حرام واقعيّ عادة أو بأخبار الإمام عليهالسلام كما ادّعاه المحقق المذكور فاسد جدّا أمّا الأوّل فإن الشّبهات ليست من الأمور الواقعيّة الثّابتة الّتي لا تختلف بالنسبة إلى الأشخاص إذ شيء واحد ربّما يكون راجحا عند شخص ومشكوكا فيه عند آخر وموهوما عند ثالث وحينئذ يمكن فرض شخص لا تكون الشّبهات الحاصلة له في الواجبات والمحرّمات المتعلّقة به لأجل قلتها مستلزمة للعلم الإجمالي المذكور إمّا من جهة كونه في بدو الإسلام أو بعيدا عن بلاد الإسلام أو محبوسا في مغمورة أو نحو ذلك وظاهر قوله صلىاللهعليهوآله من أخذ بالشّبهات ارتكب المحرّمات هو العموم بالنسبة إلى جميع المكلّفين فلا تتم دعوى الاستلزام بحسب العادة هذا إن أراد الاستلزام بالنسبة إلى غير المجتهدين وإن أراد بالنسبة إليهم فيمكن منع الاستلزام أيضا إذ الكلام في المقام هي الشبهات الحكميّة التحريميّة وهي لقلّة وجودها في الخارج غير مستلزمة للعلم الإجمالي المذكور كما هو واضح وأمّا الثّاني فإنّ الظّاهر أن قوله صلىاللهعليهوآله من أخذ بالشّبهات ارتكب المحرّمات وارد في مقام الأخبار عن الملازمة العادية التي قد عرفت خلافها على تقدير إرادة العموم فلا بدّ من حمله على معنى آخر يصحّ معه ذلك مضافا إلى أنّ ارتكاب جميع الشّبهات غير ممكن أو غير متحقّق في الخارج إلاّ في بعض الفروض النّادرة فيخرج الكلام مع الحمل على العموم مخرج اللّغوية إذ النّهي عن ارتكاب غير الممكن أو غير المتحقّق في الخارج مع العلم به لا يليق أن ينسب إلى الحكيم فضلا عن الحكيم على الإطلاق وأمّا الحمل على إرادة معنى الجنس وقد تقدّم أنّ المراد بارتكاب الحرام حينئذ إمّا هو الارتكاب الفعلي أو على وجه المشارفة وعلى التقديرين فالمراد بالحرام إمّا الحرام المعلوم الحرمة أو الحرام الواقعي المجهول فأمّا على تقدير إرادة الارتكاب الفعلي مع إرادة الحرام المعلوم الحرمة فيرد عليه منع استلزام ارتكاب جنس الشّبهة لارتكاب الحرام المعلوم الحرمة مثل شرب الخمر وأكل الرّبا وكذا مع إرادة الحرام الواقعي المجهول أيضا وأمّا على تقدير إرادة الارتكاب على وجه المشارفة مع إرادة الحرام المعلوم الحرمة فالظاهر أنّ هذا هو المقصود من الرّواية وحاصله بيان أن ارتكاب الشّبهات يوجب الاجتراء على ارتكاب المحرّمات المعلومة ويكون المكلّف معه في شرف ارتكابها فإن قلت أنّ هذا المعنى لا يناسبه قوله صلىاللهعليهوآله وهلك من حيث لا يعلم لأنّه مع حمل الارتكاب في النبوي على إرادة الارتكاب على وجه المشارفة لا بدّ أن يراد بالوقوع في الهلاكة أيضا وقوعه فيها كذلك وحينئذ يكون الوقوع فيها عن علم لا من حيث لا يعلم قلت إنّ المكلّف عند ارتكاب الشّبهة ربّما يعقد قلبه على الاجتناب عن المحرّمات المعلومة إلاّ أنّ ارتكابها من حيث كونه سببا للاجتراء ربّما يؤدّي إلى الوقوع فيها فيما بعد ذلك وإن لم يخطر ذلك بباله أو عقد قلبه على خلافه حين الارتكاب فيصدق حينئذ كون الوقوع في الهلاكة عن جهل لا عن علم وقصد فتدبّر وبالجملة أنّ ما ذكرناه هو الظّاهر من الرّواية وتؤيّده الأخبار التي نقلها المصنف رحمهالله وحينئذ يبقى الكلام مع الأخباريين في أن ارتكاب الشّبهة إذا أدّى إلى ارتكاب الحرام أحيانا من جهة إيراثه الاجتراء أو قساوة القلب أو غير ذلك فهل يوجب ذلك حرمته أو لا وأنّى لهم بإثباته لأنّ غايته إثبات استحباب الاحتياط لا وجوبه نظير كراهة بيع الأكفان لخوف حبّ موت النّاس وكراهة بيع الصّرف لخوف الوقوع في الرّبا وأمّا على تقدير إرادة الارتكاب على وجه المشارفة مع كون المراد بالحرام هو الحرام الواقعي للمجهول بين الشّبهات فظني أنّ هذا هو مراد الأخباريين في مقام الاستدلال بالرّواية ولكن الكلام معهم حينئذ في أنّ مجرّد احتمال ارتكاب الحرام الواقعي بارتكاب الشّبهة هل يوجب حرمته أو لا وأنى لهم بإثباته ومن التأمّل فيما ذكرناه يتضح ما رامه المصنف رحمهالله من المقام غاية الوضوح وقد تلخّص ممّا ذكرناه عدم صحّة إرادة العموم من الشّبهات وكذا إرادة معنى الجنس مع إرادة الارتكاب الفعلي للحرام بكلا قسميه وأمّا إرادة معنى الجنس مع إرادة الارتكاب على وجه المشارفة سواء أريد من الحرام الحرام المعلوم الحرمة أو الحرام المجهول في الواقع فهو لا يفيد أزيد من الاستحباب ويؤيّده ما نقله المصنف رحمهالله من الأخبار فإن قلت كيف نحمله على الاستحباب وقد استشهد الصّادق عليهالسلام بالنبوي للترجيح بالشّهرة ورفض الشاذّ النادر والعمل بمقتضى المرجحات المعتبرة واجب قلت إنّ المصنف ره وإن أشار إلى حلّ عقدة هذا الإشكال إلاّ أنا نشير إلى زيادة توضيح لذلك ونقول إنّ الصّادق عليهالسلام بعد أن حكم بالأخذ بالمشهور ورفض الشّاذ النّادر علّل ذلك بنفي الرّيب عن المجمع عليه وقد تقدّم في بعض الحواشي السّابقة أنّ المراد به عنه نفيه بالإضافة إلى الشّاذ النّادر لا مطلقا ومقصوده عليهالسلام الاستدلال على الأخذ بالمشهور بالدّليل والبرهان وحاصل ما استدلّ به يرجع إلى أنّه مع رجحان أحد المتعارضين من جهة الموافقة للشّهرة مثلا يجب الأخذ به لرجحانه وانتفاء الرّيب عنه ولو بالإضافة إذ لا ريب أن رفضه والأخذ بالشّاذّ النادر ممّا فيه الرّيب لكونه اختيارا للمرجوح على الرّاجح ثمّ علّل ذلك بتثليث الأمور وأنّها لا تخلو إمّا أن يكون بيّن الرّشد فيجب اتباعه وإمّا أن يكون بيّن الغيّ فيجتنب عنه وإمّا أن يكون أمرا مشكلا لا يعلم رشده ولا غيّه فيردّ علمه إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله والأخذ بالمشهور من قبيل الأوّل لما عرفت من أنّ رفضه والأخذ بالشّاذّ النّادر ترجيح للمرجوح إلى الرّاجح وهو داخل في بيّن الغيّ والشّاذ وإن كان من الأمور المشكلة الّتي يجب ردّ علمه إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله من حيث شذوذه واعتباره في نفسه واحتمال كون الحكم الواقعي ما تضمّنه خاصّة إلاّ أنّ الأخذ بالمشهور مستلزم لرفضه فالأخد بالمشهور إمّا هو لأجل كونه من البيّن الرّشد ولو بالإضافة إلى الشّاذ النّادر وترك الشّاذّ النّادر ليس من جهة كونه من البيّن الغيّ الّذي أمر الإمام عليهالسلام بتركه بل من جهة كون الأخذ بالمشهور مستلزما لذلك بعد فرض تعارضهما وعدم إمكان الجمع بينهما ومن هنا يندفع ما قدّمناه عن صاحب الفصول عند شرح قوله وجه الدّلالة أن الإمام عليهالسلام إلخ واستجودناه أيضا من دخول الشّاذّ النّادر في بيّن الغيّ بقرينة مقابلته للمشهور ثمّ استشهد عليهالسلام بالنّبوي لوجوب ردّ علم الأمر المشكل إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله ولمّا أشكل ذلك في الظاهر من حيث عدم وجوب الاحتياط في المشتبه بين الحلال والحرام لأنّ غايته