داعيا بالفرض فإذا كان الأمر المحقق غير موجود فلا ثواب فحاصل الإيراد أنّه كما يمكن أن يكون الأخبار محمولة على الوجه الثّاني بأن يكون الشّارع قد طلب بهذه الأخبار مجرّد فعل محتمل المطلوبيّة فيكون إخباره بالثواب عليه كاشفا عن أمره به فيكون هذا الثواب المخبر به بإزاء موافقة الاستحباب الّذي كشف عنه بيان الثّواب كذلك يحتمل أن يكون إخباره هذا بالثواب على الوجه الأوّل ويكون بيانا لما يحكم به العقل من استحقاق العامل لداعي احتمال المطلوب والثواب المرجوّ ولو على فرض مخالفة ما رجاء للواقع فيكون الإخبار مختصّا بما إذا فعل الفعل لداعي احتمال المطلوبيّة بل ربّما يدعى أنّ هذا هو الظاهر من هذه الأخبار مع تفاوتها في مراتب فإن قوله في غير واحد منها ففعله رجاء ذلك الثواب كالصّريح في ذلك وما خلا عن هذا القيد فإنما يستفاد منه كون الدّاعي إلى الفعل احتمال المحبوبيّة من جهة تفريع إتيان الفعل على البلوغ بالفاء الّتي هي ظاهرة في الترتب فإن الفعل لا يترتب على البلوغ ولا تأثير للبلوغ فيه على وجه سوى كون ما يورثه البلوغ من القطع أو الظنّ أو الاحتمال داعيا إلى العمل اللهمّ إلاّ أن يمنع من دلالة الفاء على ما ذكر من السّببيّة والتّأثير بل هي عاطفة على نحو قوله من سمع الأذان فبادر إلى المسجد كان له كذا فالأخبار الخالية عن تعليل الفعل برجاء الثواب غير ظاهرة في مضمون الأخبار المشتملة على التعليل بل هي ظاهرة في ترتب الثواب على نفس الفعل واللاّزم من ذلك كونها مسوقة لبيان استحبابه لما عرفت من أن إتيان محتمل المحبوبيّة بما هو هو لا يوجب الثواب فالأخبار بثبوت الثواب عليه بيان لاستحبابه ويؤيّد ما ذكرنا فهم الأصحاب القائلين بالتّسامح ومنها أنّ هذه الأخبار لو نهضت للدّلالة على استحباب الشيء بمجرّد ورود الرّواية الضعيفة لنهضت للدّلالة على وجوب الشيء بذلك لأنّ الرّواية إذا دلت على الوجوب يؤخذ بها ويحكم بكون الفعل طاعة والمفروض أنّ المستفاد من الرّواية كون طلبه على وجه يمنع من نقيضه فيثبت الوجوب وقد يجاب بأنا لم نعمل بالرّواية الضعيفة حتّى يلزمنا الأخذ بمضمونه وهو الطلب البالغ حدّ الإلزام والمنع من النقيض وإنّما عملنا بالأخبار الدّالة على استحباب ما ورد الرّواية بأنّ فيه الثّواب وهذا منه فيستحب وإن كان واجبا على تقدير صدق الرّواية في الواقع ولا تنافي بين وجوب الشّيء واقعا واستحبابه ظاهرا والأولى في الجواب هو أنا لو قلنا أيضا بحجيّة الخبر الضعيف بهذه الأخبار فإنا نقول بحجيّته في أصل رجحان الفعل دون خصوصيّته من النّدب أو الوجوب فإنّ الواجب فيها التّوقف والرّجوع إلى الأصول العمليّة كأصالة البراءة وكم من حجة شرعية يتبعّض في مضمونها من حيث الأخذ والطّرح وهناك أيضا بعض الاحتمالات التي ذكروها في معنى هذه الأخبار لم نتعرض لذكرها لبعدها وعدم فائدة مهمّة في ردّها وينبغي التنبيه على أمور الأوّل أنّه إذا احتمل الفعل المذكور التحريم احتمالا غير مستند إلى رواية أو فتوى ففيه فإن قلنا بالتّسامح من باب الاحتياط فهو غير متحقّق لأنّ احتمال الحرمة أولى بالمراعاة ولا أقلّ من تساويه مع احتمال الرّجحان في الفعل اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ الّذي لا يتأتى مع احتمال الحرمة هو الاحتياط بمعنى الأخذ بالأوثق وأمّا قاعدة جلب المنفعة المحتملة فتوقفها على عدم احتمال الحرمة محلّ نظر إذ الغرض قد يتعلق بخصوص المنفعة المحتملة في الفعل إلاّ أن يقال إنّ الكلام في الحسن العقلي وحكم العقل باستحقاق من أتى بمحتمل المحبوبيّة رجاء محبوبيّة الثواب والعقل هنا غير حاكم نعم لو فرض كون المحبوبيّة المحتملة على تقدير ثبوتها واقعا أقوى من محبوبيّة الترك المحتملة فالظاهر ترجيح الفعل ومن هنا ربّما يحكم برجحان فعل ما احتمل وجوبه وكراهته وترك ما احتمل حرمته واستحبابه هذا من حيث قوّة المحبوبيّة وأمّا من حيث إن دفع الضّرر أولى من جلب النفع فلا إشكال في ترجيح احتمال لزوم الفعل أو الترك وأمّا بناء على أخبار التّسامح فالظاهر إطلاقها وعدم تقييدها بعدم احتمال الحرمة نعم ما اشتمل منها على التعليل برجاء الثواب ظاهر في صورة عدم احتمال التحريم لكنك قد عرفت أن المعتمد في الاستدلال هو إطلاق غيرها والمطلق هنا لا يحمل على المقيد كما لا يخفى اللهمّ إلاّ أن يدعى انصراف تلك الإطلاقات أيضا إلى غير صورة احتمال التحريم وعلى الإطلاق ففي صورة احتمال الحرمة فيما وردت الرّواية الضعيفة باستحبابه فهنا يتعارض استحباب الفعل لأجل الأخبار واستحباب الترك لأجل قاعدة الاحتياط والظّاهر عدم التعارض بل يحكم بكون كل من الفعل والتّرك مستحبّا ولا ضير في ذلك كما إذا دلّ على استحباب شيء دليل معتبر ودلّ على تحريمه أمارة غير معتبرة كالشّهرة مثلا فإن فعله من حيث هو مستحب وتركه لداعي احتمال مبغوضيته للمولى أيضا محبوب فلم يتوجّه الاستحبابان إلى الفعل المطلق والترك المطلق ثم لو فرض حكم العقل بأن دفع مضرّة التحريم المحتملة أولى من جلب منفعة الاستحباب المقطوع بها قبح حكم الشّارع بطلب محتمل التحريم واستحبابه فلا بد من تقييد الأخبار بما عدا صورة احتمال التحريم الثّاني هل يعتبر في الرّواية الضّعيفة أن يفيد الظنّ أو يكفي فيه أن لا يكون موهوما أو لا يعتبر ذلك أيضا وجوه منشؤها إطلاقات النصوص والفتاوى وإمكان دعوى انصراف النّصوص الّتي هي مستند الفتاوى إلى صورة عدم كون مضمون الرّواية موهوما أو إلى صورة كونه مظنونا والاحتمال الأوسط أوسط الثّالث هي يعتبر فيها أن تكون مدونة في كتب الخاصّة أم لا الأقوى هو الثّاني لإطلاق الأخبار وقد حكي عن بعض منكري التسامح إلزام القائلين به بأنّه يلزمهم أن يعملوا بذلك مع ما ورد من النّهي