فيه فعن السّيّد الصّدر نسبة الأوّل إلى المجتهدين وقيل بالثّاني والمصنف رحمهالله قد أهمل بيان أقسام المسألة وأحكامها وتحقيق الكلام فيها يحتاج إلى بسط في الكلام مع الإشارة في ضمنه إلى ما يتعلق بما حققه المصنف رحمهالله قدسسره فنقول بتوفيق من الملك العلاّم ودلالة من الأئمة الأطهار عليهمالسلام إنّه إذا دار الأمر في حكم فعل بين الوجوب وغير الحرمة كما هو موضوع البحث في المقام فهو يتصوّر على وجوه أحدها ما دار الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب الثّاني ما دار الأمر فيه بين الوجوب والإباحة الثّالث ما دار الأمر فيه بين الوجوب والكراهة الرّابع ما دار الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب والكراهة الخامس ما دار الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب والإباحة السّادس ما دار الأمر فيه بين الوجوب والإباحة والكراهة السّابع ما دار الأمر فيه بين الأربعة والشّكّ في الثلاثة الأوّل ثنائي وفي الثّلاثة الوسطى ثلاثي وفي الأخير رباعيّ وشبهة الوجوب فيما عدا دوران الأمر بين الوجوب والاستحباب من الثنائيات إمّا أن تكون ناشئة من وجود دليل ضعيف كالخبر الضّعيف أو وجود فتوى فقيه أو انقداح رجحان إلزامي في نظر الفقيه لأنه ربّما تختلج بباله شبهة وجوب من خصوصيّات المقام من دون أن يكون فيه دليل ضعيف وإن كان فتوى فقيه وإنّما استثناء صورة دوران الأمر بين الوجوب والاستحباب لعدم شمول أخبار التّسامح لها لظهورها بل صراحتها كما ستعرفه في ترتب الثواب على عمل مشكوك الرّجحان بخلاف هذه الصّورة لكون الرّجحان فيها يقينيّا والشبهة إنّما هي في تحققه في ضمن فصل الوجوب أو الاستحباب ولذا لو أتى به بقصد القربة المطلقة حكم بصحّته لو كان من العباد وترتب عليه الثواب لا محالة ومن هنا قد استثناها المصنف رحمهالله من مورد الوجهين اللذين قوّى أوّلهما وكيف كان فالمقصود في المقام بيان حكم الوجهين الأوّلين من الثنائية لظهور حكم غيرهما بعد الإحاطة بما سنذكره فيهما أمّا الأوّل أعني ما دار الأمر فيه بين الوجوب والاستحباب كالشك في وجوب دعاء رؤية الهلال واستحبابه فقد عرفت نسبة السّيّد الصّدر القول بالاستحباب فيه إلى المجتهدين وقد يحتج له بأنّ الرّجحان المطلق ثابت فيه يقينا فإذا نفت أصالة البراءة فصل الوجوب أعني المنع من التّرك ثبت فصل الاستحباب لامتناع بقاء الجنس بلا فصل فيثبت الاستحباب وفيه أوّلا أنّ مقتضى أصالة البراءة ليس إلاّ مجرّد نفي العقاب على مخالفة الواقع لو اتّفقت لا نفي الوجوب كما تقدّم في بعض الحواشي السّابقة وثانيا أن الثابت في الواقع إنما هو أحد الأمرين من الوجوب والاستحباب ولا ريب في قيام كلّ منهما بفصله الخاصّ ولا بقاء للجنس مع عدم فصله ولذا قيل بكونه علة له فإذا انتفي فصل الوجوب بالأصل فلا بد من انتفاء جنسه الّذي تحقق في ضمنه إن كان الفعل واجبا في الواقع فلا يبقى جنسه حتّى يتحقق في ضمن فصل الاستحباب ولذا قيل إن الفصول لا تثبت بالأصول فإثبات الاستحباب حينئذ يحتاج إلى دليل آخر لا محالة ونقل في الضوابط عن صاحب الرّياض القول بالتخيير قائلا إنّ الشك الواقع في المكلف به على قسمين أحدهما الشّك في متعلق الطلب كما لو دار الأمر فيه بين الوجوب والحرمة والآخر الشك في كيفيّة الطلب كما في دوران الأمر فيما نحن فيه بين الوجوب والاستحباب وفي كلا القسمين نحكم بالتخيير البدوي انتهى وحاصله منع جريان البراءة في المقامين فيؤخذ بأحد الاحتمالين وفيه أنّ مقتضى أصالة البراءة ليس إلاّ مجرّد نفي العقاب ومقتضاها في المقام جواز كلّ من الفعل والترك فلا وجه لمنع جريانه هنا اللهمّ إلاّ أن تؤخذ أصالة البراءة بمعنى استصحابها فيقال إن ما نحن فيه من قبيل ما علم بحدوث حادث وشك في الحادث وهو خصوص الوجوب والاستحباب فاستصحاب عدم أحدهما معارض باستصحاب عدم الآخر وبعد تساقطهما لأجل التعارض لا مناص من الحكم بالتخيير ولكن أخذها بهذا المعنى فاسد جدّا كما أشار إليه المصنف رحمهالله غير مرة والتحقيق ما عرفت من جواز الإتيان بالفعل بنيّة مطلقة من دون اعتبار وجوبه واستحبابه لعدم الدليل على تعيين أحدهما بالخصوص وأمّا الثّاني أعني ما دار الأمر فيه بين الوجوب والإباحة مع عدم وجود دليل ضعيف ولا قول فقيه فيه فلا إشكال في رجحان الاحتياط فيه ولعلّه يثاب عليه أيضا كما أفاده المصنف ره إذا أتى به بداعي احتمال المحبوبيّة لأنّ ذلك وإن لم يكن إطاعة حقيقة نظرا إلى توقفها على العلم بالأمر إلاّ أنّه في حكمها لكون العبد معه شبيها بالمنقادين ولعلّ الحكم بالثواب هنا أولى من الحكم بترتب العقاب على ترك الاحتياط اللاّزم كما أفاده المصنف رحمهالله والوجه فيه يظهر ممّا أسلفناه عند شرح ما يتعلق بالتّنبيه الرّابع من تنبيهات المسألة الأولى من مسائل المطلب الأوّل فراجع ولكن مع ذلك لا يحكم باستحباب الفعل لأن حسن الاحتياط وترتب الثواب عليه لا يستلزم حسن المحتاط فيه ورجحانه من حيث هو لفرض عدم كون الإتيان به إطاعة حقيقية حتّى تستدعي وجود أمر كاشف عن حسن المأمور به ولذا قد حكم المصنف رحمهالله بعدم كون ما يترتب على الاحتياط ثوابا بل هو نوع تفضل من الله سبحانه لأجل جعل نفسه في عدد المطيعين لأن الثّواب هو الجزاء على فعل المأمور به ولا علم بالأمر هنا بالفرض وتوضيحه أنّ الثّواب كما عرفه القوشچي هو النفع المستحق المقارن للتعظيم والإجلال وقيد الاستحقاق احتراز عن التفضل والمقارنة احتراز عن الأجرة واشترطوا في موجبه المشقّة نظرا إلى عدم اقتضاء ما ليست فيه مشقة لذلك وصرحوا بعدم صحّة الابتداء به وعلله المحقّق الطوسي بأنّه لو أمكن الابتداء به كان التكليف عبثا ولعل الوجه في إخراج المصنف رحمهالله ما يترتب على الاحتياط من الحد هو عدم ثبوت الاستحقاق بذلك والوجه فيه أيضا يظهر ممّا حققناه في مبحث المقدّمة في وجه عدم ترتب الثّواب على الواجبات الغيرية لكون الاحتياط أيضا من المقدّمات العلمية كيف ولو كان ذلك سببا للثواب كان الإتيان بمقدّمات الحرام أيضا سببا للعقاب فتلزم حرمة الأفعال المباحة غالبا لكونها من مقدّمات الحرام وقد أشرنا سابقا إلى بعض الكلام في ذلك وإلى اختصاص حرمة المقدّمة بصورة قصد التوصّل بها إلى الحرام وبالعلّة التّامة له وبالجملة أنّ الظّاهر اختصاص موجب الثواب بإطاعة الأوامر فما يترتب على الاحتياط على تقدير عدم إصابة الواقع لا بدّ أن يكون من باب التّفضل دون الثّواب ومن ذلك كلّه قد قوّى المصنف رحمهالله عدم